كتب- عبد الوهاب شعبان:
بعد ساعات من بيان مجلس التعاون الخليجي المطالب بإزالة محتوى منصة “نتفليكس” المتعارض مع القيم المجتمعية، أصدر المجلس الأعلى للإعلام في مصر بيانًا يطالب فيه منصات المحتوى الإلكتروني مثل “ديزني، ونتفليكس” بالالتزام بـ”أعراف وقيم” المجتمع المصري، عبر إصدار تراخيص، وقواعد تنظيمية ملزمة”.
وجاء نص البيان على النحو التالي “التراخيص، والقواعد التنظيمية تشمل التزام المنصات المشار إليها بالأعراف، والقيم المجتمعية للدولة، والقيام بالإجراءات اللازمة حال بث مواد تتعارض مع قيم المجتمع”.
ولم يشر البيان القائل بأن أعداد المشتركين في مصر شهدت زيادات كبيرة، وغير مسبوقة، إلى الإجراءات اللازمة حال استمرار بث مواد المنصات الإليكترونية، مكتفيًا بالسير على خطى التحذيرات العربية من المحتوى الموصوم بتعارضه مع القيم الإسلامية، والتلويح بأن الجهات المعنية ستتابع مدى التزام المنصة، وفي حال استمرار بث المحتوى المخالف سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
ولم تعقب منصة “نتفليكس” التي بلغ عدد مشتركيها 220.67 مليون مشترك في العالم بنهاية يونيو/حزيران الماضي على البيانين الصادرين من “مسئولي الإعلام بمجلس التعاون الخليجي، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر”، وكذلك شركة “ديزني” التي وصل عدد مشتركيها إلى 221.1 مليون حول العالم أيضا.
اقرأ أيضا.. كيف طوعت “نتفليكس” جائزة الأوسكار؟
سلاح السعودية
وجاء في بيان نشرته الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية أن لجنة مسئولي الإعلام الإلكتروني في دول مجلس التعاون الخليجي طالبت منصة نتفليكس بإزالة المحتوى المخالف.
وقال: “منصة نتفليكس بثت في الفترة الأخيرة بعض المواد المرئية، والمحتوى المخالف لضوابط المحتوى الإعلامي في دول مجلس التعاون، بما يتعارض مع القيم، والمبادئ الإسلامية، والمجتمعية، وبناءً عليه تواصلنا مع المنصة لإزالة المحتوى بما فيه الموجه للأطفال”.
وحذر البيان من استمرار بث المحتوى المخالف، لافتًا إلى أن الجهات المعنية “ستتابع الامتثال للتوجيهات” (من جانب المنصة)، وستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة حال استمراره.
وخاضت المملكة العربية السعودية معركة مع شركة “يوتيوب” في يوليو/تموز الماضي عبر مطالبة من هيئتي الإعلام المسموع والمرئي بإزالة إعلانات وصفتها بأنها تتعارض مع قيم، وأخلاقيات المجتمع السعودي، وطلبت الهيئتان “من منصة يوتيوب إزالة تلك الإعلانات والالتزام بالأنظمة، عطفا على تحذيرات باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وفقا لنظامي الاتصالات، والإعلام المرئي، والمسموع.
نشطاء سعوديون لفتوا إلى أن إدارة “يوتيوب” رضخت لمطالب المملكة العربية السعودية بسبب اعتلاء “السعوديين” قمة الأكثر استخداما لـ”الموقع” عالميا، ومن السهل الضغط عليه لفلترة إعلاناته المروجة عبر مقاطع الفيديو.
سلاح الضغط المادي، والنفوذ الإعلاني تعاود دول مجلس التعاون الخليجي استعماله مرة أخرى في مواجهتها مع منصتي “نتفليكس” و”ديزني” لإزالة ما اعتبرته الدول العربية مخالفا لقواعدها، وأعرافها المجتمعية.
وحسب موقع “يوتيوب” تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثالثة عالميا في مشاهدات اليوم الواحد، حيث وصل عدد المشاهدين على الموقع إلى 200 مليون مشاهدة، حيث يعرض السعوديون على موقع “يوتيوب” مسلسلات، أفلام، ومحتوى وثائقي، وبرامج تمثل ركيزة أساسية للموقع.
بالونة إنذار
حيال الوضع القائم وفي ضوء البيان، لم يعلن المجلس الأعلى للإعلام في مصر أي آلية لتطبيق قراراته الصادرة، وما إذا كان يملك سلطة منح، أو سحب تراخيص منصات “نتفليكس، وديزني”، وأدواته القانونية حال مخالفة المنصة لقراراته الصادرة.
لكن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الكاتب الصحفي كرم جبر قال إن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لديه قوانين، وأحكام لا بديل عن احترامها من جانب المنصات الإلكترونية مثل “نتفليكس، وديزني”، كما يجري مع الدول الأخرى.
فيما وصفت د.منى الحديدي عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام “البيان” بأنه “بالونة” لإنذار منصتي “نتفليكس، وديزني”، لافتة إلى أن الإجراءات التي أشار إليها بيان “الأعلى للإعلام” في حال استمرار بث المحتوى الإلكتروني قد توضع فيما بعد.
وقالت: إن هدف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هو حماية المجتمع، مؤكدة أن بيانه الصادر بشأن إدانة المحتوى الإلكتروني لمنصتي “نتفليكس، وديزني” يعد نشر دعوى لكسب التأييد.
التربية الإعلامية
أضافت عضو المجلس الأعلى للإعلام في تصريح لـ”مصر360″ أنه على الرغم أن المشاهد يذهب بإرادته لهذه المنصات عبر دفع اشتراك مسبق، ولا يجبره أحد على ذلك، غير أن نشر التربية الإعلامية في مثل هذه الأجواء يعد ضرورة ملحة.
وأردفت قائلة:” من حق المجلس أن يصدر تراخيص للمنصات الراغبة في العمل داخل مصر، لكن التي تعمل في الخارج لا سلطان عليها، ولا رقابة”.
وأوضحت الحديدي أن صدور البيان –سالف الذكر- عقب إدانة دول مجلس التعاون الخليجي لمحتوى المنصتين الموصوم بمخالفة القيم، والتقاليد العربية يعد تأكيدًا على المطالب العربية الساعية لإزالة المحتوى-على حد قولها-.
واستطردت: “البيان لن يكون الخطوة الأخيرة، لأن ثمة اجتماع لوزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية سينعقد قريبًا، وسيتبنى حملة للضغط على هذه المنصات لمنع نشر المحتوى المخالف للقيم الإنسانية، والعربية”.
فيما لفت المستشار محمود فوزي، الأمين العام للمجلس إلى أن المنصات التلفزيونية مدفوعة الأجر لا تستطيع العمل بصورة شرعية، إلا بعد عدة موافقات من بينها موافقة المجلس الأعلى للإعلام. كما أضاف على هامش تعقيبه على موقف “الأعلى للإعلام” من منصات “نتفليكس، وديزني” أن المجلس يوازن بين الاستثمار، والحفاظ على المحتوى المتفق مع قيم، وثقافة الدولة.
وعرج على لقاء جمع “أعضاء المجلس” بمسئولي شركة “نتفليكس” تطرق إلى إجراءات العمل بصورة شرعية، وكيفية التعامل مع المحتوى المخالف لأعراف، وقوانين الدولة، وأبدت الشركة آنذاك احترامها للقوانين، والتزامها بقواعد التعامل مع طلبات الدولة الرسمية”.
الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام لفت إلى أن قانون المجلس يحظر بث أي محتوى خاص قبل الحصول على موافقة، مؤكدأ على أن هذه المنصات ملزمة بالحصول على ترخيص-على حد قوله.
لن يستطيع
مراقبون اعتبروا “بيان المجلس الأعلى للإعلام” محاولة لتهدئة الرأي العام جراء وصم محتوى “ديزني” بالترويج لـ”المثلية” في مسلسلات الأطفال المعروضة. لكنه في النهاية لن يستطيع إحكام الرقابة كاملة على محتوى إلكتروني حال تصويره خارج مصر، مثلما حدث في الفيلم المثير للجدل “أصحاب ولا أعز”.
واعتبرت الدكتورة سهير عثمان أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة “بيان المجلس الأعلى للإعلام تجاه منصات “نتفليكس، وديزني” مهدئ للرأي العام المصري، غير أنه لم يلتفت إلى أن منصات نتفليكس تقدم محتواها عبر “اشتراك شهري” مدفوع، بما يعني أن جمهوره يذهب إليه برغبته.
أما “إحكام السيطرة” حسبما رأت أستاذة الإعلام يمكن تطبيقه حال كون المنصات، ومحتواها تحت رقابة الدولة، لافتة إلى أن مواجهة أفكار محتوى «نتفليكس» -المصنف على أنه مخالف للأعراف، والقيم المجتمعية يكون من خلال صناعة محتوى بديل، وهادف للفئات العمرية المستهدفة.
وعقبت في تصريحات متلفزة أن قرار الحظر يضاعف عدد المشاهدات على هذه المنصات، واستطردت قائلة:” كيف يمكن منع المواطن من الاشتراك في منصات مدفوعة؟”.
صعوبة التطبيق
من جانبه وصف الناشر هشام قاسم بيان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بأنه محاولة لكسب تأييد شعبي نظير ظهوره بصورة المحافظ على القيم، والثوابت المجتمعية. كما استبعد ربح المجلس لجولة المواجهة مع منصتي “نتفليكس، وديزني”.
وقال إن “الأعلى للإعلام لا يملك إجراءات لفرض رقابة على المنصات الإلكترونية المدفوعة”، وتساءل: “كيف يمكن لشركات مثل نتفليكس، وديزني أن تخضع لقيود محلية؟”.
وأضاف في تصريح لـ”مصر360″ أنه من الصعب الآن الهيمنة على ثورة التكنولوجيا، كما لفت إلى أن أي تقييد على عمل هذه الشركات سيضر بالمصلحة العامة، ويؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي لأنها في النهاية لا تفرض محتواها على أحد”.
في سياق متصل، قال الناقد الفني طارق الشناوي، إن ثقافة المناعة لدى المجتمع المصري أولى من “المنع”، داعيًا إلى إنتاج محتوى أفضل مما تعرضه منصات “نتفليكس، وديزني”، مشيرًا إلى أن المحتوى في المنصات الإلكترونية مقيد بـ”الفئة العمرية”، وهو الأمر الذي يستدعي تعليم الأطفال، ومتابعة ما يشاهدونه.
“الشناوي” الذي قلل من استجابة المنصات الإلكترونية لخطاب “الحظر، وإزالة المحتوى” أضاف أن هذه المنصات قادرة عند إغلاق الباب على الدخول من الشباك، لذلك فإن بيان المجلس الأعلى للإعلام الذي جاء في أعقاب “بيان عربي مشترك” لن يصل إلى إحكام الرقابة على المحتوى الإليكتروني حال قيام منتجيه بالتصوير خارج مصر، كما أنه من الصعب منع عرضه.