“على الناس أن يتصالحوا”.. رسالة مثيرة للجدل أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عقب فوزه برئاسة البلاد منتصف مايو/أيار. ما جعل الرسالة الداعية للسلام والصادرة عن الرجل الأول في البلد المؤثر في منطقة القرن الأفريقي مثيرة للجدل، هو شمولها لحركة شباب المجاهدين التي تعد أقوى أذرع تنظيم القاعدة الإرهابي على الإطلاق، والتي تخوض منذ 15 عاما تمردا ضد الحكومة الصومالية المدعومة من المجتمع الدولي وقوة من الاتّحاد الأفريقي تمثل خمس دول إفريقيّة بينها إثيوبيا وكينيا.
اقرأ أيضا.. المانحون الدوليون يمتنعون عن الدعم.. الصومال في أسوأ موجة جفاف منذ 40 سنة
دعوة الرئيس الصومالي التي أبدى خلالها رغبته في بدء الحوار مع الحركة، شريطة تحرير المناطق التي تسيطر عليها في وسط وجنوب البلاد، فتحت الباب أمام تساؤلات عديدة، بشأن مدى قبول الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لحوار من هذا النوع قد ينتهي بدمج الحركة المسئولة عن إراقة دماء الآلاف من أبناء الصومال والدول المجاورة له في منظومة الحكم بشكل يسمح لقياداتها بالانخراط في العمل السياسي، لتعيد للأذهان تجربة حركة طالبان في أفغانستان.
ومن المفارقات في دعوة الرئيس الصومالي أنها جاءت متزامنة مع مرور عام على سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان بعد هزيمتها للقوات النظامية، وانسحاب الجيش الأمريكي في مشهد لن ينساه التاريخ.
وجاءت الدعوة أيضا في وقت أمر فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعادة تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الصومال لمساعدة السلطات المحلية على التصدي للحركة، بعدما كان سلفه دونالد ترامب أمر بسحب غالبية القوات الأمريكية.
وزير على قائمة الإرهاب الأمريكية يضاعف التكهنات
في الثاني من أغسطس/آب الجاري أعلن رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، تعيين قائد سابق في “حركة الشباب”، وزيرا للشؤون الدينية في حكومته ،ليزيد من الجدل بشأن نوايا الحكومة الجديدة، في الوقت الذي اعتبرت فيه الخطوة محاولة لبث رسائل مشجعة للحركة على التعامل بشكل إيجابي مع دعوات الحوار.
الوزير الجديد، وهو المتحدث السابق باسم حركة الشباب، مختار روبو، البالغ من العمر 53 عاما، والملقب بأبي منصور، كان قد أعلن انشقاقه في أغسطس/آب 2017، عن الحركة التي ساهم في تأسيسها.
“روبو” لم يكن مجرد متحدثا وقياديا سابقا في الحركة التي تتبع تنظيم القاعدة فقط، ولكنه يتخطى ذلك بكثير حيث لا يزال على قائمة الإرهاب الأمريكية، وفي وقت سابق عرضت واشنطن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات بشأنه، وسط إشارات أنه لم ينفصل عن الحركة بشكل كامل، ولاتزال تربطه صلات غير مباشرة بها.
في ديسمبر/كانون أول 2018، اعتُقل روبو أثناء ترشّحه لرئاسة الولاية الفدرالية في جنوب غرب البلاد، واتهمته حكومة الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، بأنه “نظم ميليشيا” وأنّه “لم يتخلَّ قط عن أيديولوجياته المتطرفة”، ووُضع منذ ذلك الحين قيد الإقامة الجبرية في العاصمة مقديشو، قبل أن يختاره بري ليكون وزيرا للشؤون الدينية.
هل يكون الاستيعاب بديلا عن فشل المواجهة العسكرية؟
فشل المواجهة العسكرية مع الحركة التي يبلغ عدد مقاتليها وعناصرها نحو 7 آلاف مقاتل، بالرغم من الدور الذي تقوم به بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة والمتمثل في التدريبات العسكرية والضربات الجوية المركزة التي قضت على العديد من كبار قادة الحركة، دفع الكثيرين من أبناء الشعب الصومالي إلى أن يدعون إلى التصالح معها وإتاحة الفرصة أمام الاستماع إلى مطالبها.
قوة ونفوذ الحركة في البلد الأفريقي الممزق وتهديدها لجيرانه المشاركين بقوات ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، يعزز من الطرح الرامي لدمجها في الحياة السياسية في الصومال، خاصة في ظل انقسام الجيش الصومالي إلى تيارات عشائرية وسياسية، وامتلاك الحركة آلاف العناصر المدربة على حرب العصابات، إضافة إلى إمكاناتها الاقتصادية والمالية، وقدراتها الأمنية الواسعة بسبب تغلغلها في المجتمع الصومالي وسيطرتها على استثمارات المواني، وفرضها ضرائب على الحاويات، واختراقها قطاعات الأعمال والاقتصاد، ففي تقرير حديث للأمم المتحدة قدرت موازنة الحركة بما بين 70 إلى 100 مليون دولار، تأتي محصّلة لما تفرضه من ضرائب، فضلا عن موارد أخرى من بينها تجارات غير شرعية مع بعض الحكومات المعادية للولايات المتحدة الأمريكية.
ففي العام 2017 كشف تقرير صادر عن فريق الرصد الدولي المختص بالصومال تفاصيل حول شحنات سلاح مهربة من إيران عبر الحوثيين، إلى الصومال، بواسطة مراكب شراعية متوسطة الحجم عابرة للمحيطات.
الحديث بشأن شحنات الأسلحة الإيرانية المهربة إلى حركة الشاب عززتها تقارير إعلامية دولية، مشيرة إلى أنها كانت مقابل نقل رواسب من “اليورانيوم” في مناجم تقع في منطقة جال مودوج الصومالية إلى طهران، بهدف استخدامها في أنشطة التخصيب ضمن البرنامج النووي الإيراني.
وفي العام 2020 أشار تقرير دولي إلى أن الحركة المتطرفة تجمع أموالا تضاهي ما تجنيه السلطات الرسمية.
وذكر معهد هيرال، المتخصص في الشؤون الأمنية، إنّ المسلحين يجمعون ما لا يقل عن 15 مليون دولار في الشهر، ويأتي أكثر من نصف المبلغ من العاصمة مقديشو حيث تقوم بعض الشركات بدفع الأموال لكل من المسلحين والحكومة المعترف بها دوليا على حدّ سواء.
استراتيجية أم مناورة؟
في السادس عشر من يونيو/حزيران الماضي أعلنت الحركة على لسان نائب رئيسها عبد الرحمن أحمد ورسمي، الشهير بـ”مهد كرتاي”، رفضها للتفاوض مع الحكومة الصومالية وسعيها للإطاحة بالنظام الحاكم، قبل أن تشن هجمات عنيفة على سلسلة من الأهداف العسكرية والمدنية.
ففي التاسع عشر من أغسطس/آب الجاري هاجم مقاتلون تابعون للحركة فندق الحياة بالقرب من مطار مقديشو بسيارتين مفخختين وأعقب انفجارهما هجوم مسلح استهدف قيادات سياسية وأمنية بالمبنى، مسفرا عن قتلى وإصابات من بينها رئيس المخابرات الصومالية، ليكون بذلك الهجوم الأعنف منذ انتخاب الرئيس الصومالي الجديد.
وفي الأسابيع الأخيرة، شن عناصر الحركة التابعة لتنظيم القاعدة هجمات عدة في المنطقة الحدودية بين الصومال وإثيوبيا، ما أثار تخوّفا من احتمال تبني اتّباع الحركة استراتيجية جديدة، في ظل دلائل مرتبطة بتحركاتها ونهجها خلال الفترة الأخيرة، تشير إلى توجه لتكرار تجربة طالبان، التي فضلت الحل العسكري واستمرار ملاحقة قوات الجيش الأفغاني المدعوم أمريكيا على استكمال جلسات حوار الدوحة مع واشنطن.
الهجمات الأخيرة للحركة لم يتضح بعد ما إذا كانت ممثلة لاستراتيجية تهدف إلى استكمال العمليات العسكرية حتى السيطرة على كامل الصومال، أم مجرد مناورة، تعزز بها قوتها لتعظيم مكاسبها حال اتجهت إلى مائدة المفاوضات.
لا يوجد في عقيدة “الشباب” ما يمنع
يرى قيادي سابق انخرط مع تنظيم القاعدة في أفغانستان أنه لا يوجد في أدبيات التنظيم ما يمنع حركة “الشباب” في الصومال من عقد مصالحة مع النظام هناك من أجل فرض حالة من الاستقرار ، خاصة في ظل التغيرات الدولية الكبيرة التي تحدث.
وأوضح هذا القيادي السابق الذي تحدث لـ” مصر360″ شريطة عدم ذكر اسمه، أنه خلال الفترة التي كان يتواجد بها في التنظيم في أفغانستان، كان مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قد كلف أبو الفضل الكيني ليكون حلقة الوصل والمشرف على “حركة شباب المجاهدين“، لافتا إلى أن الحركة كانت جزءا أصيلا من “القاعدة”.
وحول تفسيره للتصعيد الأخيرة الذي نفذته عناصر الحركة وتزايد وتيرة الهجمات في أعقاب دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس الصومالي، رجح القيادي، أن يكون هناك خلافات داخلها بشأن التعامل مع دعوة الحوار والمصالحة. قائلا: “ربما يكون هناك جناح رافض للدعوة ويريد إفسادها وإغلاق الطريق أمام جناح آخر مرحب بها أو على الأقل داعي للتفكير بشأنها”.
واستبعد القيادي السابق أن “تتبنى الحركة أي رؤى في تنسيق أو حوار مباشر يجري مع الأمريكان”، مستدركا: “لكن إذا تم التوصل لصيغة وساطة كتلك التي قامت بها قطر بين حركة طالبان وأمريكا ربما يكون هناك فرصة”.
توقيت غير مناسب
من جانبه يرى اللواء محمد عبد الواحد الخبير في شؤون الأمن القومي والعلاقات الدولية، والذي كان ضمن مؤسسي اتفاق المصالحة الصومالية عام1997، أن الوقت الراهن غير مناسب لدعوة الرئيس الصومالي للمصالحة والحوار، كون حركة شباب المجاهدين في الوقت الحالي، تحقق انتصارات عسكرية على الأرض، ما يجعل نشوة تلك الانتصارات تمنعها من التجاوب مع الدعوة على أمل حسم الصراع عسكريا بشكل كامل.
بخلاف ذلك ربما ترى قيادات داخل الحركة أن صفوفها لاتزال تحتاج لمزيد من الوقت للتهيئة وتقبل تلك الخطوة، وإقناعهم بها تدريجيا، حتى لايحدث أي تفكك أو انشقاقات، وحتى لا يتضح أن هناك تناقض بعد سنوات من إقناع اتباع الحركة بمحاربة الأمريكان واتباعهم و”المعادين للإسلام” ثم يحدث بعد ذلك حوار معهم.
أما ثاني الأسباب التي جعلت من التوقيت عامل معرقل للمصالحة في الوقت الراهن، هو صعوبة قبول الإدارة الأمريكية بمثل هذا الاتفاق كون الانتقادات التي لاحقتها نتيجة الانسحاب غير المدروس من أفغانستان، لاتزال قائمة.
رغم ذلك لا يستبعد عبد الواحد إتمام اتفاق بشكل عام للمصالحة أو الحوار في الصومال بين النظام الحاكم وحركة الشباب، مؤكدا أن الأمر قابل للتنفيذ، نظرا لطبيعة المجتمع الصومالي القائم على القبلية، ما يعني أن زعماء العشائر سيكون بمقدورهم لعب دور الوساطة.
ويرى الخبير في شؤون الأمن القومي أن هناك اتجاها في المنطقة لفتح حوارات من هذا النوع نظرا لحالة الاضطرابات التي تشهدها، فعلى سبيل المثال تسعى الحكومة في مالي للتفاوض مع جماعات الإسلام السياسي هناك لوقف الصراع المندلع معهم.