“ممثل السلطة التشريعية الذي يتولى إقرار السياسة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية”. هكذا وضعت اللائحة الداخلية لمجلس النواب في مادتها الأولى تعريف النائب البرلماني. وهو التعريف الذي بات يصطدم مؤخرا بالواقع العملي. الذي ينجرف فيه بعض النواب إلى تقديم مقترحات قوانين غريبة وتبني أفكار تخلق حالة جدل مجتمعي غير مبررة.
مشروعات قوانين لـ”تجريم الأسماء وإخصاء المتحرشين ومعاقبة من يفشل في الانتحار ومنع البناطيل المقطعة. فضلا عن إلغاء تيك توك وفيسبوك”. إنها نماذج بسيطة لمجموعة اقتراحات أعلن عنها نواب بالبرلمان في آخر فصلين تشريعيين.
“تشريعات” الشو
إثارة هذه الفرقعات الإعلامية حول قوانين غريبة يعلن عنها النواب أنفسهم تتنافى مع الرحلة التي سيستعرضها “مصر 360” لمسار القوانين داخل المؤسسة التشريعية الأولى في البلاد. والتي تتخذ خطوات صارمة لكي تتشكل الفكرة من مجرد مقترح إلى مشروع قانون يمر بمراحل جمع توقيعات أولية من النواب. مرورًا بإحالته إلى لجان فرعية. قبل أن يتم عرضه على القاعة الرئيسية لعموم النواب. وإما أن يلقى القبول والإقرار وإما يتم رفضه.
“مقترحات غير جادة هدفها الأساسي إثارة اللغط لجذب الانتباه الإعلامي”. هكذا عبّرت عضوة لجنة القيم بمجلس النواب الحالي مها عبد الناصر -نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي المعارض. والتي أكدت لـ”مصر 360″ أنه بطبيعة الحال نجد أن نوابا يعبرون عن مجرد مقترحات مبدئية. ويصورونها للرأي العام على أنها “مشروعات قوانين جادة وملموسة”. فيما حقيقة الأمر أنها “فرقعات” لا أكثر.
وترى أن هذه المشروعات التي يتلقفها الإعلام لزيادة المشاهدات تزيد انتشار بعض النواب وترفع من “ترافيك”/زيارات المنصات الإعلامية. لكنها في النهاية تلحق الضرر بمقترحات القوانين الجادة وتؤثر في الجهود التي يتم بذلها لتقويم أداء الحكومة. أو إصلاح فساد في ملف ما. “اللغط يزاحم المقترح الجاد. والفرقعات تشوش على الجهد الحقيقي في أي مسار سليم”.
أغرب المقترحات
مرت 7 سنوات متصلة منذ عودة العمل النيابي بعد إسقاط حكم الإخوان. 5 أدوار انعقاد للمجلس الذي ترأسه الدكتور علي عبد العال. ثم عامان للمجلس الحالي الذي يترأسه المستشار حنفي جبالي. وعلى مدار تلك السنوات ظهرت مجموعة مقترحات برلمانية عجيبة دافع عنها أصحابها بشراسة وتعمدوا نشرها على أوسع نطاق. وتصدر هذه “التشريعات الوهمية” ما عرفناه باسم “تجريم أسماء الأطفال”. وهو ما أعلنه نائب البحيرة هشام الجاهل لـ”تجريم” أسماء مواليد. يراها هو “شاذة ويستنكرها المجتمع”. بالإضافة لأسماء تتشارك مع صفات الله كـ”سلطان”. ما أثار ضجة واسعة خصوصا مع إصرار النائب على أن فلسفته في القانون تتشابه مع مواد في قانون الأحوال المدنية الحالي.
“إخصاء المتحرشين” أيضا كان نموذجا لمقترح تشريعي صادم قالت مقدمته النائبة بالبرلمان السابق زينب سالم إنه سوف “يشكل الحل الرادع والحقيقي للشخص المتحرش”. وأوضحت حينها في بيان: “هناك قناعة راسخة بداخلي أن 80% من الرأي العام سيرفض هذا الحل. ولكني أرى فيه الحقيقة الواضحة لمواجهة ظاهرة التحرش”. مشيرة إلى أنها لن تتراجع عن مشروع قانون لتغليظ العقوبات على المتحرشين ومضاعفة العقوبة حال عودة المتحرش لممارسة جريمته لتصل إلى حد “الإخصاء”.
وتعتقد النائبة المثيرة للجدل أن الشخص المعاقَب لن يفعل ذلك مجددًا. “ستُضرب رجولته في مقتل ليشعر بما تشعر به الأنثى حينما تُنتهك أنوثتها. أما الردع العام سيتحقق بمجرد تطبيق العقوبة على شخص واحد فقط” –وفق زعمها.
تسعيرة الفيسبوك
هو مقترح قدمه نائب البرلمان الحالي رياض عبد الستار. والذي سبق أن خرج على الملأ ليعلن تجهيزه مشروع قانون بهدف وضع ضوابط لاستخدام موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. مطالبا الجهات المعنية في وزارة الاتصالات وغيرها من الأجهزة الأمنية بربط الحساب الشخصي لكل مستخدم ببطاقة الرقم القومي. وذلك لـ”وضع تسعيرة للاشتراك في الموقع واستخدامه. وكذا كشف من يستخدمه لصالح البلاد ممن يستخدمه بشكل خاطئ ضد مؤسسات الدولة”.
وتشابه ذلك المقترح مع مقترح آخر تقدم به النائب أشرف أمين لإلغاء وحجب تطبيق “تيك توك” في مصر.
“أمين” قال لـ”مصر 360″: “قد يظن البعض أن ذلك رجعية. وأن إلغاء وحجب التطبيقات ضد العصر. ولكن عند النظر لمساوئ تلك التطبيقات يجب الحديث فورا عن ضرورة منعها. فهي مواقع تكافئ بالدولار من يخصص حياته للرقص”.
الفاسخ و”المنتحر” والمقطع
عضوة مجلس النواب الحالي عبلة الهواري أثارت جدلا مجتمعيا حين طالبت بأن تكتسب مرحلة الخطوبة جدية أكثر مما يحدث الآن. وأن يكون هناك توثيق لها بالمستندات وذلك لـ”الحفاظ على حرمة البيوت وكرامة الأسر”.
كذلك نجد تشريعا آخر من تشريعات الفرقعة وهو “معاقبة من يفشل في الانتحار”. الذي اقترحه النائب أحمد مهني ليثير جدلا وسخرية في آن. بعدما أعلن النائب تجهيزه مشروع قانون كامل يشمل التعامل بحزم مع من أقدم على محاولة انتحار وفشل فيها: “يتم التحفظ عليه وإيداعه مصحة نفسية لفترة معينة عقابا له على الإثم الذي أقدم على ارتكابه”.
أما النائب عبد الكريم زكريا -عضو اللجنة الدينية بمجلس النواب السابق- فتقدم بمقترح قانون “البناطيل المقطعة”. وبه يريد منع الشباب من دخول المؤسسات الحكومية -جامعات ومؤسسات تربوية- وهم يرتدون “بناطيل مقطعة”. داعيا إلى فرض “زي موحد” على مراحل التعليم كافة وصولا إلى الجامعة.
النائب دافع عن مقترحه حينها وقال إنه يهدف إلى “وضع حد لموضة الملابس غير المحتشمة”. والتي يرتديها طلاب المدارس والجامعات. والتصدي لـ”ظاهرة البنطلونات المقطعة” التي انتشرت مؤخرًا بين شباب الجامعات. وكذلك للمساواة بين الطالب الغني والفقير على حد سواء.
النائب إلهامي عجينة -الذي اشتهر بمقترحاته الغريبة- أعلن مشروع قانون “كشف عذرية لطالبات الجامعة”. ويهدف إلى توقيع الكشف الطبى على الطالبات داخل الجامعات بشكل دوري.
وبرر النائب مقترحه بقوله: “أي بنت تدخل الجامعة لازم نوقع عليها كشف طبى لإثبات أنها آنسة. وكذلك ينبغي أن تقدم كل بنت مستندا رسميا عند تقدمها للجامعة بأنها آنسة. وذلك القضاء على ظاهرة انتشار الزواج العرفي في مصر”.
كما سجل “عجينة” واحدا من أغرب المقترحات باسمه. عندما دعا إلى ضرورة أن يكون هناك تعديل تشريعي لـ”منع التقبيل” في الأماكن العامة خاصة بين الرجال. وقال: “يجب السعي بصرامة لمنع تبادل القبلات بين الرجال وبعضهم. أنا أبوس الست بس. ولكن أبوس الراجل ليه؟!». مضيفا: “تقبيل الرجال لبعضهم يساعد على نقل الفيروسات بينهم”.
لماذا المقترحات الغريبة؟
“3 أسباب وراء تقدم النواب بمثل تلك المقترحات والقوانين”. وذلك بحسب مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية رامي محسن -الخبير في الشؤون البرلمانية- لـ”مصر 360″.
وعدّد “رامي” الأسباب التالية:
1- حب الظهور من جانب بعض النواب. وهي عادة قال إن البعض أدمنها لأنها توفر له الصيت ولو كان ذلك عن طريق إثارة البلبلة.
2- بعض النواب يريدون تسجيل حضور يرفع عنهم لوم “الكسل والخمول”. فيشعر مع تلك المقترحات الغريبة بأنه قام بما عليه من مهام تشريعية حتى وإن لم تكن جادة.
3-البعض يبتعد عن المقترحات الجادة لأنه لا يملك القدرة على قياس نبض الشارع. ولا يعرف تماما ما يريده الناس ولا يمكنه ترجمة ذلك في قوانين تعبر عنه وعمن يمثلهم.
ويرى أن بعض النواب يخرج بفكرة أو بيان رسمي أو تصريح تلفزيوني عن مقترح قانون وهو يدرك أنه لن تتم مناقشته. ولن يدخل المراحل الأولية المقررة لطرح التشريعات ومناقشتها وصولا إلى إقرارها. “لا يقوم هذا النائب بدراسة مسبقة ومعمقة لما سيتقدم به من مشروع قانون. لا يسأل هل سيكون ملائما للمجتمع. ما نسبة من سيعبر عنهم هذا التشريع. وما إلى ذلك من وحدات قياس الأثر التشريعي لأي قانون”.
ودعا مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية لاستحداث آلية بمجلس النواب تلعب دور المصفاة للتعامل بشكل مبكر مع المقترح. وتعمل على فلترة وتصنيف المشروع: “هذا جاد. هذا غير جاد. كما تفعل العديد من الدول والبرلمانات الديمقراطية المستقرة”.
وتابع: “علمت في واقعة غريبة أن نائبا جهّز تعديلا تشريعيا على مادة قد جرى عليها تعديل قبلها مباشرة. ولم يكن يعلم أن هناك تعديلا قد جرى. ولم يأخذ في حسبانه تجنب التقدم بالتعديل ذاته بشكل حرفي. وقام بتقديم التعديل على الشكل القديم للمادة المعدلة”.
من الاقتراح للتصديق الرئاسي
قد يستغل بعض النواب عدم دراية جموع المواطنين بالآليات القانونية والمسار اللائحي الكامل. الذي يستغرقه المقترح البرلماني قبل تبلوره إلى مشروع قانون. وصولا إلى التصديق عليه كقانون نهائي من جانب رئيس الجمهورية. ليتم نشره في الجريدة الرسمية والعمل به بشكل نهائي.
اللائحة الداخلية بمجلس النواب -المنظمة لعمل أعضائه وتحديد المهام المطلوبة منهم بشكل تفصيلي- تخبرنا في عدد من المواد الخاصة بها عن رحلة القوانين داخل أروقة المجلس.
فالمادة 162 تشير إلى أن اللجنة التشريعية والدستورية بالبرلمان تستقبل مشروعات القوانين والاقتراحات التي نجح أعضاؤها في الحصول على توقيع 60 نائبًا بالموافقة على مشروع القانون. وذلك من إجمالي نواب البرلمان البالغ عددهم 596 نائبا.
الخطوة التالية حال رأت اللجنة التشريعية أن القانون متوافق مع الدستور والقانون. واستوفى الشروط اللائحية. فتقوم بإرساله وتوزيعه إلى اللجنة النوعية الأقرب في اختصاصها لمناقشة المقترح. فربما يكون مشروع القانون ذا طبيعة اقتصادية أو أمنية أو دينية أو متعلقا بالصناعة أو السياحة أو الصحة أو التعليم. ولكل اختصاص في ذلك لجنة نوعية داخل المجلس تناقش ملفاته.
وتُثار بعدها النقاشات الموسعة حول الأفكار المطروحة والتعديلات المستهدفة من جانب صاحب المقترح. وذلك في حضور خبراء ومتخصصين من الحكومة وغيرها من الجهات المعنية.
ثم تنقلنا بعدها المادة 164 من اللائحة بانتقال ذلك المقترح من اللجنة الفرعية إلى الجلسة العامة الحاضر بها كل نواب الشعب. وليس أعضاء اللجنة النوعية أو الفرعية فقط. وصولا إلى المادة 171 التي تتحدث عن طريقة مناقشة المقترح في الجلسة العامة والنقاش حوله.
وحال جرت الموافقة على التعديل المقترح في الجلسة العامة بشكل مبدئي يتم إرساله لجهة قضائية. وهي “مجلس الدولة” بهدف ضبط صياغته ومراجعته من حيث استيفائه الشروط اللائحية والقانونية والدستورية.
كما تخبرنا المادة 175 من اللائحة الداخلية للمجلس -وعند الموافقة على مشروع القانون في مجلس الدولة- يعود للبرلمان لأخذ الموافقة النهائية عليه. ومن ثم إخطار رئيس الجمهورية به للتصديق عليه ونشره في الجريدة الرسمية.
وعند النظر إلى ذلك المسار التشريعي المعقد الذي يمكن من خلاله تبلور الفكرة من مجرد مقترح مبدئي أو مشروع قانون لقانون نهائي سيدرك عامة المواطنين من غير المتخصصين في الشأن البرلماني أن مقترحات إثارة الجدل والفرقعات النيابية لن تصلح إلا للاستهلاك الإعلامي.