تطورات متلاحقة تشهدها أزمة ليبيا في ظل تصورات جديدة بشأن حل سياسي يلوح في الأفق. ووجود توافقات دولية بشأنه خاصة في أعقاب تقارب الموقفين المصري والتركي مؤخرًا.
الحراك الدولي والإقليمي الحاصل يأتي كمحاولة لقطع الطريق أمام الحل العسكري. الذي بدأ يطل برأسه مجددا. في وقت تسود فيه مخاوف من اندلاع حرب في طرابلس في ظل التحشيدات العسكرية. والتي يقوم بها موالون لرئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا. حيث تشهد مدينة مصراتة مسقط رأس رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وباشاغا عمليات تحشيد عسكرية بقيادة العميد سالم جحا. بالتنسيق مع قوات لمدينة الزنتان بإشراف اللواء أسامة الجويلي -رئيس المخابرات العسكرية الذي أقاله الدبيبة من منصبه مؤخرا.
التحركات الدولية والإقليمية بشأن ليبيا تأتي هذه المرة في وقت تبدو الإشارات القادمة من تركيا -كلاعب رئيسي في أزمة ليبيا وتمتلك قوات ومرتزقة تابعين لها في الغرب الليبي- مباركة وداعمة لحل توافقي.
وحملت الإشارات حيادا تركيا بشأن حكومة الوحدة ورئيسها الذي ظل لفترة طويلة يراهن على دعم أنقرة في التمسك بمنصبه. وعدم تسليمه السلطة بعد انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الذي تولى السلطة التنفيذية بموجبه.
المشري وعقيلة صالح..وحديث الحكومة الثالثة
مساء الأحد 14 أغسطس/آب الجاري وصل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري إلى العاصمة المصرية القاهرة. وذلك بدعوة من المسئولين في مصر ضمن جهود “إطفاء الحرائق” على الاتجاهات الاستراتيجية. والتي يتصدرها ما يهدد الأمن القومي المصري على الحدود الغربية بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي في ليبيا.
اللقاء بين “المشري” و”صالح” في القاهرة يأتي وسط تصاعد الحديث في الأوساط السياسية الليبية بشأن إمكانية تشكيل حكومة ثالثة جديدة. فيما يعد مخرجا من الأزمة السياسية الراهنة والموضع المتحجر أمام إصرار الدبيبة على عدم تسليم السلطة. فضلا عن رغبة باشاغا في الدخول للعاصمة طرابلس وممارسة مهام منصبه منها.
الحديث عن حكومة ثالثة تحظى بتوافق الفرقاء الليبيين -وفقا لمصدر برلماني ليبي مقرب من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح- هو مقترح يدور حول مجموعة تصورات. من أبرزها تشكيل حكومة “هجين” -بحسب تعبيره- عبر إدخال تعديلات واسعة على “حكومة الاستقرار” برئاسة باشاغا. بحيث تتضمن اثنين من نواب رئيس الحكومة يكونان معبرين عن الأطراف التي يمثلها الدبيبة والداعمة له. مع ضم بعض وزراء حكومة الوحدة الوطنية لتشكيل حكومة باشاغا.
التصور الآخر المطروح في إطار الحل الخاص بـ”الحكومة الثالثة” بحسب المصدر الليبي يتمثل في تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة. وذلك بعدد قليل من الحقائب تتولى تسيير الأعمال لحين إجراء الانتخابات. لافتا إلى أن أبرز الأسماء المرشحة لتولي “حكومة الإنقاذ” هو عبدالله اللافي -نائب رئيس المجلس الرئاسي الحالي.
مجلس رئاسي مؤقت
وضمن مساعي التوصل إلى حل للأزمة الليبية تظهر تحركات متعلقة بإحياء المسار الدستوري للتوصل لقاعدة دستورية تقام على أساسها الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ووفقا لنائب ليبي تحدث لـ”مصر360″ شريطة عدم نشر اسمه فإن هناك محاولات لأطراف دولية على رأسها تركيا لإعادة إحياء “ملتقى الحوار السياسي”. والذي سبق وتوصل إلى تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الحاليين. وذلك في محاولة للتوصل إلى صيغة نهائية للقاعدة الدستورية من جهة. وتشكيل حكومة إنقاذ جديدة تكون مهمتها التجهيز للانتخابات من جهة أخرى.
ويشير النائب الليبي إلى تصور يدور النقاش بشأنه في أروقة السياسة الليبية حول شكل المرحلة القادمة. كاشفا أن هناك مقترحا بتشكيل مجلس رئاسي جديد يترأسه عقيلة صالح. إلى جانب حكومة تسيير أعمال برئاسة عبد الله اللافي.
وقال النائب المحسوب على كتلة غرب ليبيا: “هذا التصور يتمتع بدعم محلي ودولي نوعا ما”. مضيفا: “يحتاج لقليل من التعديلات والرتوش النهائية ليحظى بتوافق أطراف المشهد جميعا”.
إحياء المسار الدستوري
في هذه الأثناء تتركز الجهود التي تقودها القاهرة على استئناف المفاوضات بشأن المسار الدستوري. الذي تعطلت المحادثات بشأنه منذ أكثر من شهر. وذلك بعد فشل اللجنة الدستورية المشتركة بين مجلسي النواب و الأعلى للدولة. والتي انعقدت في العاصمة المصرية على مدار جولتين في التوافق على المواد الدستورية بشأن الانتخابات. قبل أن يفشل أيضا اللقاء الذي عقد في مدينة جينيف السويسرية يونيو/حزيران الماضي بين صالح والمشري في التوصل إلى حل بشأن المواد الخلافية.
الخلاف الرئيسي الذي فشلت الجولات السابقة في تجاوزه بشأن القاعدة الدستورية يتعلق بشروط الترشح للرئاسة. إذ يضغط أعضاء من مجلس الدولة لمنع ترشح القادة العسكريين والحاملين لجنسيات أجنبية لرئاسة ليبيا. في المقابل يتمسك مجلس النواب بعدم النص في القاعدة الدستورية على مثل ذلك الشرط. الذي يرون أنه “يستهدف أساسا قائد الجيش الليبي (شرق ليبيا) خليفة حفتر.
مؤشرات تقارب الرؤى المصرية التركية بشأن ليبيا
المشاورات بشأن الحكومة الثالثة وتصورات الحل السياسي لأزمة ليبيا تأتي هذه المرة وسط أجواء دولية مختلفة. في ظل المؤشرات حول تقارب الرؤى المصرية التركية بشأن أوضاع ليبيا.
فمطلع يونيو/حزيران الماضي شاركت شخصيات مصرية وتركية معنية بالملف الليبي بجانب مسئولين كبار من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا في اجتماع رفيع استقبلته تونس لبحث الأوضاع الليبية تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة. حيث شهد الاجتماع وقتها بحسب المستشارة الأممية المنتهية ولايتها ستيفاني وليامز تأكيدات من جانب المشاركين على “دفع بلادهم نحو تنظيم الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة على أساس متين. وإطار دستوري توافقي في سبيل تحقيق تطلعات الشعب الليبي في انتخاب من يمثله”.
وشهد يوليو/تموز الماضي المؤشر الأكثر وضوحا على كسر حاجز الخلافات بين أنقرة والقاهرة. بعدما كشفت تقارير دولية عن مشاركة مصرية فعالة في اجتماع أممي ضم مبعوثي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في تركيا بشأن ليبيا قالت عنه المستشارة الأممية بعد ذلك إنه كان إيجابيا.
تبادل زيارات فارقة
أما ثالث المؤشرات فيتمثل في تبادل الزيارات والاجتماعات بين المسئولين الليبيين الذين يحظى كل منهم بدعم طرف من الطرفين. حيث استقبلت أنقرة مؤخرا اجتماع المشري الذي يوصف بأنه “رجل تركيا الأول في غرب ليبيا”. مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب المعروف عنه تمتعه بدعم مصري كبير. حيث مثلت زيارة “صالح” لتركيا نقطة تحول نوعي أيضا نظرا للخلافات السابقة بينه وبين المسئولين الأتراك. كما أنها تعد الزيارة الأولى له منذ توليه رئاسة مجلس النواب في .2014
لم تمر سوى أيام قليلة بعد اللقاء حتى وصل صالح إلى القاهرة. فيما أكدت تقارير ليبية أنه سيعرض على المسئولين في مصر نتائج مباحثاته في أنقرة التي تخللها لقاء مع الرئيس التركي رجب أردوغان.
اللقاء بين صالح والمشري في تركيا أعقبه لقاء مماثل في القاهرة. بما يوحي أنه استمرار لبحث الرؤى محل النقاش بين البلدين. وذلك للتوصل إلى حل سياسي يجنّب ليبيا أي تصعيد عسكري جديد.
ومؤخرا أعلن السفير التركي لدى ليبيا كنعاز يلماز التزام بلاده الحياد تجاه الصراع الدائر في ليبيا حاليا. بعدما نفى إرسال وفد تركي لمطالبة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بتسليم السلطة إلى باشاغا. مشددا أن بلاده “تنتهج مقاربة شاملة تجاه ليبيا. بحيث تنظر إليها ككل دون التمييز بين شرقها وغربها. وتدعم الاستقرار والتوافق السياسي في هذا البلد”.
محاولات للتوافق حول مبعوث أممي جديد
مقابل التحركات الدولية والإقليمية المتعلقة بالدفع نحو توافق الأطراف المحلية على حلول للأزمة السياسية في ليبيا.. تسابق الأمم المتحدة الزمن للتواصل إلى توافق بين اللاعبين الإقليميين للاستقرار على تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا خلفا للأمريكية ستيفاني وليامز. التي انتهت مهمتها في يوليو/تموز الماضي.
وأكدت الأمم المتحدة في أعقاب جلسة مجلس الأمن الاثنين الماضي أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش “سيواصل قدر الإمكان عملية اختيار مبعوث جديد له في ليبيا”.
وقال ستيفان دوجاريك -المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: “نأمل أن نجد مرشحًا مقبولاً من جانب الأطراف المعنية”. مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “هناك بعض التحديات التي تعود إلى الانقسامات الموجودة والواضحة بشأن اسم المرشح الجديد”.
ترشيحات المبعوث الأممي لليبيا تشهد تنافسا كبيرا بين ثلاثة أسماء. خاصة بعدما دعم عدد من القوى الكبرى في مقدمتها روسيا والصين اختيار مبعوث أفريقي للمهمة.
ويتنافس كل من وزير الخارجية التونسي الأسبق والرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في مالي المنجي الحامدي ووزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم والوزير السنغالي السابق عبد الله بتيالي الذي يعد الأقرب للمنصب.