رفع البنك المركزي أسعار الفائدة على الإيداع والاقتراض بنسبة 1% وخفض الجنيه بنسبة اقتربت من 18%. ثم طرح بنكا الأهلي ومصر الحكوميان في 21 مارس/آذار الماضي شهادات ادخار بفائدة 18% لمدة عام.
حينها أعلن المسئولون والخبراء أن من بين الأسباب الرئيسية لطرح شهادات ادخار الـ18% هو امتصاص وخفض حجم السيولة النقدية من أيدي المواطنين. فيما تلك إحدى الأدوات النقدية لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم.
لكن ما تكشف عنه بيانات البنك المركزي المصري تُناقض تلك الصورة التي رسمها المسئولون والخبراء. إذ تم طبع نحو 79.2 مليار جنيه خلال شهر إبريل/نيسان فقط. أي بعد أيام فقط من طرح شهادات الادخار. وذلك في سابقة هي الأولى في تاريخ البنك المركزي.
ويُصدر “المركزي” بيانا شهريا يكشف فيه حجم النقد المصدّر والمتداول من الفئات النقدية التسعة. والتي تتشكل منها العملة المصرية بدءا من فئة الـ25 قرشًا حتى فئة الـ200 جنيه.
ويُعبر النقد المصدّر عن حجم الأوراق المالية التي تم طبعها عبر البنك المركزي. أما النقد المُتداول فيعبر عن حجم الأموال المتداولة من هذه الفئات النقدية. سواء خارج الجهاز المصرفي أو الموجودة في الحسابات الجارية بالبنوك (التي يتم السحب منها بسهولة).
ارتفاع النقد المتداول
ويُوضح بيان البنك عن شهر مايو/أيار الماضي أن حجم النقد المصدّر خلال مارس/آذار كان 767.07 مليار جنيه. وأنه ارتفع في إبريل/نيسان إلى 846.2 مليار جنيه.
وخلال الفترة نفسها ارتفع حجم النقد المتداول خارج خزائن البنك المركزي “نقد خارج الجهاز المصرفي-نقد ودائع جارية” من 767.8 مليار جنيه في مارس/آذار إلى 846.9 مليار جنيه في إبريل/نيسان.
ثم في مايو/أيار الماضي انخفض حجم النقد المصدّر بنحو 24.8 مليار جنيه لأول مرة منذ أشهر. إذ بلغ 821.4 مليار جنيه. عما كان عليه خلال إبريل/نيسان وهو 846.2 مليار جنيهً -وفقًا لبيانات البنك المركزي.
سعر 1 دولار يساوي 19.1008 جنيه داخل مصر.
وتُبين بيانات “المركزي” أن أكثر الفئات النقدية التي تم طبعها كانت الورقة الـ100 جنيه. وذلك بحجم 35.7 مليار جنيه. تليها الورقة فئة الـ200 جنيه بحجم 34.6 مليار جنيه ثم الورقة فئة 50 جنيها بحجم 4.5 مليار جنيه.
كيف يتم طبع النقود؟
توافق المحللون على أن طباعة النقود من جانب البنوك المركزية عملية “معقدة اقتصاديًا”. إذ لا بد أن تُشكل كل فئة نقدية مطبوعة رصيدا. سواء من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيدا من الذهب أو سلع وخدمات حقيقية يتم إنتاجها داخل المجتمع.
ويعتبر المحللون أن ذلك يهدف لجعل النقود ذات قيمة حقيقية وليست مجرد أوراق بنكنوت مطبوعة. لكن كثيرًا ما تتجاوز البنوك المركزية هذه القواعد فتطبع الكثير من النقود بمعدلات تفوق المسموح به. مثل ما قام به الفيدرالي الأمريكي عام 2020 عند طبع 3 تريليون دولار خلال 3 أشهر فقط -وفقًا لموقع فوربس.
مخاطر الإفراط في طبع النقود؟
يشرح تيجفان بيتينجر -مدرس للاقتصاد في كلية جرينز بالولايات المتحدة- أن التوسع في طباعة النقود لا يؤدي في النهاية لزيادة الإنتاج الاقتصادي. لكنه فقط يزيد حجم النقد المُتداول في الاقتصاد.
ويقول في موقع Economics help إن زيادة طبع النقود ستؤدي لحدوث تضخم وارتفاع في أسعار السلع والخدمات. لأنها لا تتوافق مع زيادة كمية المعروض من السلع والخدمات أو يُقابلها زيادة حقيقية في الاقتصاد.
ويُوضح مخاطر زيادة طبع النقود على السندات والأذون الحكومية قائلا: “الحكومة تقترض عن طريق طرح أذون وسندات. وبالنسبة للمشترين تُمثل السندات استثمارا آمنا ما دام عائدها أكبر من معدلات التضخم. لكن حال طبعت الحكومة الكثير من النقود مثلاً لسداد ديونها فسيؤدي ذلك لارتفاع معدلات التضخم. وبالتالي انهيار قيمة السندات الحكومية”.
ويُتابع أنه حال زاد التضخم لن يرغب الناس في الاحتفاظ بالسندات الحكومية التي انخفضت قيمتها. لذا ستواجه الحكومة أزمة في بيع السندات لتمويل ديونها. وسيتعين عليها دفع أسعار فائدة أعلى لجذب المستثمرين.
وهذا بالضبط ما فعلته الحكومة المصرية التي طبعت الكثير من النقود. ثم اضطرت لرفع أسعار الفائدة مرتين متتالتين بإجمالي 3%. حتى وصل معدل سعر الإيداع 11.25% والاقتراض لليلة واحدة 12.25%.
فضلاً عن أنه إذا طبعت الحكومة الكثير من النقود وخرج التضخم عن السيطرة ستفقد ثقة المستثمرين بها. وسيكون من الصعب عليها اقتراض أي شيء أو بيع سنداتها أو أذونها. لذلك يمكن أن تتسبب طباعة النقود في مشكلات أكثر مما تحلها -وفقًا لمدرس الاقتصاد.
حصيلة شهادات الـ18% من الجنيه وارتفاع التضخم
كان بنكا مصر والأهلي أعلنا عن بلوغ حصيلة شهادات الادخار ذات العائد 18% حتى شهر مايو/أيار الماضي 672 مليار جنيه. هذا في الوقت الذي ارتفع فيه معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية خلال شهر يوليو/تموز مسجلاً 14.6%. مقابل 6.1% عن الشهر نفسه خلال العام السابق 2021.