“هل سمعت من قبل عن القصة الصحفية المذهلة التي كانت تحكي فكرة رأس العنكبوت بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية؟”. حتى لو كانت هذه القصة الإنجليزية بعيدة عن الأيدي فمجازها ربما داخل ثقافتنا تمامًا. سنحكي هنا عن القصة الأصلية -ليس أدبيًا- لكن حول تحوليها فيلما سينمائيا استمد روح القصة لصناعة فيلم.
(تريلر الفيلم)
من ماري شيلي حتى رأس العنكبوت
فكرة الفيلم مبنية بالأساس على تحقيق صحفي. ثمة بداية مؤسسة عمومًا للفكرة التي حازت نجاح كل من يعيد كتابتها أو تصويرها. منذ دكتور فرانكشتين: فرانكنشتاين هي رواية للمؤلفة البريطانية ماري شيلي صدرت سنة 1818م.
وتدور أحداث القصة عن فيكتور فرانكنشتاين من عائلة فرانكنشتاين -إحدى أغنى العائلات في ذلك الوقت- ويرغب في اكتشاف إكسير الحياة الذي يبقيه هو وصديقه هنري وصديقتسه إليزابيث وجوستني أحياء للأبد. فيرغب في خلق إنسان جديد يعزل نفسه من أجل هذا الخلق أو الاختراع البشري الذي سيحسّن الشعور الإنساني لديه/لدى الجميع في تصوره بأن يتحقق ذلك.
منذ “دكتور فرانكشتين” دواء الرجل الذي أُعيد خلق فكرته الأصيلة بمجازات متعددة أوضحها وأكثرها تكرارًا ومنطقية كان في إنتاج عقارات يمكنها تفادي الألم البشري أيًا كان سببه. حتى الفيلم الأحدث “Spiderhead” تشكّل لدى الجمهور وعي ضد تلك الشيطنة لا يضع في حسبانه مساحة التجريبية الإجباري. والتي لا يمكن الفرار منها لصناعة علاجات تسهم في التقدم البشري عمومًا. جنّبت ذلك في مقابل كل التجارب الأكثر شرًا ودراما بالطبع.
في فيلم spiderhead -رأس العنكبوت- نشاهد طبيبا يسعى لتجارب أدوية يمكنها تعليب المشاعر البشرية عبر تجربتها على مساجين.
إنه يريد إنتاج دواء يسعى لميكنة الشعور الإنساني. إذ يمكن للفرد بعد تناوله ممارسة أقصى حماقاته دون إحساس بالخجل. ربما بمباشرة مخجلة تجعله يمتثل لطاعة عمياء لكل ما يؤمر بعمله.
“ما الذي يعطي الأولوية ليجعله ممكنًا؟”.
على ما يبدو أن الخطوة الأولى لذلك تكون بإعطاء مساحة حرية موهومة لأشخاص يتصورون أنهم في حالة اختيار. بينما يصبح قبول وجودهم كفئران تجارب أهون عليهم من السجن القبيح.
يسعى الدكتور المحتال أبنستي الذي يلعب دوره بشكل غير جيد على الإطلاق كعادته كريس هيمسورث للاستعانة بمساجين وإقناعهم بأنه يختبر عليهم أدوية يمكنها فلترة المشاعر للحصول على أكبر قدر من السعادة والتقبل. يُعرض الموضوع عمومًا على المحكوم عليهم على اعتباره فرصة للتطوع كموضوعات طبية لتقصير مدة عقوبتهم.
فكرة شيطانية
الفكرة الشيطانية التي يعرضها الفيلم هي اختراع عقار جديد قادر على توليد مشاعر الحب ثم التشكيك في حقيقة عواطف الفرد. بحيث يصبح هذا الرجل غير قادر على تحديد طبيعة مشاعر الحب لديه أساسا. بالتالي يمكنه وفقًا لعدم تفضيله أو استيائه من شيء معنويًا ونفسيًا تقبّل كل شيء ممكن بشكلٍ أعمى. مهما بلغت درجة حقارته إذا كان تحت تأثير تلك العدمية.
تنسحب رمزية الفيلم ربما إلى موضوعات اجتماعية تتخطى شيطنة الطبيب. حول الحرية الفردية المعاصرة التي يمكننا القول إنها مُفتقَدة لأبعد حد. وحول سيطرة كاملة للرقمنة التي تسعى للقبض على كل شيء يعطّل طريقها.
البُعد السياسي الذي قد يظنه البعض في فكرة إنتاج الطاعة العمياء التي تجعل الجماهير تقبل كل الشرور التي تقدم إليها في أطباق هي تصور مبتسر حول الفيلم. وربما لا يعني شيئا لصنّاعه القادمين من منطقة الخيال العلمي أكثر من اهتمامهم بالخطاب الأيديولوجي الذي قد تحمله السيطرة على مساجين واعتبارهم فئران تجارب.
الاجتماع والسياسة والثقافة العامة التي ساعدت على احتواء كل ذلك جاءت من إنسان مرعوب من أخيه. يقدم كل يوم عربون محبة للشيطان للسيطرة التي تجعله يطمئن جزئيًا على وجوه في عالم مرعب. تتقاطع الكاميرا مع الطبيب الشرير شديد الإيمان بفكرته التي يعتبرها تغير العالم. بينما تملأ عينيه نظرات الرعب والخواء التي يثبّطها كل مرة بأدوية “إكسير الحياة” الذي يوهمه بسعادة لحظية في كل مرة.
ربما يأتي تساؤل الفيلم الأكثر أصالة من الطبيب -وليس المساجين- الذين يدفعون ثمن أخطائهم بشكل ثقيل الأثر. هل يستحق شعور السيطرة كل هذا الدمار الواجب حدوثه؟ هل تستمر الحياة فعلًا دون أصالة شعور الحب الذي يخلق كل شيء بعده؟.
مخرج صاعد لا يوقفه شيء
تساءل العديد من المهتمين بالصناعة السينمائية حول العالم حول المخرج جوزيف كزنسكي. الذي قدم مع مطلع هذا العام اثنين من أفضل أفلام العام على الإطلاق. كان أولهما “الأفضل” top gun ثم فيلم رأس العنكبوت.
الفيلمان كلاهما استمد أحداثه من كتابات صحافية رصدت جوهر القصة التي استغلتها السينما لتلقي عليها ضوءا أكثر. كما واجه أيضًا مساحات قلق وشد وجذب بين الصناع حول حقوق ملكية الأفكار التي كتبت منذ سنوات وتوترات تحويل القصص التي اشتهرت مكتوبة قبل أن يتم تحويلها بصريًا. وكلاهما استغل أكثر إمكانات الممثل ميلز تيلر لأبعد حدود موهبته الكبيرة المنتظرة.
لهذا المخرج شطحات كبيرة منذ وجوده على الساحة بفيلم “troy”. الذي حصد ملايين الدولارات في السينمات حول العالم. ولفت الأنظار إليه. إلى جانبه دائمًا مدير التصوير “العبقري” كما يلقبه الأقربون: كلاديو ميراندا. يقدم المخرج تصوّره البصري المميز من خلال قصص ذات علاقة وثيقة بالأدب والصحافة ويبدو أنه نجح بشكل كبير في إضفاء لمسة بصرية يجدها كل متفرج. وربما في تلك النقطة ما يمكن تأكيد اعتبارها جوهرية للأدب كما للسينما بوجود مخرجين يمكنهم صناعة عمل بصري من مادة مكتوبة للصحافة تخبرنا كم هي مهمة. ذلك الوسيط الذي نتجاهله ونضيق عليه العمل “عربيًا”.