أقرت الأمم المتحدة من خلال لجنة حقوق الطفل في تعليقها العام رقم 19 لسنة 2019 أن الحفاظ على السلامة العامة هدف مشروع لنظام العدالة، بما فيه نظام قضاء الأطفال. ومع ذلك، ينبغي للدول الأطراف أن تخدم هذا الهدف رهنا بالتزاماتها الخاصة باحترام وتنفيذ مبادئ قضاء الأطفال المكرسة في اتفاقية حقوق الطفل. وكما تنص الاتفاقية بوضوح في المادة 40، ينبغي أن يُعامل كل طفل يُدَّعى أنه انتهك قانون العقوبات أو يُتَّهم بذلك أو يثبت عليه ذلك بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره. وتشير الأدلة إلى أن انتشار الجريمة التي يرتكبها الأطفال يميل إلى الانخفاض بعد اعتماد نظم تتماشى مع هذه المبادئ.
اقرأ أيضا.. الحماية الموضوعية للأطفال في نزاع مع القانون
وعلى الرغم من كون الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة قد قامت ببناء عدد من السجون الجديدة، إلا أن ذلك لم يكن مرتبطا سوى بالسجون المخصصة للمجرمين الراشدين، ولم يشمل ذلك تطويرا أو تحديثا للمؤسسات العقابية المخصصة لاحتجاز أو لمعاقبة الأطفال –من هم فوق الخامسة عشر ودون الثامنة عشر- وهم الفئة الأكثر احتياجا لأماكن تتناسب مع مراحلهم السنية التي يمرون بها، وهي تلك التي تتطلب نوعا خاصة من المعاملة العقابية، يكون الهدف الرئيسي منها هو الإصلاح، وليس مجرد قضاء سنوات مقضي بهم ضدهم دونما أي إصلاح تربوي واجتماعي ونفسي.
وإذ إن السياسات الجنائية الحديثة قد أجمعت على أن ظاهرة جنوح أو انحراف الأطفال، لا تتطلب المعاملة العقابية الروتينية، وخصوصا كون تلك السياسات الحديثة تركن على البعد بشكل عام عن العقوبات السالبة للحرية بشكل عام، خصوصا في الجرائم البسيطة، فإن تلك السياسة تهدف بشكل أكثر تقاربا مع انحراف الأطفال إلى البعد قدر المستطاع عن العقوبات التي تضعهم خلف الأسوار بشكل كامل لمدد طويلة، إذ إن ذلك يكون له الأثر السلبي على نفسية الأطفال وتكوينهم العقلي والجسدي.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن قانون الطفل المصري، وعلى الرغم من جودته، لم يتضمن بين مواده مواد عقابية خاصة بما يقترفه الأطفال من انحرافات تخضع لهذا القانون، ولكنه قد أحال في ذلك على قانون العقوبات العام بما يتضمنه من نصوص عقابية مقابلة لكل جريمة، ولم يتضمن مغايرة لذلك سوى أنه قد أخضع قضاء العقوبة المقضي بها ضد الأطفال في المؤسسات العقابية، وليس بالسجون العامة المخصصة للكبار، وهو ما يعني عدم المغايرة القانونية بشأن الأطفال. وتبقى القضية الأساسية في كيفية التنفيذ، وهل هذه المؤسسات العقابية تصلح بشكل تام لإصلاح ومعالجة الأطفال بما يضمن إبعادهم خلال مدة العقوبة المقضي بها عن السلوك الإجرامي، أو تعديل وتقويم تصرفاتهم بشكل مدروس؟
إلا إنه في الحقيقة لم تختلف تلك المؤسسات العقابية كثيرا عن السجون، سوى فيما يطلقون عليهم أخصائيين اجتماعيين أو نفسيين، يقومون بأعمالهم بشكل روتيني، لا يرقى بشكل حقيقي على المهمة الملقاة على عاتقهم في تغيير النمط السلوكي للأطفال، من الانحراف إلى الاعتدال، بما يضمن أنهم يخرجون على المجتمع بشكل أفضل مما كانوا عليه، ذلك إضافة على أن ما تحتويه هذه المؤسسات العقابية من تعليم مهني أو حرفي للأطفال.
وإذا كان الهدف الأساسي من وجود قانون الطفل، هو حماية الأطفال من الانحراف، والبحث عن المصلحة الفضلى لهم، فإن ذلك يقتضي أن تكون العقوبات المقضي بها وأماكن تنفيذها تتناسب بشكل كامل مع الهدف الذي وضعت من أجله، حيث إن الهدف العام لذلك كله، هو إعادة تقويم سلوك الطفل، وذلك بالبحث عن الأسباب التي دعت لاتجاهه إلى السلوك الإجرامي، وهو الأمر الذي يتطلب أن تكون المؤسسات العقابية المنصوص عليها بقانون الطفل مؤهلة كمكان لقضاء الأطفال وقت طويل بها، من حيث توافر الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية لهم، بما يضمن عدم عودتهم إلى النسق الإجرامي مرة جديدة، أو على أقل تقدير أن تسعى المؤسسات العقابية إلى مغايرة نظمها وطريقة عملها بما يتناسب مع حاجة هؤلاء الأطفال إلى ما يتناسب مع ظروفهم الاجتماعية التي دعت بهم إلى الانخراط في سلوك إجرامي أو انحرافي، أو ما أدى إلى تغيير في سلوكياتهم إلى هذه الطريقة التي جعلت منهم في عرف المجتمع مجرمين صغارا، حتى ولو كان الأصح هو كونهم في حالة جنوح اجتماعي يستدعي البحث عن طرق أو سبل علاجية.
لكن أن تبقى الأمور على نفس الطريقة التي هي عليها الآن من شكل روتيني لا يمثل أدنى طريقة للعلاج أو الإصلاح الاجتماعي أو النفسي، فإن ذلك لن ينتج سوى مزيد من الانحراف والخلل الاجتماعي.