في مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، والذي يوافق بداية العام الدراسي الجديد في أوكرانيا. صرحت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف”، في ختام زيارة امتدت ثلاثة أيام، وشملت جميع أنحاء أوكرانيا. أن الحرب المتواصلة “عكّرت صفو بداية العام الدراسي الجديد لأربعة ملايين طفل في أوكرانيا”.
قالت راسل: “تحفل بداية العام الدراسي الجديد عادة بالحماس والأمل، مع عودة الأطفال إلى صفوفهم. حيث يتبادلون قصص فصل الصيف مع أصدقائهم ومعلميهم. أما بالنسبة لأربعة ملايين طفل في أوكرانيا، فإن شعور الذعر هو المسيطر وهم يعودون إلى مدارس دُمر كثير منها خلال الحرب”.
تؤكد المنظمة الدولية أنه بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. تضررت، أو دُمرت، آلاف المدارس في جميع أنحاء البلاد. وتقول الحكومة أن أقل من 60% من المدارس آمنة ومؤهلة لإعادة فتح أبوابها.
في اليوم الأول من العام الدراسي في أوكرانيا، زارت راسل مدرسة ابتدائية أعيد تأهيلها، بعد أن تضررت خلال الأسابيع الأولى من الحرب. وجدت أنه لن يستطيع سوى 300 طالب الانتظام في هذه المدرسة، بسبب ضيق مساحة الملجأ المضاد للقنابل فيها. وهذا العدد يمثل 14% فقط من طاقة استيعاب المدرسة قبل الحرب.
اقرأ أيضا: الطلبة العالقين.. أزمة شرق أوسطية داخل أوكرانيا
أضافت راسل: هؤلاء الأطفال في جعبتهم قصص عن الدمار، وهم غير متأكدين من وجود معلميهم وأصدقائهم للترحيب بهم. فالكثير من الآباء والأمهات يترددون في إرسال أطفالهم إلى المدارس، خشية أن لا يكونوا في أمان هناك”.
وفق تقرير ذا ناشيونال إنترست/ The National Interest. دمرت روسيا ما يقرب من 286 مدرسة أوكرانية. وألحقت أضرارا بأكثر من 2400 مدرسة أخرى، منذ غزوها أوكرانيا في أواخر فبراير/ شباط الماضي. لكن أعيد فتح ما يقرب من 3000 مدرسة بشكل أهلي، بينما الصورة لا تزال غير مؤكدة ومرتجلة مع استمرار الحرب.
مدارس آمنة من القنابل
لعدة أشهر، ظلت آنا نوفوساد، أول وزيرة للتعليم والعلوم في عهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. تجوب أنحاء البلاد، في محاولة لتقييم جاهزية المؤسسات التعليمية على استئناف الدراسة في زمن الحرب.
لكن نوفوساد اكتشفت أن بدء الدراسة في العديد من المدارس سيكون مغامرة خطيرة، دون تأمين ملجأ مناسب للقنابل. قالت: لقد زرت العديد من الملاجئ. إنهم يبذلون قصارى جهدهم، ولكن حتى إذا كان المسئولون على استعداد لإنشاء الملاجئ، فليس لديهم أموال لها.
يؤكد تقرير National Interest أنه “لإعادة فتح المدارس، يجب أن يكون للمدرسة ملجأ من القنابل. وأن تكون الملاجئ بدرجات متفاوتة من الجودة. العديد منها عبارة عن أقبية عادية ذات أرضيات ترابية أو رملية”.
في الوقت نفسه، تسعى الوزيرة الأوكرانية إلى جمع 80 مليون دولار لإعادة بناء المدارس في شمال البلاد. حيث تم دفع القوات الروسية في إبريل/ نيسان. بينما أصدرت الحكومة الأوكرانية توصيات بشأن إعادة فتح المدارس في وقت متأخر، ومنحت المدارس شهرين لبناء ملاجئ بدون أي أموال أو موارد.
في الوقت نفسه، تعمل اليونيسف مع الحكومة الأوكرانية للمساعدة في إعادة الأطفال إلى الدراسة في الصفوف عندما يعتبر ذلك آمناً. وفي التعلم عبر الإنترنت، أو البدائل المجتمعية الأخرى، إذا تعذر انتظامهم في المدارس.
وأشارت المؤسسة الأممية إلى أنه نحو 760 ألف طفل تلقوا تعليماً رسمياً أو غير رسمي منذ نشوب الحرب. واستفاد أكثر من 1.7 مليون طفل ومقدم رعاية من مشاريع الصحة العقلية، والدعم النفسي والاجتماعي، التي تدعمها اليونيسف.
وأضافت مديرة اليونيسيف: “المدارس في أوكرانيا بأمس الحاجة إلى الموارد لبناء ملاجئ تحمي من القصف عوضاً عن الملاعب. كما يجري تعليم الأطفال سبل الوقاية من الذخائر غير المنفجرة، عوضاً عن السلامة على الطرق. وهذا واقع مرير للطلاب وللآباء والأمهات والمعلمين الأوكرانيين”.
رغم الجهود الأممية لتعويض الخراب الدراسي الناجم عن الأنشطة العسكرية الروسية في أوكرانيا. ورغم أن “سخاء الجهات المانحة كان مذهلاً”، وفق تعبير مديرة اليونيسيف. ولكن “ما لم يعم السلام، ستزداد حياة الأطفال في أوكرانيا صعوبة مع اقتراب فصل الشتاء”.
الروس يستهدفون المدارس
وأفاد باحثون من Center for Information Resilience، وهي مجموعة غير ربحية مقرها بريطانيا. أن قصف المدارس في خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، كان متعمدًا “استهداف وليس نتيجة ثانوية للهجمات العشوائية على البنية التحتية المدنية”.
لذلك، كان جزء من الاحتفال ببدء الدراسة الأربعاء الماضي تدريبات للأطفال على الغارات الجوية الروسية “اي طرق النجاة”. حيث “نزلوا خلالها معًا إلى الملجأ”. وفق معايشة أجراها محرر الواشنطن بوست/ The Washington Post. والذي نقل عن واحدة من الأمهات قولها: “في طريق العودة إلى المنزل، انطلقت صفارات الإنذار من الغارات الجوية. كنا محظوظين لأن ذلك حدث لاحقًا، وإلا لكان الاحتفال قد دمر”.
وفقًا للبيانات الحكومية الأوكرانية، سيتم إعادة فتح 3000 مدرسة أهلية، وستعمل 5660 مدرسة تقريبًا، وستستخدم 3602 مدرسة أسلوبًا مختلطًا.
لكن، بينما تخضع جميع أموال الحكومة للرقابة الفيدرالية، وكل شيء يتجه نحو الاحتياجات العسكرية الآن. فإن المدارس الأوكرانية ليست مستعدة لضربات صاروخية. في وقت إذا انطلقت صفارات الإنذار أثناء الدراسة، فيجب على الطلاب والمعلمين الانتقال على الفور إلى ملجأ من القنابل.
وإذا تم إطلاق صاروخ من بيلاروسيا، فإن الأمر يستغرق من ثلاث إلى أربع دقائق للسقوط. بينما يستغرق 20-30 دقيقة إذا تم إطلاقه من بحر قزوين أو البحر الأسود.
“إنهم يستهدفون المدارس عمداً”، قالتها الوزيرة الأوكرانية في مطلع سبتمبر/ أيلول. وأضافت: الروس يعرفون ما يفعلونه.
تنقل المجلة الأمريكية عن وزيرة التعليم نوفوساد أمثلة على قولها. ففي وسط مدينة جيتومير، قصف الجيش الروسي مدرسة واحدة فقط، ولا شيء آخر. وفي تشيرنيهيف، دمروا أو دمروا سبعة وعشرين مدرسة من أصل أربع وثلاثين مدرسة. حتى في قرية كاتيوزانكا الصغيرة خارج كييف، احتل الجيش الروسي المدرسة، وأزال صور الشخصيات التاريخية الأوكرانية. مثل الشاعر الوطني تاراس شيفتشينكو، واستبدلها بصور فلاديمير لينين.
أوضحت نوفوساد: “إنهم يستهدفون المدارس، ليس لأن أوكرانيا قد تستخدمها للدفاع، لكنهم يدركون مدى أهميتها من منظور أيديولوجي”. مشيرة إلى أن السلطات الروسية تحرق الكتب الأوكرانية وتستبدلها بالكتب الروسية.
اقرأ أيضا: استراتيجية أوكرانيا لـ “النفس الطويل”
التعليم عن بُعد
تلفت الشواهد والحكايات الأوكرانية إلى استهداف حقيقي للمدارس، ففي الشمال “سرق الروس كل شيء. حتى أنهم سرقوا الشوك والملاعق من رياض الأطفال”، كما يروي تقرير المجلة الأمريكية. وفي بروفاري -وهي قرية صغيرة بها 500 طفل بالقرب من كييف- أحرق الجيش الروسي روضة الأطفال والمدرسة الوحيدة.
وتشير ميليندا هارينج، نائبة مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي. إلى أنه في الأجزاء التي تحتلها روسيا من البلاد، يُجبر الآباء الأوكرانيون على إرسال أطفالهم إلى المدارس الروسية وإلا سيتم تغريمهم. كما ترسل روسيا معلميها، وتحاول إقناع المعلمين الأوكرانيين بالتعاون.
وبينما يواجه أطفال المدارس في أوكرانيا خطراً داهماً متواصلاً يهدد حياتهم وعافيتهم، يواجه اللاجئون منهم تحديات أخرى. فاعتباراً من 31 يوليو/ تموز 2022، لم يلتحق نحو 650 ألف طفل أوكراني يعيشون لاجئين في 12 بلداً مضيفاً بأنظمة التعليم في تلك البلدان. وقد دعمت اليونيسف نصفهم تقريباً بتعليم رسمي أو غير رسمي.
كما تعمل اليونيسف مع الحكومات والشركاء على ضمان التحاق الأطفال الأوكرانيين اللاجئين بمدارس أو التعلم عبر الإنترنت. مثلا، أدى القصف العنيف إلى منع جميع المدارس من إعادة فتح أبوابها في ميكولايف، حيث يُجبر الطلاب على الدراسة رقميا. رغم قلق الوزيرة الأوكرانية من أن الحرب، بالإضافة إلى التعلم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة فيروس كورونا، سيترك الطلاب الأوكرانيين “متخلفين عن أقرانهم”.
وقالت نوفوساد: الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا هو التدريس المنتظم والأنشطة اللامنهجية لتعويض فقدان التعلم.
وتشمل جهود إعادة الأطفال إلى التعلم في البلاد، إعادة تأهيل المدارس، وتقديم الحواسب المحمولة والأجهزة اللوحية، والمستلزمات للمعلمين والطلاب. وإرشادهم بشأن سبل الحفاظ على سلامتهم وقت الحرب.
وتلفت راسل إلى أن تعليم الأطفال في أوكرانيا في خطر شديد. تقول: صحتهم البدنية والعقلية تواجه ضغطاً هائلاً، بعد أكثر من عامين على جائحة كوفيد-19، وستة أشهر على تصاعد الحرب. وبات من الضروري اتخاذ مزيد من التدابير لمواجهة الواقع الحزين الذي فُرض على كثيرين. مشيرة إلى أن اليونيسف قدمت إعانات نقدية إنسانية إلى 616 ألف شخص إضافي في جميع أنحاء أوكرانيا.