ضمن التعديل الوزاري الأخير، والذى شمل 13 حقيبة وزارية، أقيل وزير التعليم، طارق شوقي، ليتولى الوزارة أحد معاونيه، رضا حجازى، شغل شوقي الرأى العام، وربما كان الأكثر إثارة للجدل والنقاش خلال عقود مضت حول قضية التعليم ودور الوزير وخطط التطوير لتجاوز مشكلات العملية التعلمية، وتباينت ردود الأفعال ما بين ترحيب محدود ببرنامج التطوير وبين غلبة حالة الشكوى من خطوات وقرارات شوقي خاصة في المرحلة الابتدائية والثانوية، لكن ومع الاتجاهين المرحب والرافض لخطة التطوير، غاب عنهما أن العملية التعلمية ترتكز على مثلت يتكون من المدرسين والمناهج والأبنية التعلمية وقبل كل ذلك ضرورة توفر موازنة تناسب وتكفي حل مشكلات من ضمنها تكدس الفصول، حيث تتجاوز كثافة الفصل الواحد ما يزيد عن 45 طالب، بالإضافة إلى أجور المعلمين والتي لا تتجاوز أحيانا للمعلم المؤقت 20 جنيها للحصة بينما يتطلب تغطية عجز المدرسين تعيين 300 ألف، فإن الحكومة لم تعلن غير خطة لتعيين 30 ألف خلال الخمس سنوات المقبلة، رغم الزيادة المستمرة في عدد الطلاب سنويا.
في وسط تجاهل هذه المؤشرات، كان دوما يتهم وزير التعليم بأنه سبب الأزمة، بينما المشكلات المتشابكة للعملية التعلمية تظل قائمة، يذهب وزير ويأتي آخر، وتبقى الجذور دون معالجة، وربما كانت خطة التغيير بما تشمله مناهج طرحها شوقي وطبقها واحدة من الميزات لا العيوب، التي انتقدها بعض أولياء أمور الطلاب في المرحلة الابتدائية، لقد ظل هناك اعتقاد بأن أزمة التعليم ترتبط بشخص الوزير وتوجهاته ومشروعه، وانعكس ذلك في الغضب من منتجات العملية التعلمية، ومنها نتائج الثانوية العامة، أو صعوبة منهج الصف الرابع الابتدائي، بوصفهما أزمتين .
في هذه القصة المدفوعة بالبيانات، يعرض مصر 360 بعض جوانب ومشكلات التعليم في مصر، مستندا على عرض وتحليل البيانات والمؤشرات الرسمية لعام 2022 والتي نشرها مركز معلومات وزارة التربية والتعليم.
" ابني كان فرحان ليلة أول يوم مدرسة،كأن بكرة العيد، وصحي من الساعة 4 الفجر من فرحته بالدراسة، ولو أعرف إنه كان هيودعني مكنتش نزلته، ابني خرج من البيت سليم ورجع لي جثة".. هكذا عبرت أسماء زكي، أم التلميذ إبراهيم حسن عبد ربه عن حزنها على ابنها الذي توفى في 22 سبتمبر 2018 دهسًا تحت أقدام زملائه بمدرسة الزهراء الابتدائية ببلقاس بمحافظة الدقهلية.
ويقول سليمان وهو أربعيني عامل في جامعة قناة السويس، عن أزمة كثافة الطلاب في الفصول في قرى مركز أبو حماد بالشرقية" ابني مبيحبش يروح المدرسة، الفصل فيه أكثر من 70 طالب، الواد هيفهم ايه، ومفيش رقابة عليهم كل يوم مشكلة، هل في طالب يقدر يقعد في فصل وسط كل الطلبة دي من غير مشاكل؟، أصلاً هل في مدرس قادر يشرح لكل العدد ده؟".
تعاني مصر أزمة في كثافة الفصول في التعليم ما قبل الجامعي، تختلف وفقاً للمرحلة التعليمية و أعداد التلاميذ والفصول المتاحة لهم في المناطق الجغرافية المختلفة.
وتشير بيانات كتاب الإحصاء السنوي لعام 2022 الذي يصدره مركز معلومات وزارة التربية والتعليم، أن المرحلة الابتدائية في القطاع الحكومي الأكثر كثافة بمتوسط 55 طالب في الفصل، تليها المرحلة الإعدادية بكثافة تصل إلى 50 طالب في الفصل الدراسي الواحد ثم تليها مرحلة الثانوية التجارية بكثافة 48 طالب كما هو موضح في هذا المخطط.
هذه البيانات تعبر ولو جزئياً عن الكثافة الطلابية، ولكن التوزيع الجغرافي يوضح الأزمة بشكل أكبر، خاصة أن الأرقام تزداد وتقل وفقاً لعدد التلاميذ والفصول في المحافظات، ووفقاً للأرقام الرسمية فإن محافظة الجيزة الأعلى كثافة داخل الفصل الواحد في جميع المراحل التعليمية، وتصل بالمرحلة الابتدائية إلى 69 طالب، تليها الإسكندرية، وتصل فيها الكثافة الطلابية في المرحلة قبل الابتدائية 65 طالب. كما تشير البيانات أن كثافة الطلاب في مدارس الصعيد أفضل بكثير من الدلتا وربما يرتبط ذلك بالخصائص السكانية، بينما تنخفض الكثافة الطلابية في المحافظات الحدودية وهي الأقل كثافة، حيث تصل إلى 26 طالب في الفصل الواحد بمحافظة جنوب سيناء كما هو موضح في الخريطة التالية:
التعليم ومعضلة التمويل
كما توضح البيانات أن إحدى المشكلات التعليمية ترتبط بكثافة الفصول، وسبق ونوقشت خلال إحدى الجلسات العامة لمجلس النواب في يناير 2021. وسبق وأشار طارق شوقي إلى ذلك قائلا " متوسط عدد الطلاب في الفصل يتراوح من 42 إلى 45، وده عدد كبير و في مدارس فيها 70 و80 طالب في الفصل، ونحتاج إلى 130 مليار جنيه لحل مشكلة الكثافة في الفصول، و كل عام نأخذ 10 أو 12 مليار جنيه، وهو عشر الرقم الذي نحتاجه.. يعنى احنا بنحل عشرها فقط، لأننا محتاجين 250 ألف فصل، ومحتاجين نبنى 15 ألف فصل سنويًا، ولكن الزيادة السكانية بتاكل كل ده، عندنا 800 ألف طفل كل سنة بيدخلوا بياكلوا ده ".
تقول إسراء 26 عاماً مدرسة إنجليزي " أنا بقبض 1000 جنيه بس، ومعرفش بشتغل ليه أنا مش حابة بس قعدة البيت، بروح بدي أكثر من 80 حصة في الشهر عشان ملاليم، والمفروض إن دي مدرسة خاصة يعني كل طالب بيدفع مبلغ محترم".
في عام 1998 أصدر رئيس مجلس الوزراء آنذاك كمال الجنزوري قراراً بإلغاء التكليف عن خريجي كليات التربية بدعوى أن ميزانية الدولة لا تستطيع تحمل عبء توظيف هؤلاء الخريجين، لكن في حقيقة الأمر كان هذا القرار استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي بتقليل عدد العاملين بالحكومة.
بعد 24 عاماً من قرار الجنزوري، حدث عجز ضخم في أعداد المعلمين، على الرغم من أن الجامعات الحكومية تحتوي على 27 كلية تربية يتخرج منها سنوياً ألاف المعلمين، لكن لا توجد فرصة توظيف لهم في المدارس. يحدث أن تقل الأجور وفقا لعدم التناسب بين الطلب والعرض فى سوق العمل، لا يختلف الأمر كثيرا فى أجور العاملين بالمدارس الخاصة، أما في المدارس الحكومية لا تتجاوز مستحقات المدرسين عن الحصة 20 جنيها، ما يقارب دولار واحد، بينما يقوم المعلم بتدريس 24 حصة أسبوعياً بحد أقصى، مما يعني أن الراتب الشهري سيكون في حدود 1960 جنيها، وهو أقل من الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ 2700 جنيه حاليا، ويقارب مائة دولار .
يقول عبد العظيم وهو كبير معلمين" أنا بقالي أكتر من 30 سنة مدرس، مرتبي موصلش 5 ألاف جنيه، وفي الغلاء اللي احنا فيه ده المرتب مبيكفيش لنص الشهر"
وفي هذا السياق قال وزير التعليم السابق" أنه يتعاطف مع مرتبات المدرسين ويتمنى زيادتها 10 مرات عن وضعها الحالي".
وأضاف" لكن أجور المدرسين تتبع وزارة المالية، وأساسي أجور المعلمين 2014/2020 مش بتاعنا ولكن يتبع وزارة المالية، وإذا تغير أساسي مرتب المعلمين هيجر وراه فئات تانية".
وأوضح محمد عبد الله الأمين العام لنقابة المعلمين أنه خلال شهر مارس 2022 تقدم ٦٧٧٧ معلم بطلبات للحصول على مستحقات التقاعد، مشيرا إلى أن تطبيق منظومة التعليم الجديدة تحتاج إلى توفير أعداد كبيرة من المعلمين بعد تلقيهم تدريبات جيدة، وأكد أن إعلان إجراء تعيينات 30 ألف معلم لمدة 5 سنوات، خطوة لحل تلك المشكلة.
ونتيجة لهذا أصبح متوسط نصيب كل معلم في القطاع الحكومي من الطلاب 26 طالبًا، وهو ضعف حصة المعلم في دول الاتحاد الأوروبي. وهو المعدل الذي يتغير باختلاف المناطق الجغرافية، ففي محافظة الجيزة تصل حصة المعلم من الطلاب إلى 42 طالباً، تليها محافظات مثل الفيوم ومرسى مطروح والإسكندرية والبحيرة يصل فيها نصيب المعلم إلى أكثر من 30طالباً، بينما يقل هذا المعدل في محافظة شمال سيناء حيث يصل إلى 13 طالب لكل معلم، ثم يقل إلى ٨ طلاب في محافظة الوادي الجديد.
و بحسب الأرقام الرسمية، بلغ إجمالي عدد المعلمين في القطاع الحكومي حوالي 947 ألف معلم عام 2018، شهد هذا العدد انخفاضًا ثابتًا خلال الأعوام الخمسة الماضية حتى وصل إلى 873 ألف معلم، خسرت وزارة التعليم ما يزيد عن 74 ألف معلم، فى المقابل زاد عدد الطلاب في الفترة نفسها من19.2 مليون طالب إلى 22.5 مليون طالب، بزيادة تبلغ 3.3 مليون طالب.
ويرجع هذا النقص في أعداد المعلمين، إلى ارتفاع معدل أعمار العاملين بوزارة التربية والتعليم، حيث أن الغالبية العظمى من المدرسين تتخطى أعمارهم الـ50 عامًا، وهو ما يجعلنا أمام أزمة كبيرة في السنوات المقبلة، خاصة، وأن المرحلة العمرية حتى 4 سنوات تمثل 15 مليون من السكان.
لعوامل متعددة بينها التسرب من التعليم، يقل نصيب المعلم من الطلاب وفقاً للمرحلة التعليمية، والتي تظهر أن المرحلة الابتدائية يرتفع فيها نصيب المعلم من الطلاب ليصل إلى 32 طالب بينما يصل في المرحلة الإعدادية إلى 24 طالب لكل معلم، وفي الثانوية يصل المعدل إلى 21 طالب لكل معلم.
في هذا السياق قال وزير التعليم السابق في مداخلة هاتفية مع الإعلامي مصطفي بكري "نحن بحاجة إلى 300 ألف معلم لسد العجز في المدارس، ونحتاج إلى تعيين مدرسين وأخصائيين خدمة اجتماعية والمؤهلين للتدريس".
واستكمل "عجز المعلمين في المدارس يزداد سنويًّا بسبب الزيادة السكانية وانعكاسها على كثافات الفصول، وهو ما يتطلب توفير مليارات الجنيهات، ولايوجد موازنة لوزارة التربية والتعليم لتعيين معلمين جدد، وليس بيدي الإعلان عن مسابقات للتعيين والأمر متعلق بالدولة ووزارة المالية وفقًا لقدرات الدولة".
ووفقاً للأرقام الرسمية فإن ميزانية التعليم قبل الجامعي قد بلغت 95 مليار جنيه في موازنة العام الماضي 2021/2022، من إجمالي 172 مليار جنيه كانت قد خصصتها الحكومة للتعليم قبل الجامعي والتعليم العالي، وبالنظر في الأرقام فإن المرتبات والأجور تمثل 93 %من الميزانية بواقع 88.7 مليار جنيه.
ورغم هذا المبلغ إلا أن متوسط أجور المعلمين أسبوعياً هو 549 وهو يساوي 2196 شهرياً وفقاً لأحدث نشرة لإحصاءات التوظف والأجور وساعات العمل الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2020.
خصصت الحكومة ميزانية للتعليم بلغت 172.6 مليار جنيه للعام الدراسي 2021/2022 وفي العام السابق بلغت 158.3 مليار جنيه وفي عام 2019/2020 بلغت 145.2 مليار جنيه، بينما كانت 122.9 مليار جنيه في عام 2018/2019
وفقاً لبيانات البنك الدولي فإن نسبة الإنفاق على التعليم في مصر هي 2.5% من إجمالي الناتج القومي لعام 2020، وهو أقل من النسبة الدستورية المقررة 4%، وكذلك أقل من نسبة الإنفاق على التعليم في دول الشرق الأوسط ودول العالم العربي، والدول متوسطة ومنخفضة الدخل.
المخطط التالي يوضح نسبة الإنفاق على التعليم في مصر من إجمالي الناتج المحلي من عام 1971 حتى عام 2020 ، ومقارنتها بمتوسط الإنفاق على التعليم في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبلدان متوسطة ومنخفضة الدخل ودول العالم العربي.
يعمل في القطاع التعليمي عدد كبير من الإداريين والأخصائيين، حيث أن نسبة المعلم للإداري هي نسبة 4 إلى 1، ونسبة المعلم للأخصائي هي 6 إلى 1، أي أننا أمام عجز في عدد المعلمين وزيادة كبيرة في الإداريين والأخصائيين.
وفي هذا السياق قال محمد عبد الله الأمين العام لنقابة المعلمين، إن العجز بالأعداد فى منظومة التعليم يشمل الإداريين والمعلمين والعمال، موضحا أن من 1 يوليو 2014 حتى 31 ديسمبر 2021 بلغ عدد العجز بالمعلمين حوالى 363 ألفا و510 معلم على مستوى الجمهورية، وفق سجلات النقابة وتقديم المعلمين المحالين للمعاش لملفاتهم للحصول على مستحقاتهم.
يلحق الكثير من الأهالي أبنائهم في المدارس الخاصة، نظراً للإمكانيات المتاحة وفرصة التعليم الجيدة نسبيا، فهل تختلف الكثافة الطلابية ونصيب المعلم من التلاميذ، يوضح المخطط التالي أن القطاع الخاص يحتوي على معدل كثافة أقل من القطاع الحكومي في جميع المراحل التعليمية و نصيب المعلم من التلاميذ في التعليم الخاص أقل من الحكومي في جميع المراحل ماعدا الثانوية العامة.
تبلغ نسبة الطلاب الملتحقين بالتعليم الخاص 10% من إجمالي الطلاب، وتبلغ نسبة المدارس الخاصة 17% من إجمالي المدارس، و يحظى طلاب المدارس الخاصة على 12% من نسبة إجمالي المعلمين، وفي المرحلة ما قبل الابتدائية يحصلون على 25% من إجمالي الفصول المخصصة لمرحلة رياض الأطفال، بينما تزداد النسبة في المرحلة الثانوية، حيث يحصلون على 24% من إجمالي الفصول، مما يعني أن التعليم يكون في أحيان كثيرة سلعة يحصل عليها من يستطيع دفع تكلفتها.
ضمن أسباب خفض مؤشر جودة التعليم في مصر مقارنة بدول العالم، ارتفاع نسبة الأمية والتسرب من التعليم، ووفقاً لبيانات الهيئة العامة لتعليم الكبار لعام 2021، فإن 26% ممن هم فوق سن الخامسة عشر لا يقرأون أو يكتبون، ويقدر عددهم ب17,4 مليون. يتوزعون جغرافيا بين المحافظات، و هناك 7 محافظات يزيد فيها عدد الأميين عن المليون نسمة، وهي بالترتيب الجيزة،البحيرة، المنيا، الشرقية، القاهرة، سوهاج،الدقهلية، أسيوط. لكن أكبر نسبة أمية تتواجد في محافظة المنيا بواقع 38% من إجمالي عدد سكان المحافظة، وبها 46% من النساء لم يلتحقن بالتعليم أو تسربن في مراحله الأولى.
وعلى الرغم أن محافظة الجيزة ليست أكبر المحافظات من حيث نسبة الأمية إلا أنها تحتوي على أكبر عدد من الأميين يقدر ب 1٬564مليون أمي، منهم 900 ألف سيدة لم تكمل تعليمها أو لم تلتحق بالتعليم.
النشرة البريدية |