ضمن سلسلة تحليلات استراتجية أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ورقة بحثية حول “قوات الدعم السريع.. من مليشيات إلى قوة نظامية 2013-2018”.
ومهد الباحث البدوي عبدالقادر البدوي للموضوع من خلال مدخل نظري يحلل نشأة المليشيات الموالية للحكومة السودانية. وعلاقتها بالصراعات السياسية والحرب الأهلية التي شهدها السودان في دارفور.
استهدفت الدراسة عرض مرحل تحول المليشيات العسكرية إلى قوات نظامية. وذلك ضمن تخطيط حكومي لمواجهة التمرد في دارفور. وتناولت الورقة العوامل الداخلية والخارجية لهذا التحول. ومشاركاتها في العمليات القتالية ضد الحركات المسلحة. بل ومنحها صلاحيات لا تُمنح إلا للجيش -حسب ما توضح الدراسة.
ويمتد النطاق الزمني للدراسة من 2003 إلى 2018 بالتزامن مع تجدد انفجار الصراع فى دارفور بين الحركات المسلحة وسلطة الرئيس السابق عمر البشير فى 2003. كذلك أوضحت الدراسة كيف تم توظيف العلاقات العدائية مع القبائل المتمردة وعناصر قوات الجنجويد لتصب في كفة السلطة. كما تعرض الورقة ما أنتجه الصراع من انتهاكات لحقوق الإنسان. خاصة مع تحول عصابات الجنجويد المسلحة لقوات نظامية عام 2013 وما ترتب عليه من أدوار مستحدثة محليا وإقليميا.
وتعرض الورقة توسُّع هذا الدور من القتال كمليشيات ثم قوة نظامية. وصولا إلى محطة اندلاع الثورة (ديسمبر 2018) والإطاحة بالرئيس عمر البشير إبريل 2018.
كيف نشأت المليشيا محليا
تعرف الملشيات بأنها مجموعات تعمل خارج هيكل القيادة النظامي لقوات الجيش.
وتقوم الحكومة بتجنيد أفرادها وتدريبهم. إذ تقدم الدعم المادي للمجموعات المحلية وتستخدمها وسيلة لتقليل تكاليف مكافحة التمرد. أو حتى تعزيز شرعية الحكومة. واستخدام العنف الوحشى ضد المواطنين. ويجري توظيف المليشيات وتفعيل دورها عند بروز تهديد داخلي -حرب أهلية أو انقلاب أو حملة عصيان مدني- حينها يتم استخدام المليشيات.
وتمثل قوات الدعم السريع مثالا لكيفية تفويض الحكومات لمجموعات غير رسمية باستخدام العنف. ذلك حال فشلها في احتواء
التمردات الداخلية.
وترى الدراسة أنه جرى توظيف التباين العرقي والإثني في تأسيس وعمل قوات الجنجويد. وتم توفير الهروب من مسئولية العنف كونها خارج إطار الهيكل التنظيمي الرسمي. فضلا عما توفر لها من معرفة بالجغرافيا المحلية وانخفاض تكلفة تشغيلها. وقد كانت مناطق إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مسرحا لعمل مليشيات الجنجويد بقيادة محمد حمدان دقلو -الشهير بـ”حميدتي” والذي هو الآن الرجل الثاني في نظام الحكم السوداني .
ولم تقتصر أعمال عصابات الجنجويد على مواجهة الحركات المتمردة. بل طالت أعمال قمع المعارضين عموما من صحفيين وقيادات حزبية بجانب الصراعات العرقية.
دور نظام البشير في ظهور عصابات الجنجويد
دخل الصراع في دارفور منحنى جديدا منذ 2003. وبرز الصراع بين قبائل الفور والمساليت والزغاوة. كما برزت حركات مسلحة مثل جيش/حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. واصطفت سلطة البشير مع القبائل العربية وقامت بتسليحها وتدريبها وهي التي تشكل منها عناصر الجنجويد.
وبحلول عام 2007 لقي ما يصل إلى 450 ألف شخص في دارفور حتفهم بسبب العنف والمرض. ونزح 2.5 مليون شخص. ما أجبر البشير تحت ضغط الأمم المتحدة على الموافقة على نشر قوات مشتركة تابعة للمنظمة والاتحاد الأفريقي. فيما تكون مهمة هذه القوات حماية المدنيين وحفظ السلام في الإقليم المشتعل.
العنف طريقًا للشرعية السياسية
حمل عام 2007 منعطفا في تكوين الجنجويد. حيث انشق أحد قادة المليشيا -حمدان دقلو- ليُعلن تمرّده على الحكومة لعدم إيفائها بمستحقات قواته المادية وتأخرها لشهور.
وكان رد نظام البشير هو احتواء دقلو ومنحه رتبة عميد بجانب رتب أخرى لأفراد المليشيا.
ويأتي المنعطف الثاني في 2013. إذ جرت هيكلة المليشيات وإعادة تشكيلها بوساطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني. وذلك بقيادة حميدتي. بعد أن رفض رئيس الأركان السوداني آنذاك نقل تبعيتها من جهاز الأمن إلى هياكل القوات المسلحة. ليجري اعتبارها قوة نظامية منفصلة تتبع الرئيس البشير مباشرة. ومن ثمّ إنتاج قوة نظامية جديدةسُمّيت قوات الدعم السريع. فضلا عن توسيع نشاطها ليتعدى ولايات دارفور ويمتد إلى النيل الأزرق وجنوب كردفان ولاحقًا إلى جميع ربوع السودان.
من وجهة النظر الحكومية قادت تلك المعارك والانتصارات وغيرها من مواجهات إلى إعجاب البشير بالقوة الجديدة وقائدها في الاحتفالات الرسمية. إذ أشاد بانتصاراتها ودورها في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد وكسر شوكة التمرد بمواجهة حركات العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان. ما أدى إلى تعزيز ثقة رجل الدولة الأول بقوات الدعم السريع وقائدها ليكتسب الرجل وقواته شرعية سياسية. وهو ما نتج عنه تبعية مباشرة للرئيس ودعم لا محدود.
النشاط التجاري والبُعدان الإقليمي والدولي
في إثر إطاحة موسى هلال مؤسس مليشيا الجنجاويد -المنافس القوي لحميدتي وابن عمه من قبيلة الرزيقات- على خلفية تمرد الأول على الحكومة واعتقاله عام 2017. استولت قوات الدعم السريع على “جبل عامر” في منطقة شمال دارفور. والذي كان يحتوي على مناجم الذهب الأكثر ربحية في السودان.
واكتُشف الذهب في عام 2012 وكان من تداعيات ذلك الاكتشاف قتل مليشيات موسى هلال وحميدتي أكثر من 800 شخص. فضلا عن تشريد نحو 150 ألف شخص للسيطرة على الجبل الكنز. وذلك قبل أن يشتد التنافس بينهما في إثر ظهور المعدن النفيس.
الفوضى فتّش عن الإمارات
كشف تقرير صادر عن مؤسسة “جلوبال ويتنس” أن شركة “كالوتي” الإماراتية حصلت على أكثر من 117 طن ذهب سوداني خلال الفترة 2012-2019 عبر شركة مرتبطة بقوات الدعم السريع -شركة الجنيد.
وقد نشرت المؤسسة نفسها تقريرًا سابقًا مدعومًا بوثائق رسمية تكشف شبكة الشركات التي تعمل واجهةً لقوات الدعم السريع والبنوك الداعمة لها. والتي تحتفظ بحسابات مصرفية في الإمارات. ويؤكد التقرير أن هذه الحسابات غير خاضعة لسيطرة الجيش السوداني أو الحكومة السودانية.
تواطؤ إقليمي ودولي: حرب اليمن والهجرة غير الشرعية
وضمن سياق إقليمي أبرمت الإمارات صفقة منفصلة مع حميدتي لإرسال عدد كبير من المقاتلين إلى اليمن. ودعا هذا الأمر حميدتي إلى زيادة معدلات التجنيد والتسليح بدعم إماراتي لتصل قواته إلى 70 ألف مقاتل.
وفي سياق دولي اتهمت حركات سودانية الاتحاد الأوروبي خلال سبتمبر/أيلول 2016 بتمويل قوات الدعم السريع بهدف الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية. لكن الاتحاد نفى ذلك وأوضح أن نشاطه في السودان “ينحصر في إيصال المساعدات الإنسانية عبر قنوات ليس لها ارتباط بالحكومة السودانية” وهو ما دعا حميدتي إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بجهد قواته في الحد من الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية. ومضى مهددًا بأنه سيسحب قواته المنتشرة في الصحراء والتي قوامها 23 ألف جندي.
استنتاجات وتوصيات
تخلص الورقة إلى أن قوات الدعم السريع تتحول من مليشيات موالية للحكومة إلى قوة نظامية عبر زيادة دعمها حكوميا. والذي مثل غطاءً شرعيًا لعملياتها مع الجيش السوداني في الإسناد الجوي والبري، وفي تحقيق بعض الانتصارات.
اقترن عمل هذه القوات بالصراع في منطقة دارفور -الذي يعود في خلفيته التاريخية إلى صراعات قبلية- مع طابع وحشي لعمليات التدخل خاصة ضد قبائل متمردة.
وترى الدراسة أن صعود قوات الدعم السريع تزامن مع تخوف رجل السلطة الأول من انقلاب عسكري. وذلك بترتيب من داخل حاضنته السياسية. ما زاد فرص قوات الدعم السريع لتنال الغطاء السياسي والدعم اللا محدود من البشير.
بجانب الدعم السياسي برز العامل الاقتصادي. ما عزز نفوذ المليشيات وحصولها على العملة الصعبة التي جرى استثمارها في مضاعفة القوة العسكرية. كما أسهم تعاون إقليمي ودولي وعلاقات مباشرة مع الإمارات والسعودية في حرب اليمن و العلاقات المباشرة مع الاتحاد الأوروبي في دور نافذ لقوات الدعم السريع.
تخوفات من “حزب الله سوداني”
وأوصت الورقة بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة لما تمثله هذه الخطوة من أهمية قصوى لمستقبل السودان. وهو يشهد استعصاء للانتقال نحو الديمقراطية. وأن يتم ذلك ضمن خطة إصلاح عاجلة تشمل هياكل القطاع الأمني ومؤسساته.
واعتبرت الدراسة أن اتفاقية سلام جوبا -أغسطس/آب 2020 بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة- فرصة لدمج قوات الدعم السريع في الجيش ضمن الترتيبات الأمنية الشاملة.
وحذرت الدراسة من أن يتشكل في السودان نموذج قريب من “حزب الله” -دولة داخل دولة- عبر استخدام عوامل القوة العسكرية والاقتصادية والحضور في المشهد السياسي. إضافة إلى الوجود خارج الحدود الجغرافية للدولة بالتحالفات والتعاون الإقليمي والدولي.