حالة من التوتر باتت تسيطر على الدوائر الإسرائيلية، على وقع الأخبار التي تؤكد اقتراب توقيع إيران والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقا نوويا جديدا.
بمحاذاة القلق الإسرائيلي، بدأت الدوائر المختلفة في تل أبيب في وضع الخطط البديلة للتعامل، مع الخطوة التي يبدو أنها باتت قريبة للغاية، فيما بدا واضحا أن طهران لن تكتفي بموقف المتفرج على التحركات الإسرائيلية الرامية لإفشال الجهود الدولية، وإبطال مفعول الاتفاق الجديد، وسط تقارير استخبارية بشأن نوايا إيرانية لمحاصرة تحركات تل أبيب، وتشتيت انتباهها لحين إتمام الاتفاق.
اقرأ أيضا.. “الاتفاق النووي الإيراني”.. صفقة تشوبها الشكوك
لماذا تخشى إسرائيل؟
مع تسرب المسودة الأوروبية المقترحة لإحياء الاتفاق النووي تبارى كبار المسئولين في إسرائيل لمهاجمة الاتفاق، وعدّه رئيس جهاز الموساد ديفيد برنع “كارثة استراتيجية على إسرائيل”، فيما نقل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، رسالة إلى البيت الأبيض أكد فيها أن مسودة اتفاقية الاتحاد الأوروبي التي يتم مناقشتها مع إيران تتجاوز حدود الاتفاق النووي لعام 2015 ولا تتماشى مع الخطوط الحمراء لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وأنتجت مخاوف الدوائر الإسرائيلية دبلوماسية أمنية نشطة باتجاه واشنطن، حيث زار كل من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، ووزير الأمن، بني جانتس، واشنطن تباعا، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات عدة أكثرها إلحاحا هو لماذا تخشى إسرائيل من توقيع الاتفاق النووي مع إيران؟
وللإجابة على هذا التساؤل لابد من إلقاء الضوء على النقلة الاقتصادية الهائلة التي من المقرر أن يحققها توقيع الاتفاق النووي الجديد لإيران، حيث إنه من المقرر أن يتم بموجبه تحرير عشرات المليارات من الدولارات المحتجزة بسبب العقوبات الأمريكية بالإضافة إلى رفع العقوبات عن الكثير من الشركات والبنوك والمؤسسات الإيرانية، الأمر الذي سينعكس إيجابا بقوة على الاقتصاد الإيراني.
وبموجب الاتفاق الجديد وفقا للمسودة المسربة من جانب وسائل إعلام إيرانية، من المقرر رفع 17 من البنوك الإيرانية من لائحة العقوبات الأمريكية، وإلغاء 3 أوامر تنفيذية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد إيران، وبيع 50 مليون برميل نفط لمدة 120 يومًا، وإلغاء عقوبات على 150 مؤسسة من بينها لجنة تنفيذ أمر الخميني المرتبطة بمكتب المرشد علي خامنئي، والإفراج عن 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية.
وتشير تقديرات استخبارية إسرائيلية إلى أن عائدات النفط بموجب الاتفاق النووي ستمنح الخزانة الإيرانية 5 مليارات دولار خلال 120 يوما، المدة الزمنية لمراحل الاتفاق الأربع، بالإضافة إلى 30 مليار دولار، هي أموال إيرانية مجمدة، فيما ذهبت التقديرات إلى أن الاقتصاد الإيراني سيشهد ضخ نحو 100 مليار دولار في شرايينه ضمن نتائج الاتفاق.
العوائد الاقتصادية التي من المقرر أن تجنيها إيران، ستنعكس حتما على استقرار النظام السياسي هناك، وهو ما سيقود بالتبعية إلى تعزيز أوضاع محور حلفائها ووكلائها في المنطقة والذين يمثلون هلالا ناريا حول إسرائيل، وهو الأمر الذي تعدّه التقديرات الإسرائيلية الخطر الاستراتيجي الأهم، والذي من الممكن أن يتحوّل إلى خطر وجودي.
في السياق حذر المقدم المتقاعد مايكل سيجال، كبير الباحثين في مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة من هذه التطورات في تصريحات لوسائل إعلام عبرية، لافتا إلى أنه “بعد انتهاء تواريخ صلاحية القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، ستكون إيران قادرة في السنوات القادمة للاستفادة من المعرفة والمعدات التي جمعتها لتحديث صواريخها الباليستية”، مضيفا أن “ثمار الاتفاق النووي التي ستظهر على المدى القصير، ستعزز كثيرا من قدرة حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا”.
بعد آخر من أبعاد الخشية الإسرائيلية من الاتفاق، متمثل في كون التوقيع عليه سيفقد تل أبيب ورقة هامة طالما استخدمتها للإبقاء على استمرار حالة التوتر في المنطقة، بالشكل الذي فتح لها آفاق تعاون أوسع مع القوى الخليجية المتخوفة من طهران، واستمرار صفقات الأسلحة، في وقت تضع أيضا تل أبيب أعينها على توسيع اتفاقات التطبيع والتحالفات الإقليمية.
تحركات إسرائيلية مضادة
فكما هو واضح تواجه إسرائيل خيارات صعبة في التعامل مع الاتفاق النووي الجديد، فإلى جانب المحاولات الإسرائيلية المتعلقة بالتواصل مع واشنطن، والقوى الأوروبية الكبرى من أجل منع توقيع الاتفاق، أو على أقل تقدير إرجائه لحين انتزاع ضمانات تحقق أمنها الخاص، تحدثت دوائر إسرائيلية بشان استراتيجية شاملة للتعامل مع تداعيات الاتفاق.
فمع دخول الاتفاق مراحله النهائية وسط الحديث من كلا الطرفين (واشنطن وطهران) عن تقديم تنازلات ، ضجت وسال الإعلام الإسرائيلية، بتسريبات متعلقة بخطط تل أبيب، الرامية لمحاصرة طهران وإبطال مفعول الاتفاق.
ووفقا لصحيفة يديعوت آحرنوت الإسرائيلية، فإن الزيارة المرتقبة لرئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” إلى واشنطن من المقرر أن يطرح فيها على المسئولين هناك خطة متعلقة ببناء خيار عسكري مستقل ضد إيران.
ونقلت الصحيفة عن مسئول إسرائيلي قوله إن “إسرائيل تعمل في الوقت الراهن على بناء خيار عسكري مستقل ضد إيران، وهي خطوة كانت مهملة في ظل حكم زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، خاصة في السنوات الأخيرة”.
ووفق المسئول الإسرائيلي، فإن “تل أبيب تواصل جهودها لإلحاق الضرر بالتطوير النووي وتنفيذ عمليات سرية في عمق إيران”.
وفي تقرير بثته القناة الـ12 في التلفزيون الإسرائيلي ، أشارت إلى أن الاستراتيجية الجديدة التي ستتبناها إسرائيل في الأيام القادمة تقوم على “استهداف المواقع الإيرانية والمنشآت التي تنتج أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم والمفاعلات النووية ذاتها، ومعسكرات التدريب ومعالجة ملف العلماء الإيرانيين”.
وأضافت أن كلا من “الموساد” والجيش سينفذ أيضا جملة من العمليات ضد الأهداف الإيرانية في أرجاء الشرق الأوسط، وضمنها إحباط محاولات تهريب السلاح إلى دول ومنظمات في المنطقة، وليس فقط تنفيذ عمليات في عمق الأراضي الإيرانية.
وقدرت القناة أن كلا من “الموساد” والجيش الإسرائيلي قد دشنا بنى وقدرات جدية على أراضي دول في المنطقة تساعد على تنفيذ هذه العمليات، وضمن ذلك المساعدة على تحقيق اختراقات استخبارية في “الحرس الثوري” الإيراني وبناء قدرات مناورة واسعة في عدد كبير من الدول.
ولفتت إلى أن هدف العمليات التي ستتواصل حتى بعد الإعلان عن الاتفاق النووي يتمثل في منع تحول إيران إلى دولة “على حافة قدرات نووية”.
وفي إطار الاستراتيجية ذاتها عرض وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني جانتس، على المسئولين في الولايات المتحدة الأمريكية التي زارها مؤخرا، بعض الأفكار التي من شأن التمسك بها الحيلولة دون تقدم إيران نحو السلاح النووي.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية العامة الناطقة بالعربية، فإن جانتس خلال لقاء جمعه مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، عرض بعض الأفكار التي يمكن أن تساهم في منع حصول إيران على السلاح النووي.
وأكد جانتس وفقا لهيئة البث الإسرائيلية أهمية تطوير مقدرات عملياتية هجومية ودفاعية للتصدي للبرنامج النووي الإيراني وأنشطة طهران في المنطقة بصرف النظر عن الاتفاق النووي.
الجبهة الشمالية
إزاء التهديدات والتسريبات، الخاصة بخطط تل أبيب الرامية لإفشال الاتفاق أو تقويض النفوذ الإيراني، بدأت طهران في بث إشارات خاصة بالجبهة الشمالية لإسرائيل “أي لبنان”، وإمكانية إشعالها عبر حرب ينوب عنها فيها حزب الله اللبناني أحد أقوى الأذرع الإيرانية، لإدراكها أن الخيار العسكري ضد منشآتها النووية أصبح مطروحاً بقوة على مؤسسات صناعة القرار الإسرائيلي.
ووفقا لتقارير استخبارية إسرائيلية، تداولتها وسائل إعلام هناك، فإن إيران خاطبت زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، مؤخرا للاستعداد لمواجهة محتملة مع إسرائيل على خلفية أزمة ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان.
ووفق التقارير الإسرائيلية فإن إيران ترى أن مثل هذه الحرب قد تؤدي إلى وضع لا يتمكن فيه الجيش الإسرائيلي، الذي سينغمس في المعارك بلبنان، من ضرب إيران ومنشآتها النووية، وأن طهران ستحاول استخدام الحدود الشمالية اللبنانية كضربة استباقية ضد إسرائيل.
وإضافة للحديث عن توظيف طهران وكلائها في المنطقة، لشغل إسرائيل وتحويل انتباهها عن الاتفاق النووي ومخرجاته، باتت إيران تدرك أهمية تجريد تل أبيب من الأوراق التي في أيديها، وهو ربما ما دفعها إلى اتخاذ خطوات جادة في تبريد أزماتها مع القوى العربية والخليجية، فشرعت في تصحيح مسار علاقاتها مع الإمارات والسعودية من جهة، إضافة إلى تحركات مماثلة لاستعادة العلاقات مع كل من مصر والأردن، التي تشهد علاقتها بتل أبيب توترا ملحوظا مؤخرا.
ختاما يمكن القول أن الاتفاق النووي الجديد حال توقيعه، إن كان سيمثل نهاية مرحلة من المفاوضات الشاقة مع واشنطن والقوى الأوروبية الكبرى، إلا أنه سيكون بمثابة بداية لمرحلة أخرى في صراع الاستراتيجيات بين طهران وتل أبيب، وهو الصراع الذي بدأ كلا الطرفين تجهيز أدواته لخوضه.