فرضت التطورات المتلاحقة في مجال الاتصال تغيرات في بيئة وقطاعات العمل وأصبحت المنصات الرقمية إحدى بنيات الاقتصاد الحر Gig. ويعد الاقتصاد الرقمي فرعا مستحدثا “يقوم على التكنولوجيا والبرمجيات والشبكات. بالإضافة إلى الآليات الرقمية التي تتم من خلالها الأعمال التجارية والاقتصادية. ومنها التجارة الإلكترونية”.
محليا، سبق وأن دعا عمال التوصيل بالمنصة الرقمية “طلبات” إلى إضراب للمطالبة بزيادة الأجور في ظل ارتفاع الأسعار. ولم يستمر الإضراب إلا 3 أيام خوفا من التنكيل بهم. ولم يشارك عدد كبير من العاملين في المنصة مع زملائهم.
ما المشكلة؟
هذه الأزمة ومشكلات العمال في قطاع العمل الحر أو (Gig)، والتي تتضمن الوظائف المرنة والمؤقتة وما يرتبط بها من علاقات بالمنصات الرقمية. وكذلك موقعها في الاقتصاد غير الرسمي. ووضع وظروف العمالة في هذه السوق المستحدثة، تستعرضها ورقة حقوقية جديدة، صادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام (دام)، للباحثة وفاء عشري. وقد عرضت العلاقة بين هذا القطاع والسياسات الاقتصادية المرتكزة على القطاع الخاص في توفير فرص العمل. خاصة مع التنامي السريع لوسائل الاتصال وانتشار استخدام الإنترنت في السنوات الأخيرة. واعتبار المنصات الرقمية بوابة لدخول سوق العمل لفئات من الشباب والنساء.
للاطلاع على الورقة كاملة :
أهمية الورقة
تبرز أهمية الورقة في إلقاء الضوء على ظاهرة جديدة تتسع. ومعها تخلق ظروف عمل وواقعا جديدا. وخلاله تبرز مشكلات عمالية من بينها تدني ظروف العمل وغياب الحماية الاجتماعية. وكذا غياب سياسة عادلة للأجور.
أولًا: ما المشكلة في اقتصاد العمل الحر ورأسمالية المنصات؟
اقتصاد العمل الحر أو (Gig) يعتمد على الوظائف المرنة والمؤقتة. حيث تفضل الشركات التعامل مع موظفين مستقلين. بدلا من الاعتماد على موظفين بدوام كامل. وكلمة (Gig) مشتقة من وصف العروض الموسيقية الحية. في إشارة إلى تأدية عمل محدد المدة والنطاق.
Gig واقتصاد السوشيال ميديايعبر اقتصاد العمل غير الرسمي واقتصاد الـGig في جوهرة عن أزمة القوى العاملة في سوق العمل. خاصة ما يتعلق بالوظائف قصيرة الأجل أو الذين يعملون لصالح انفسهم. وبذلك لا يخضع عملهم للإشراف الرسمي للدولة. بما يحمل تحديات ومشكلات عديدة. منها شبكة الأمان الاجتماعي.
ثانيًا: تحديات جديدة أمام العمال في قطاع Gig
في أعقاب التحول الرقمي يصبح جزء من العمل قائما على المعرفة وجمع المعلومات التي يمكن من خلالها إنتاج البيانات التي تتعامل بها المنصات لخدمة عملائها. والمعلومات هي القوة الرئيسية للإنتاج والعامل الرئيسي لإكساب القيمة. ومن ثم هناك آثار مترتبة على العمل في هذا القطاع. منها:
أولا: بنية استغلال مستحدثة
إن العمل الذهني بما فيه العمل في المنصات خاضع للاستغلال كما العمل التقليدي أيضا. فيما يوفر مزايا لأصحاب العمل
ثانيا: الإجراءات العقابية
هناك حالة مستمرة من الغموض حول حقوق العمال. إذ تعامل الشركات عمالها بالإجراءات العقابية في وقت تنخفض فيه تكلفة العمل لأصحاب الأعمال. ومنها غياب العقود والأجور اللائقة والحماية الاجتماعية وبيئة العمل المناسبة.
ثالثا: غالبا ما يشار إلى العمال في المنصات على أنهم يتمتعون بمرونة أكبر. لكن لا ينظر إلى حجم الإنتاج ومردوده وسياسة الأجور وساعات العمل
رابعا: غياب ضوابط تنظم عمل الاقتصاد الـGig. ويؤدي ذلك إلى استغلال الشركات لقدرات الأفراد المستقلين. مثل (العاملين في مجال الترجمة والبرمجيات وتصميمات الجرافيك). مع وجود فراغ تشريعي لا يشترط وجود عقود عمل. ما أدى إلى وقوع العديد من المستقلين في شراك النصب عليهم.
خامسا: غيـاب المعلومـات
لا تتوافر معلومات دقيقة عـن حجم اقتصاد المشـاركة عبـر المنصـات الرقميـة. ما يجعل ذلك الاقتصاد يعمل خـارج سـيطرة الحكومات.
ثالثا: اقتصاد الـ(Gig) والحالة المصرية
القطاع الخاص مشغل رئيسي:
منذ سبعينيات القرن الماضي واجه القطاع الخاص اهتماما متزايدا. على اعتبار أنه المشغل الرئيسي مستقبلا فى ظل خطط تراجع الاعتماد على الوظائف العامة. وهو ما تحقق فعليا. حيث يستوعب القطاع الخاص معظم المشتغلين من قوة العمل حسب ما توضح المؤشرات الرسمية.
بلغ عدد السكان وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء نحو 110 ملايين نسمة في 2021. يمثل قوة العمل منها نحو 26 مليونا. وهو ما يقارب 60% من السكان داخل سوق العمل. بينما نسبة العاطلين هي 14.5%. وتبلغ معدلات البطالة بين الشباب والمتعلمين 26.45 و22.1% على التوالي.
لا توجد إحصاءات رسمية توضح حجم الاقتصاد الـGig في مصر. لكن التعداد الاقتصادي يشير إلى عدد المنشآت العاملة في القطاع غير الرسمي وتبلغ 2 مليون منشأة. وذلك بنسبة 53% من إجمالي المنشآت العاملة عام 2017/2018 مع ملاحظة أن 59.4% منها تعمل في تجارة الجملة والتجزئة.
ويشير بحث القوى العاملة إلى أن نسبة المشتغلين خارج المنشآت تصل إلى 44% من إجمالي المشتغلين في 2020. مقابل 35% بالقطاع الخاص و21% بالقطاع الحكومي.
عوامل تضعف وضع النساء في سوق العمل
أما بالنسبة لعمل النساء داخل اقتصاد Gig. فبالرغم من زيادة فرصهن في التعليم لم تتوافر الفرص نفسها في المشاركة الاقتصادية. وذلك بسبب محدودية مستوى التنمية الاقتصادية وندرة الوظائف وضعف جودتها وزيادة السمة غير المنظمة. وهي كلها عوامل تضعف وضع النساء في سوق العمل. مما يضع تحديات أمام المرأة العاملة في سوق عمل الـGig والقطاع غير الرسمي.
وقد شهد الاقتصاد المصري -وفقًا لقياس الناتج المحلي الإجمالي- نموًا مطردًا بحسب البنك الدولي عام 2020). ومع ذلك يمكن ملاحظة عدم المساواة في هذا النمو مع معدل البطالة الآخذ في الاتساع. خاصة بين الشباب. بينما استمر انخفاض مشاركة النساء في القوى العاملة مقارنةً بمشاركة الرجال.
وقد نصت المادة 95 من قانون العمل الجديد على أنه “يجب على صاحب العمل في حالة تشغيله خمس عاملات فأكثر أن يعلق في أمكنة العمل أو تجمع العمال نسخة من نظام تشغيل النساء”.
وكان قانون العمل السابق لسنة 1981 يكتفي بعاملة واحدة فأكثر. والهدف من هذا الإلزام هو إعلام المرأة العاملة بالقواعد المنظمة لعملها في المنشأة. وتوعيتها بحقوقها المقررة كي تتمسك بها وتطالب بتطبيقها عند المخالفة. هذا أدى إلى إحجام عدد كبير من الشركات عن تعيين النساء بها.
رابعًا: اقتصاد العمل الـGig في ظل الجائحة
عطّل الوباء مسار أحلام الأسواق وأدى إلى فقدان عدد كبير من الوظائف في القطاع غير الرسمي. إذ تعرض القطاع لضربة قاسية نتيجة وباء كوفيد-19 في مصر. حيث إن أكثر من نصف العاملين يفتقرون إلى الحماية. ومنها خدمات التأمين الصحي ومعاشات تقاعدية. كما يعملون دون عقود وعدم استقرار في مصادر الدخل ولا يحصلون على الضمان الاجتماعي.
وقد أظهرت العديد من الدراسات أن النساء قد تأثرن بشكل كبير نتيجة الجائحة. إذ لجأ بعضهن للعمل في اقتصاد الـGig. كما أضرت سياسات الإغلاق خلال الوباء بالعديد من العاملات. وأدى هذا إلى المفاضلة بين خروجهن للعمل والاهتمام برعاية أسرهن وأطفالهن. وأدى انخفاض الطلب على العمل في بعض القطاعات إلى لجوء بعضهن للعمل على المنصات الرقمية. سواء في مهن مستحدثة أو لتسويق أعمالهن الخاصة من منتجات منزلية وملابس وغيرها من سلع.
خامسا: القوانين والتشريعات ذات الصلة:
شكلت مخرجات مؤتمر العمل الدولي لعام 2002 بشأن العمل اللائق والاقتصاد غير الرسمي علامة فارقة للعمالة غير المنظمة. وجاءت التوصيات مركزة على الانتقال من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي. والتي اعتمدها مؤتمر العمل الدولي في يونيو 2015.
وورد في الفقرة (3) من استنتاجات 2002 أنه يجب على صانعي السياسات أن يراعوا الصعوبات المفاهيمية والسياسات المتأتية عن التنوع الكبير في الأوضاع والمواصفات في الاقتصاد غير المنظم.
في التشريع المصري
ظل المشرع المصري غامضا بخصوص وضع تعريف محدد وواضح بخصوص “العمالة غير الرسمية” في قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003. حيث تقف عند وصف علاقات العمل بحسب طبيعتها “موسمي، عرضي، مؤقت”.[11]
للاطلاع على الورقة كاملة اضغط هنا
سادسًا: كيف يحتج العمال الجدد؟ منصة “طلبات”
دعا عمال التوصيل بالمنصة الرقمية “طلبات” خلال إبريل/ نيسان 2022 إلى إضراب للمطالبة بزيادة الأجور في ظل الأزمة الاقتصادية ونتيجة ارتفاع الأسعار. ولم يستمر الإضراب إلا يومين نظرا لعدم انضمام عدد كبير من العاملين بمنصة “طلبات”. والتي يبلغ قوامها التشغيلي نحو 12000 عامل.
وردت “طلبات” في بيان لها بأن أجر العاملين لديها يصل بين “4000-6000 جنيه شهريا.
ولكن بحسب العاملين فإن المرتب لا يتضمن تكلفة البنزين الذي ارتفع خلال العامين الماضيين. كان آخرها ارتفاعه بنسبة 3%. بالإضافة إلى ثمن وصيانة الاسكوتر أو الدراجة التي يستخدمها العمال في التوصيل.
ونتيجة للأزمة الاقتصادية في مصر انخفض معها الاستهلاك وانخفض معها رحلات التوصيل. ما أدى إلى انخفاض العمولات وأصبحت الرحلات تمثل عبئا مع ارتفاع أسعار الوقود.
ووفقا لدراسة أجرتها الجامعة الأمريكية في مصر بالتشارك مع Fairwork -مشروع لجامعة أوكسفورد لتقييم ظروف العمل لسبعة من أكبر المنصات الرقمية في مصر- سجلت “طلبات” نقطة واحدة من أصل عشرة. وجاء التقييم بناءً على خمسة معايير رئيسية. جاء في مقدمتها “الأجر العادل” و“الشروط العادلة” والعقود العادلة و”الإدارة العادلة” و”التمثيل العادل”.
وبناء على التقرير فإن “طلبات” توفر إجراءات واضحة للقرارات المتعلقة بالعاملين والمتمثلة في مبدأ “الإدارة العادلة”. بما في ذلك الإجراءات المعمول بها للعمال لاستئناف الإجراءات التأديبية.
التوصيات:
يحمل اقتصاد العمل الـGig مجموعة إيجابيات وسلبيات وفوائد للاقتصاد المصري تجعل من الضروري على صانعي السياسة تقليل السلبيات.
ومنها الغموض الذي يكتنف علاقة العمل وهي بعيدة عن المعايير الوطنية والدولية للعمل اللائق. فغالبًا ما تدفع الأجور الضئيلة وظروف العمل السيئة صانعي السياسات للمطالبة بتصنيف عمال الوظائف المؤقتة كموظفين. بهذا التصنيف وحده لا يمكن معالجة المشكلة، إذ لابد من إلزام هذا القطاع بالسياسات والمعايير الوطنية والدولية للعمل اللائق كما عرفتها منظمة العمل الدولية.
وقد صدرت خلال 2020 رؤية مصر لـ2030 وتضمن الهدف الثالث تحقيق “اقتصاد تنافسي ومتنوع”. وأوضحت الاستراتجية أن الهدف يتحقق ضمن زيادة معدلات التشغيل والعمل اللائق. ويتناقض هذا الهدف مع واقع وظروف العمل في القطاع غير الرسمي. وما يتضمنه من غياب سبل الحماية الاجتماعية وظروف عمل هشة بشكل مجمل.
– يجب على الدولة الاعتراف بأن الوظائف المؤقتة مصدر رئيسي للعمل بالنسبة لغالبية الناس. وبالتالي هناك ضرورة لتعديل اللوائح والتشريعات التي تضمن حقوقهم وتضمين قوانين وسياسات عمل فعّالة تراعي حقوق العمالة المؤقتة في الوظائف المستحدثة. كالعمل في المنصات ضمن نمط عمل جديد لم تعالجه التشريعات. فضلا عن مراعاة منظور النوع الاجتماعي.
– رفع الوعي لدى العاملين بهذا القطاع بأهمية التنظيم. وكذلك رفع الوعي القانوني كسبيل للحصول على الحقوق بجانب إزالة عوائق التنظيم النقابي.
– توفير الحكومة منهجا لإدراج العاملين في منصات العمل المؤقت في خطط التأمين الاجتماعي الإلزامي وإعادة تصنيفهم كموظفين. مع إمكانية الوصول إلى الحماية والمزايا المرتبطة بها. حيث المتعارف عليه تصنيفهم كمتعاقدين مستقلين. مما يتركهم وحدهم مسئولين عن دفع اشتراكات التأمين الاجتماعي.
– قيام الدولة بتفعيل الوثيقة القانونية (عقد). والتي توفر للعمال الحماية والحقوق الأساسية وتخلق توازنا بين حقوق العمال وأصحاب العمل.
– تنفيذ إطار دولي لتحصيل الضرائب. فدفع الضرائب بسهولة يتيح للعمال الاندماج في المجتمع. ويقلل من وصمات العار ويوفر الاحترام. كما يمكن للحكومة استخدام الإيرادات الإضافية لتوفير حماية أفضل للعمال وتعزيز التنمية الاقتصادية.
– سرعه تفعيل والتوسع في خطة التأمين الصحي الوطني ليشمل الفئات العاملة في القطاعات الجديدة.
– وأخيرا من المفيد أن تضع كل مؤسسة “مدونة سلوك” كأداة للحد من أي انتهاك يتعرض له العاملون.