تعثرت مجددًا المفاوضات الجارية لحل أزمة عمال مجموعة بشاي للحديد والصلب، بعد أن رفض العمال المعتصمون بمقر الشركة في مدينة السادات بمحافظة المنوفية -شمالي العاصمة القاهرة- ما توصلت إليه لجنة المفاوضات الممثلة عنهم مع الإدارة.

قدمت الإدارة عرضًا شمل عدة بنود، منها: زيادة البدل على الوجبة والانتقالات بنسبة 15% اعتبارًا من شهر أغسطس/ آب الجاري. مع صرف حافز الإنتاج يوم 20 من كل شهر. وكذا تعديل المسميات الوظيفية بالتأمينات الاجتماعية بعد استيفاء المستندات. فضلًا عن الموافقة على التأمين على العمال ضد إصابات العمل. إلا أن العمال المعتصمين منذ الأحد الماضي رفضوا عرض الشركة، وقالوا إنه ليس أكثر من التفاف على مطالبهم، مؤكدين مواصلتهم الاعتصام لحين تحقيق مطلبهم الأساسي بإعادة هيكلة الأجور وزيادتها أسوة بالعاملين في شركات الحديد والصلب الأخرى.

عرض الشركة للعمال
عرض الشركة للعمال

بشاي.. 74 عامًا من التوسع والأرباح

في عام 1948، أنشأ جابر بشاي “الشركة الدولية لتجارة الصلب” التي عملت في تجارة الصلب واستوردته إلى مصر، وبعد وفاته في عام 1960، باشر أبناؤه الأربعة (كمال – جميل – سامي – نبيل) الأعمال التجارية، وقرروا بناء ورشة لإنتاج الصواميل ومسامير البراغي “أي الصواميل”، بالإضافة إلى ورشة للمعالجة الحرارية لتلبية احتياجات الصناعات المحلية.

وفي 1984 بدأت أسرة بشاي مشروعها الأول للمنتجات الطويلة، بالتعاقد مع شركة مورجان للإنشاءات بالولايات المتحدة الأمريكية على خط إنتاج درفلة. ذلك لتوريد 700 ألف طن سنويًا من حديد التسليح. ومع نجاح المشروع توسعت المجموعة بإنتاج أكثر من 1.2 مليون طن سنويًا في عام 1998، وبدأت ببناء خطين من أحدث خطوط سيماك للدرفلة، بقدرة تصل إلى 600 ألف طن سنويًا لكل خط.

وحاليًا، تضم المجموعة ثلاث شركات، هي: المصرية الدولية لدرفلة الصلب، والأمريكية للحديد والصلب، والمصرية للحديد الإسفنجي والصلب.

وفي الآونة الأخيرة، نفذت المجموعة أكبر مشروع لها حتى الآن، لإنتاج 2 مليون طن سنويًا من الحديد المختزل (الحديد الإسفنجي)، بطاقة إنتاجية 1.5 مليون طن سنويًا.

متى بدأت أزمة عمال “بشاي”؟

بدأت أزمات “بشاي” منذ العام 2011 مع مطالبات العمال -البالغ عددهم 3 آلاف- بصرف مستحقاتهم المتأخرة وزيادة رواتبهم من 500 إلى 1500 حينه. وهي المطالب التي واجهوا عدم الاستجابة لها بالإضرابات حتى أن الأمر وصل إلى البرلمان وقتها ومنها إلى مكتب النائب العام حتى تمت الاستجابة للمطالب.

ومنذ ذلك الحين تصاعدت أزمات العمال والإدارة، التي اتسمت سياستها بـ”التقطير” في صرف الحوافز والأرباح. وفي العام 2017 ومع زيادة التوتر استدعت الإدارة الدكتور يوسف كمال بشاي، المتخصص في هندسة الميكانيكا، من لندن لإدارة المجموعة.

عصر يوسف الذهبي

بدأ الدكتور يوسف بشاي إدارة المجموعة بالتفاوض مع العمال والاستماع إلى مطالبهم، محاولًا إقناع الشركاء بأن المرتبات متدنية ولابد من تحسينها، لأنها لا تساوى ربع أجور العاملين في الشركات المناظرة.

وقد شملت إجراءات الإدارة -في عهد يوسف بشاي- تحسين ظروف وبيئة العمل وزيادة الحافز مع زيادات الإنتاج، واعتماد زي موحد للعمال عازل للحرارة. كما تعاقدت الشركة مع شركة تأمين خارجية للعلاج وتأسيس بوليصة تأمين ضد الحوادث والوفاة وإصابات العمل.

عمال مصنع بشاي
عمال مصنع بشاي

العودة للاضطرابات

في 2018 عادت الاضطرابات إلى مجموعة بشاي مجددًا. مع رفض الإدارة صرف أرباح العمال، الذين تقدموا بشكاوى في وزارة القوة العاملة، مع تصاعد التوترات وزيادتها عامًا بعد عام.

يقول العمال إن شركاء يوسف حاربوا خطته للإصلاح، حتى اضطر الرجل للتخلي عن إدارة المجموعة والعودة إلى لندن ليتولى رفيق جميل.

ومؤخرًا، ازدادت الأزمة بعد فشل المفاوضات التي تواصلت سنوات بين العمال وإدارة الشركة، وكانت آخر محطاتها قبل عيد الأضحى الماضي، بعد أن تراجعت الإدارة عن تنفيذ كل بنود الاتفاق الذي تم في عهد يوسف بشاي، وأصبحت بنود التسوية محلًا للتفاوض مجددًا.

اعتصام عمال مجموعة بشاي للحديد والصلب
اعتصام عمال مجموعة بشاي للحديد والصلب

فصل أعضاء اللجنة النقابية

في 2019، تعرض ثلاثة من أعضاء اللجنة النقابية، بينهم رئيس اللجنة أحمد فهيم، واثنان آخران، هما: محمد عبد الرازق دبش ومحمد شحاتة، للفصل التعسفي بسبب مطالبتهم بحقوق العمال المنقوصة. كما تم منعهم من دخول الشركة بالقوة.

يقول فهيم، إن نائب رئيس مجلس الإدارة ومدير المصنع رفيق جميل، استغل افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي للمصنع الجديد بالشركة “المصرية للحديد الإسفنجي والصلب”، وقدم شكوى لأحد الأجهزة السيادية اتهم فيها أعضاء اللجنة النقابية المفصولين الثلاثة بالانتماء لجماعة الإخوان، محاولًا التخلص منهم.

وكان أعضاء اللجنة حرروا محضرًا بعدم تمكنيهم من الوصول إلى المصنع، وتقدموا بشكوى إلى مكتب العمل، وحول مكتب العمل القضية إلى القضاء، وطالب الخبير بعقود العمل وبيانات العمال، لكن الإدارة رفضت تسليمها، فلجأ المفصلون إلى التأمينات لإثبات علاقة العمل، واعتبر القضاء هذا رفدًا تعسفيًا لأعضاء.

وقد حكمت المحكمة العمالية بتعويض 173 ألف جنيه لأحمد فهيم و280 ألفًا لمحمد عبد الرازق دبش. لكن الشركة رفضت التنفيذ واستشكلت على الحكم، ورفضت محكمة الاستئناف الاستشكال وأيدت الحكم. فتم الحكم بحبس رفيق جميل مدير المجموعة ثلاث سنوات وغرامة 2000 جنيه لرفضه التنفيذ.

“وحتى الآن لم ينفذ ضده أي إجراء”؛ يقول “فهيم”.

ورقة مطالب أخيرة

الاعتصام الأخير والذي بدأ يوم الأحد الماضي، رافقته ورقة مطالب حدد بها العمال شروطهم لفض إضرابهم. وقد شملت: صرف الأرباح بأثر رجعي بداية من 2015 وحتى 2022. ذلك بما يماثل شركات الحديد والصلب الأخرى. مع صرف حافز ثابت بما لا يقل عن 15% من إجمالي المرتب، وصرف شهر كامل على المرتب في الأعياد والمناسبات وعند بداية المدارس، وصرف بدل طبيعة العمل.

كما طالب العمال ببوليصة تأمين على الحياة وكذا تأمينات طبية، وصرف شهرين على شامل المرتب عند خروج العامل على المعاش، مع تجديد عقود من مضى عليه ثلاث سنوات في العمل تلقائيًا، وأن يعوض بأثر رجعي حال عدم تجديده العقد، وعدم خصم اليوم الرابع من كل شهر من رصيد الإجازات.

مطالب العمال
مطالب العمال

يقول أحد العمال -رفض ذكر اسمه- لـ”مصر 360″، إن الإدارة بدأت التفاوض مع اللجنة بطرح زيادة بدل 35 جنيهًا، وكأنها تفاصل في قطعة أثاث، وبالمفاوضات وصلت النسبة إلى 15%، بما يعادل 180 جنيهًا من قيمة الأجر. وهذا أمر زاد حالة الاحتقان بيننا ولهذا رفضنا العرض الأخير.

كذلك ندد العمال بموقف لجنة التفاوض مع الإدارة، واعتبروه التفافًا على المطالب الأساسية المتمثلة في المساواة بعمال مصانع الحديد والصلب العاملة في المجال نفسه، فيما يتعلق بالأجور والحوافز.

نقابي: خذ وطالب

يختلف المهندس خالد الفقي، رئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية، في الرأي، مع العمال الرافضين لاستجابة الشركة لبعض المطالب. يقول: إن موافقة الإدارة على زيادة حافز الإنتاج والحصول عليه بشكل دوري شهريًا بدلًا من ربع سنوي، وزيادة بدل المواصلات والوجبة بنسبة 25%، وزيادة بدل المخاطر وعمل بوليصة التأمين للرعاية الطبية، وصرف نصف شهر عن كل مناسبة، خطوة إيجابية واستجابة يجب التمسك بها والبدء منها لتحقيق باقي المطالب،

واتهم الفقي، في حديثه لـ”مصر 360″، العمال بالتعنت لأنهم يرغبون في تنفيذ مطالبهم مرة واحدة، وتحقيق مكاسب أكثر من التي تم عرضها من الإدارة. بينما يرد العمال بأن هناك أزمة ثقة وتجارب سابقة لعدم وفاء الإدارة بعهودها.