مع اكتمال عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، التي بدأت في أواخر عام 2020. حيث قررت الدولتان إعادة سفرائهما، بعد سنوات من انعدام تمثيل دبلوماسي رفيع. يشير تحليل لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS. للباحثين جاليا ليندنشتراوس، المتخصصة في السياسة الخارجية التركية. وريمي دانيال الباحث في قسم العلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس. إلى أن هناك الكثير من التحديات التي قد تواجه هذه الشراكة.
يشير التحليل إلى أن قرار تركيا وإسرائيل بتطبيع العلاقات بينهما، هو نابع من عدة عمليات، دفعت الجانب التركي للضغط من أجل التطبيع في مقابل تجاوب إسرائيلي. لكن، إلى جانب الدوافع الجادة للجانبين لمواصلة هذه العملية، هناك قضايا يمكن أن تصبح عقبات. من بينها التطورات بين إسرائيل والفلسطينيين، والعلاقات التركية- الأمريكية، وديناميكيات اندماج تركيا في العمليات المتعلقة باتفاقات إبراهيم، وحتى طبيعة الخطط الإسرائيلية المستقبلية فيما يتعلق بصادرات الغاز.
مع ذلك، وفق التحليل، فإن التعامل مع التحديات المتعلقة بهذه القضايا “سيكون أسهل مع وجود تمثيل دبلوماسي رفيع المستوى في كلا البلدين”.
يقول التحليل: يبدو أن تركيا هذه المرة هي التي دفعت لدفع العملية -يقصد التطبيع- بينما تصرفت إسرائيل بحذر. جاء رد القدس الإيجابي على مبادرات تركيا، بعد أن أظهرت أنقرة جديتها على خلفية سلسلة من الأحداث. مما ساعد في التغلب على بعض الشكوك المتبقية بين الجانبين.
وأوضح التحليل أنه -من وجهة نظر تركيا- يُفترض أنه من الأفضل استكمال العملية قبل انتخابات الكنيست المقبلة. كما يترك توقيت قرار تجديد العلاقات الدبلوماسية وقتًا كافيًا قبل الانتخابات في تركيا المقرر إجراؤها في يونيو/ حزيران 2023. على هذا النحو “في حين أن المشاعر المعادية لإسرائيل شائعة بين الجمهور التركي، فإن التطبيع لن يؤثر بشكل كبير على اعتبارات الناخبين”.
اقرأ أيضا: رهانات الخط 29.. فرص إنهاء أزمة الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل
التحدي الأمريكي
يستند التحسن الحالي في العلاقات بين أنقرة والقدس إلى عدة عمليات، مليئة بالتحديات الموجودة إلى جانب نقاط الاتصال المحتملة. من بين هذه العوامل هو محاولة دفع العلاقات التركية- الأمريكية. فبالنظر إلى التوترات العديدة في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، تتطلع تركيا إلى علاقات أفضل مع القدس كوسيلة لتحسين العلاقات مع إدارة بايدن أيضًا.
وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت أقل نشاطًا بكثير مما كانت عليه إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، في الجهود المبذولة للمساعدة في تحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل. فمن الواضح “أن التحسن في العلاقات بين أنقرة والقدس ينظر إليه بشكل إيجابي من قبل واشنطن”. حتى أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، والسفارة الأمريكية في تركيا، قد غردوا مهنئين على تطبيع العلاقات بين أنقرة والقدس.
يضيف التحليل: مع ذلك، في المستقبل، يمكن أن تربط أنقرة بين تدهور محتمل في العلاقات التركية- الأمريكية، وعلاقاتها مع إسرائيل. مثلما حدث في يوليو/ تموز من هذا العام، عندما أقر الكونجرس تعديلات مقيدة فيما يتعلق بصفقة بيع طائرات F-16 لتركيا، مما وضع عقبات في طريق الصفقة التي تدعمها إدارة بايدن.
في ذلك الوقت، انضمت اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC) إلى منظمة الشتات اليوناني في رسالة إلى أعضاء الكونجرس. أعربت فيها عن دعمها للتعديلات.
يشير الباحثان إلى أنه “بصرف النظر عن هذا، وعلى الرغم من إدراك واشنطن للدور الإيجابي للوساطة التركية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. فإن الإحباط الأمريكي من استحواذ تركيا على أنظمة الدفاع الجوي S-400 من روسيا، وكذلك المساعدة التركية لروسيا في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية، لا يزال قائما”.
التحدي الإقليمي
في السياق الإقليمي، يتوافق التطبيع مع إسرائيل بشكل جيد مع عمليات التطبيع التي تتبعها تركيا مع دول أخرى في الشرق الأوسط. بما في ذلك الإمارات والسعودية ومصر.
وعلى الرغم من معارضة تركيا لاتفاقات إبراهيم، إلا أنها تسعى جاهدة من نواحٍ عديدة لاستغلال الفرص في هذه الديناميكية الإقليمية. يلفت التحليل إلى أنه “بالإضافة إلى ذلك، فإن الإشارات الإيجابية الأخيرة من أنقرة تجاه بشار الأسد، بعد سنوات من التوتر المتزايد بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري، هي أكثر دراماتيكية من تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
وأضاف: في الواقع، فإن العمليتين هما في الأساس وجهان لعملة واحدة، هي “إعادة تشكيل سياسة تركيا الإقليمية”.
يؤكد الباحثان أن “جهود التطبيع المختلفة تتغذى على بعضها البعض. وما دام تركيا مقتنعة بفوائدها -أولاً وقبل كل شيء من منظور اقتصادي- فمن المتوقع أن تحافظ عليها”. في الوقت نفسه، أبدت تركيا تشددًا أكبر في اتصالاتها مع اليونان وقبرص “ويثير الإطلاق الأخير لسفينة الحفر التركية الرابعة مخاوف من احتمال عودة أنقرة إلى السلوك الحازم في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما كان الحال في 2018-2020 – تتسبب في عواقب تتجاوز علاقات تركيا مع هذين البلدين”.
أيضا، يمكن للقضية الفلسطينية أن تؤثر على مستقبل التطبيع. في الوقت الذي تحاول فيه تركيا موازنة علاقاتها مع إسرائيل وعلاقاتها مع الفلسطينيين. وبالفعل، زار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تركيا، بعد أيام قليلة من إعلان التطبيع بين تركيا وإسرائيل.
يقول ليندنشتراوس ودانيال: على مدى العقد الماضي، حاول أردوغان تقديم نفسه على أنه أبرز زعيم مسلم يدافع عن حقوق الفلسطينيين وحياة المسلمين في القدس. وقد تم التعبير عن هذه السياسة جزئيًا في تصريحات قاسية ضد إسرائيل، والتي وصفها بأنها دولة إرهابية. ومع ذلك، في الشهر الأخير من شهر رمضان وحتى أثناء عملية “بزوغ الفجر” الحربية التي شنتها إسرائيل مؤخرا ضد حركة الجهاد الإسلامية الفلسطينية، كان الرد الرسمي التركي أقل سلبية تجاه إسرائيل مما كان عليه في الماضي. وبحسب أردوغان وأنصاره، فإن التطبيع مع إسرائيل لا يعني التنازل عن الموقف التركي من القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضا: العدوان على غزة.. دماء الفلسطينيين في بورصة الانتخابات الإسرائيلية
التحدي التجاري
أمّا في السياق الاقتصادي، فقد وصلت الأرقام الخاصة بالتجارة بين الدولتين إلى ارتفاع تاريخي في عام 2021. بزيادة بأكثر من مليار دولار عن العامين اللذين سبقاه. وبلغ حجم التبادل التجاري ما يقرب من 7 مليارات دولار. منها 4.7 مليار دولار صادرات تركية إلى إسرائيل، و1.9 مليار دولار صادرات إسرائيلية إلى تركيا.
وتعتبر تركيا هي واحدة من أكبر خمسة شركاء تجاريين لإسرائيل، في حين أن إسرائيل هي واحدة من أكبر عشر أسواق تصدير لتركيا. ومن المتوقع أن تجتمع لجنة مشتركة في سبتمبر/ أيلول المقبل، لمناقشة العوائق التجارية المتبقية بين البلدين. يرجع ذلك جزئيًا إلى ضرورة تحديث اتفاقية التجارة الحرة بين الدولتين، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1997.
ومع ذلك -يقول الباحثان- حتى إذا تم تحديث الاتفاقية التجارية “فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما إذا كانت العلاقات التجارية يمكن أن تنمو بشكل كبير؟
بالفعل، مهدت اتفاقية الطيران الموقعة بين الدولتين في يوليو/ تموز 2022. والنزاع الذي تم تسويته منذ عام 2007، بشأن الترتيبات الأمنية لشركات الطيران الإسرائيلية، في رحلاتها من تركيا. لتجديد رحلات هذه الخطوط الجوية بطريقة تحل -جزئيًا على الأقل- عدم التناسق الذي كان موجودًا في علاقات الطيران بينهما.
لكن، يلفت التحليل إلى أنه “في ضوء المنافسة الشديدة المتوقعة مع شركات الطيران التجارية التركية في مختلف مسارات الرحلات بين إسرائيل وتركيا. من المشكوك فيه أن تكون هذه المسارات مربحة لمشغلي الطيران الإسرائيليين”.
تحدي الغاز
كذلك، فإن إحدى القضايا التي تهتم تركيا بدفعها، في إطار تحسين العلاقات مع إسرائيل، هي تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى تركيا أو عبرها.
يقول التحليل: يسلط مسئولون وخبراء ومعلقون من تركيا الضوء، على أن بناء خط أنابيب غاز إلى تركيا، كان أول احتمال اعتبرته إسرائيل عندما درست كيفية تصدير غازها. ويرون في استعادة العلاقات بين الدولتين فرصة جيدة لإحياء المشروع. هذا صحيح بشكل خاص في ضوء الصعوبات التي تواجه المشروع البديل، خط أنابيب EastMed ، بين إسرائيل وقبرص واليونان. حيث يمكن لخط الأنابيب الذي ينقل الغاز الإسرائيلي إلى تركيا أن يساعد أنقرة على تنويع مورديها وتقليل اعتمادها الشديد على الغاز الروسي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة العبرية لديها القدرة على تعزيز مكانة تركيا كنقطة عبور للغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية. وفي الوقت نفسه، فإن عدم التناسق بين إسرائيل وتركيا فيما يتعلق باهتمام متابعة التعاون في هذه القضية واضح. حيث “لم يقدم الجانب الإسرائيلي أي التزامات علنية حيال ذلك”.
يشير ليندنشتراوس ودانيال إلى أنه “من الناحية الجيوسياسية، قد يؤدي مشروع إنشاء خط أنابيب غاز إلى تركيا إلى توتر بين إسرائيل وشركائها الإقليميين. اليونان، وقبرص، وحتى مصر، التي تصدر حاليًا بعضًا من الغاز الإسرائيلي عبر منشآت تسييل الغاز. علاوة على ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان مثل هذا المشروع له جدوى اقتصادية. مع الأخذ في الاعتبار الكمية المتاحة من الغاز الإسرائيلي، وتكاليف الإنتاج، والالتزامات الإسرائيلية الحالية للدول الأخرى.
يوضح الباحثان أنه “يمكن أن تستمر العلاقات الثنائية المستقبلية في واحد من اثنين من السيناريوهين. يؤكد السيناريو الإيجابي أن الانتقال إلى العلاقات الصحيحة بين إسرائيل وتركيا. يمكّن كلاهما من تركيز الانتباه على التحديات أو التهديدات المركزية التي يواجهانها: إيران وحزب الله وحماس لإسرائيل، والقضية الكردية بالنسبة لتركيا.
اقرأ أيضا: اتفاقيات إبراهيم بعد عامين.. مكاسب إسرائيلية وطموح للمزيد
تحديات أخرى
يلفت التحليل إلى أن تركيا “يمكن أيضًا أن تلعب دورًا مهمًا في سياسة الإيماءات الإسرائيلية تجاه السكان الفلسطينيين على النحو الصحيح”. وضربا مثالا بالبرنامج التجريبي للرحلات الجوية للفلسطينيين من الضفة الغربية عبر مطار رامون، والتي من المتوقع أن يتم تشغيلها جزئيًا بواسطة الخطوط الجوية التجارية التركية.
يقولان: إن الإبقاء على آلية الحوار القائمة بين أردوغان، والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، سيمكن البلدين من حل الخلافات. خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، دون تصادم مباشر. هناك أيضًا إمكانية للتعاون في القضايا المتعلقة بتغير المناخ، ولا سيما تكنولوجيات الإدارة الفعالة لإمدادات المياه. والتي يمكن أن تكون أساسًا للمشاريع التي قد تنضم إليها البلدان الأخرى.
لذلك، يوضح ليندنشتراوس ودانيال أن “القلق من هشاشة التطبيع الحالي” ينبع من عدة أسباب. أولها تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي إذا لم تواصل سياسة الاهتمام -ولو بشكل محدود- تجاه الفلسطينيين، ستضع أنقرة في موقف صعب.
وأوضحا أنه “يمكن أن تؤثر الاعتبارات الانتخابية لأردوغان وحزبه -حتى انتخابات يونيو/ حزيران 2023- بشكل سلبي على جودة العلاقات بين القدس وأنقرة. ومن المتوقع أيضًا أن يكون للتدهور المستقبلي في ساحة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني تأثير سلبي على العلاقات.
أيضا، قد تتكرر الحوادث المحيطة باعتقال السياح من تركيا -بسبب مخاوف من التعاون مع العناصر الإرهابية- كما حدث عدة مرات قبل اندلاع أزمة COVID-19. وهو ما يؤثر على ديناميكية العلاقات المحسنة.