أسدل القضاء المصري، الستار على قضية بدأت منذ عامين، ضحيتها فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا، تعرضت للاغتصاب على يد 3 أشخاص، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”فتاة فرشوط”، وقررت المحكمة أخذ الرأي الشرعي في إعدام الجُناة الثلاثة.
ويعرف الاغتصاب في القانون المصري، على أنه مواقعة الأنثى دون رضاها ودون رغبتها، وتشترط صحة المواقعة بحدوث إيلاج حتى ولو لمرة واحدة وحتى دون كامل عضو الرجل، كما يُشترط أن تكون المرأة مسلوبة الإرادة ودون رغبتها نتيجة إجبار مادي أو معنوي أو غياب وعي أو إصابة بمرض عقلي، أو الزوجة المطلقة التي يواقعها ولا تعتبر المواقعة من الخلف اغتصاب، وفقًا للقانون.
في الأيام الماضية، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، جدلًا واسعًا حول وقائع التحرش والاغتصاب، شملت ومطالبات عدة بمعاقبة الجناة، والتي بدأت مع قضية أحمد بسام زكي، المعروف إعلاميا بـ”متحرش الجامعة الأمريكية”، والمتهم باغتصاب وهتك عرض العديد من الفتيات، لتُعيد القضية للأذهان معاناة الفتيات داخل المجتمع.
في بيانات عدة، ومطالبات للفتيات والسيدات اللاتي تعرضن لمحاولات اغتصاب أو تحرش، طلبت النيابة التقدم بشكاوى رسمية للتحقيق بها، وعقوبة الجناة بالدستور والقانون، وبدأت وحدة الرصد والتحليل، بالنيابة العامة، متابعة الشكاوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتحقق من صحتها.
أحكام رفعت رأس الضحايا
جاء الحكم في قضية قنا، ليرفع رأس الضحية كما وصفت الأمر في تصريحات عدة لها، وهو لم يكن الحكم الأول الذي أنصف السيدة في مواجهة مغتصبها، فقبله شهدت محافظة الدقهلية واقعة مشابهة، حيث أقدم طالبًا على اغتصاب طالب زميلته وأنجبت منه طفلة، وظلت تبحث عن كيفية إثبات نسبها، القضية بدأ التحقيق بها بعد عامين، وتم استدعاء الطالب لأخذ عينة منه وتحليهلا لإثبات نسب الطفلة.
ومن أجا لفتاة العياط واقعة مشابهة أيضًا، والتي استقبلت مكالمة هاتفية من زميل سابق لها في العمل يرغب في مقابلتها، فذهبت للقاءه، وبعد انتهاء اللقاء فوجئت باختفاء هاتفها، فاتصلت على هاتف زميلها تسأله فرد عليها شخص آخر يخبرها أنه عثر على الهاتف، وطلب منها الحضور لأخذه في العياط، لتنفيذ خطة لاغتصابها، حتى استطاعت الهرب منها، وذهبت بصحبة والدها لقسم الشرطة للإبلاغ عن الواقعة، وتم حبس الفتاة لقتلها الشاب الذي حاول اغتصابها بعد العثور على جثته، وبعد التحريات أصدرت النيابة بيانًا يبرئ الفتاة، وقالت حينها: “كنت عارفة إن أنا بريئة وبدافع عن شرفي، وهخرج”، فتحولت من متهمة إلى بطلة.
تغليط عقوبة الاغتصاب
القانون الجنائي المصري، ألغى المواد 290-291 المتعلقة بالإعفاء من العقوبة إذا تزوج الجاني المعتدى عليها، منذ عام 1999، وتُعطي المادة 17 من قانون العقوبات القاضي سلطة استعمال الرأفة في أقصى درجاتها، إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة.
المستشارة القانونية الدكتورة آية العبيدي، قالت إن القانون المصري غلظ عقوبة الاغتصاب في الأونة الأخيرة، لتصل إلى الإعدام بعدما كانت العقوبة السجن المؤبد وذلك بموجب نص المادة 267 من قانون العقوبات المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011، والنيابة هي من تحدد درجة العقوبة، فليست كل وقائع الاعتداء الجنسي يتم وصفها أو تصنيفها إلي اغتصاب، فجميع التعدي علي الأطفال الذكور يعتبرها القانون هتك عرض، كما يعتبر القانون الاغتصاب جريمة تقع على الإناث فقط.
الإعدام أيضًا، كان من الممكن أن يكون مصير 3 متهمين، اغتصبوا سيدة اغتصاب وحشي، أمام طفليها، بمركز الإبراهيمية، في محافظة الشرقية، وأوردت التحريات والتحقيقات، أن المجني عليها تبلغ من العمر 30 عامًا، كان برفقتها طفلتها، 4 سنوات، ورضيعها ومتوجهة داخل توك توك إلى المستشفى للكشف على ابنتها وأثناء ذلك اعترض طريقها المتهمين الثلاثة، وتعدوا على سائق التوك توك بالضرب، وأجبروها على التحرك معهم إلى أرض زراعية وتناوبوا عليها الاغتصاب قرابة ساعة ونصف، أمام طفليها وتركوها في حالة إعياء شديدة، وفروا هاربين، فقررت النيابة حبسهم على ذمة التحقيقات بتهمة خطف واغتصاب سيدة، وترويع المواطنين والشروع في قتل سائق التوك توك، وحيازة سلاح دون ترخيص، حتى تم الحكم عليهم بالسجن المؤبد.
عقوبات الاغتصاب والتحرش
وفقًا للقانون المصري، تم تشديد عقوبة التحرش في عام 2014 التي باتت تراوح بين الغرامة 3 آلاف جنيه، كحد أدنى والحبس 5 سنوات مع غرامة 20 ألف جنيهًا كحد اقصى إذا كان المتحرش له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها.
وعند التقدم ببلاغات رسمية ضد المتهم، سيواجه عقوبات يحددها القانون المصري في 3 مواد، فوفقا للمادة 306 مكرر (أ) والتي تنص على أن يعاقب المتهم فيها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن الحبس سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه وبإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه، وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
كما تنص المادة 306 مكرر (ب) على أنه يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، فإذا كان الجانى له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.
ونصت المادة 268 من قانون العقوبات على أن كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى سبع، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة، أو كان مرتكبها ممن نص عنهم فى الفقرة الثانية من المادة 267، يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحد المقررة للأشغال الشاقة المؤقتة. وإذا اجتمع هذان الشرطان معا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
عقوبات غليطة ولكن
الدكتورة هدى صلاح، الباحثة في حقوق المرأة، تقول إن الحادثة الأخيرة للمتهم أحمد بسام زكي، أثبتت عكس ما هو متعارف عليه، وأن حوادث التحرش والاغتصاب تحدث في المجتمعات الفقيرة فقط، ولكن الأمر أيضًا يحدث في المجتمعات التي تُصنف على أنها أكثر تحضرًا، ومن طبقات تعليمية عالية أيضًا.
وتضيف الباحثة في حقوق المرأة، أن وسائل التواصل الاجتماعي تُحقق الكثير فيما لم تنجح فيه القوانين، كما أن دستور 2014 واحدًا من أعظم الدساتير التي تحافظ على حقوق المرأة، ولكن هناك فرق بين القوانين وكيفية تطبيقها، فتقوم الدولة بسن قوانين لحماية المرأة، وعلى الجانب الآخر يخرج من يتحدثون باسم الدين لفرض سلطة أكثر على المرأة.
وترى صلاح، أن هناك حالة تناقض بين ما استطاعت المرأة تحقيقه من حقوق، وبين استمرار متابعتها وملاحقتها أيضًا، فبعد سن قوانين لحمايتها من التحرش والاغتصاب وأخذ حقها، نجد فتيات يتم القبض عليهن بتهم “التيك توك”، فنعود مجددًا لفرض الوصاية على المرأة، فالأمر يحتاج لمزيد من التطور لكسر كل المخاوف التي تحاوط النساء.