مع استضافة مصر المؤتمر السابع والعشرون للأطراف COP27، المعروف إعلاميا بقمة الأمم المتحدة للمناخ، وضعت القاهرة نفسها كقائدة “مناخية” في أفريقيا تهدف إلى تأمين الأموال لمساعدة جهود التكيف في البلدان النامية.
لكن بينما تعد البلاد منتجع شرم الشيخ لاستضافة القمة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يتساءل ناقدون عما إذا كان يمكن لمصر أن تكون رائدة في العمل المناخي بينما تستمر في التضييق على حريات وتحركات المجتمع المدني، وكذلك الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري، وعدم إظهار قدرة حقيقية على مواجهة الأزمات البيئية.
لذلك، يتساءل تحليل لمجلس العلاقات الخارجية، عن قدرة مصر، بصفتها مضيفة لمحادثات الأمم المتحدة حول المناخ. على جذب الدعم المالي للإجراءات المناخية في القارة. بينما سجلها في القمع والاعتماد على الوقود الأحفوري يهدد بتقويض هذا الجهد. فبينما أعلنت القاهرة عن مجموعة كبيرة من المشاريع المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك خطط لتحويل عدة مناطق إلى مدن خضراء. لكن هيئات مراقبة المناخ المستقلة تصف سياسة المناخ العامة بأنها “غامضة وغير طموحة”.
اقرأ أيضا: مصر تعد بـ “السماح باحتجاجات المناخ” خلال COP27
مهم لمصر وأفريقيا
كانت مؤتمرات قمة الأطراف هي المنتدى العالمي الأول للمفاوضات المناخية منذ عام 1995. والتي أنتجت اتفاقية باريس لعام 2015، بهدف منع ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية -2.7 درجة فهرنهايت- فوق مستويات ما قبل الصناعة. عبر هذه الاتفاقية، تسعى كل دولة إلى تخفيض الانبعاثات الخاصة، من خلال حزمة من الإجراءات.
على الرغم من الإسهام القليل نسبيًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. إلا أن البلدان النامية هي من بين الأكثر تضررًا، حيث يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه والحرارة الشديدة. ويحذر الخبراء من أنها تفتقر إلى الموارد اللازمة لمواجهة تلك التداعيات.
لذلك، في القمة السابقة COP26 التي عقدت في مدينة جلاسجو الأسكتلندية، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي إن مصر “ستستخدم دورها كمضيف -في الدورة المقبلة- للدفاع عن مصالح الدول الأفريقية والدول النامية الأخرى”.
تنقل كالي روبنسون من المجلس الأطلسي عن خبير المناخ كريم الجندي، قوله إن القاهرة -على ما يبدو- نظمت COP27 بهدف زيادة تمويل مشروعات المناخ، أو الاستثمار في جهود التكيف مع عواقب تغير المناخ، وتخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وهذا يعني إلى حد كبير تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها بالفعل في المحادثات السابقة.
وأضاف: مما يثير القلق بشكل خاص هو التمويل السنوي البالغ 100 مليار دولار. الذي وافقت الحكومات الغنية على تقديمه للبلدان منخفضة الدخل عبر صندوق المناخ الأخضر، وهو هدف فاتته بأكثر من 16 مليار دولار في عام 2020.
مواجهة التغير المناخي
على مدى العقدين الماضيين، قامت مصر ببعض جهود التخفيف الرئيسية للتحول إلى الطاقة الخضراء. مثل زيادة قدرتها على طاقة الرياح خمسة أضعاف. كما اتبعت مبادرات التكيف، بما في ذلك بناء محطات تحلية المياه والبنية التحتية للوقاية من الفيضانات للتعامل مع الإجهاد المائي المتفاقم.
أيضا، كانت القاهرة أول حكومة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصدر سندات خضراء. وتوجه 750 مليون دولار نحو وسائل النقل العام النظيفة والإدارة المستدامة للمياه.
ومنذ أن تم تعيينها كمضيف COP27 قبل حوالي عام، أعلنت مصر عن مجموعة كبيرة من المشاريع المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك خطط لتحويل شرم الشيخ إلى “مدينة خضراء”.
لكن، مع ذلك، فإن هيئات مراقبة المناخ المستقلة -مثل مؤشر أداء تغير المناخ ومتعقب العمل المناخي- تصف سياسة المناخ العامة للدولة بأنها “غامضة وغير طموحة”. لذلك، فإن جزءا من المشكلة هو الاعتماد الكبير على الغاز الطبيعي وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، والتي شكلت حوالي 90% من قدرة البلاد على توليد الطاقة في عام 2019.
وتسعى القاهرة إلى زيادة إنتاج البلاد من النفط والغاز الطبيعي. وهي “من بين البلدان ذات الدخل المنخفض، التي تجادل أنه يجب أولا وجود قدرة على التطور اقتصاديًا باستخدام الوقود الأحفوري، حتى يمكن الانتقال إلى الطاقة النظيفة”، وفق تعبير روبنسون.
اقرأ أيضا: قبل COP27.. هل الحكومة قادرة على مواجهة الكوارث البيئية؟ التسرب النفطي بدهب مثالًا
التعامل مع الأزمات
شهدت مصر في منتصف أغسطس/ آب الماضي، أزمة بيئية على شواطئ مدينة دهب، الواقعة بمحافظة جنوب سيناء. نتجت عن تسرب بقع نفطية في خليج العقبة، بسبب سفينة راسية في أحد الموانئ الأردنية.
بالنسبة لمصر، فقد تأثرت بالتسرب النفطي منطقة يصل طولها إلى نحو 1.5 كيلومتر على طول ساحل دهب وبشكل واضح. حيث تراكمت كتل من النفط الخام على الشاطئ، وفق بيان وزارة البيئة، التي قالت إن ذلك يشمل مناطق الايل جاردن والعصلة والزرنوق. حيث “جرى جمع نحو 4 أطنان من المخلفات الزيتية ونقلها إلى مكب النفايات”، وفقا لبيان وزارة البيئة.
أوضح البيان أيضًا أن مسئولين من محميات جنوب سيناء “جمعوا عينات من النفط من الأماكن المتضررة لتحليلها بمعامل جهاز شؤون البيئة بالسويس. ذلك للوقوف على مصدرها، ومعرفة المتسبب، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة”.
وفي محاولة لإزالة آثار التسرب النفطي، قاد المتطوعون والمنظمات البيئية المحلية جهودًا لإزالة النفط من شواطئ المدينة. وقد شاركت فيها المبادرة البيئية التطوعية “إيكو دهب”، وغرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية بوزارة السياحة، التي دقت ناقوس الخطر في 16 أغسطس/ آب، عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، توثق التسرب النفطي، وتحذر منه.
أيضًا، أجرى مركز السلام لمكافحة التلوث البحري في شرم الشيخ، التابع لوزارة البيئة، مسحا للمنطقة، وتولى السيطرة الفورية على الأضرار.
ووفقًا لبيان الحكومة، شارك نحو 50 فردًا من المجتمع المحلي في إزالة النفط من الشاطئ. بينما وجه المجلس المحلي لمدينة دهب شركة النظافة الخاصة بالمدينة لنقل الملوثات إلى مكب للنفايات.
حق التظاهر
ضمن مشاركته على هامش حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، تحدث وزير الخارجية سامح شكري، عن استعدادات مصر المقبلة لاستضافة قمة الأمم المتحدة المقبلة بشأن تغير المناخ COP27. داعيًا الدول إلى الوفاء بتعهداتها “للحد بشكل كبير من انبعاثات الاحتباس الحراري، وتسهيل المحادثات -غير المتعارضة- بشأن تعويض البلدان النامية على المستوى العالمي.
وقال شكري، في حديث إلى وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية. إن القمة الأخيرة، التي عقدت العام الماضي في جلاسكو بإسكتلندا، انتهت من العديد من الالتزامات التي تم التعهد بها خلال اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015. والتي تهدف إلى خفض الانبعاثات بهدف الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية -2.7 فهرنهايت- وتحقيق الدعوات الطويلة الأمد. لإنشاء صندوق لتعويض الدول الفقيرة عن الدمار الذي أحدثه تغير المناخ، والذي تسببت فيه الدول الغنية بسبب الانبعاثات السابقة.
ونقلت الوكالة عن شكري قوله: “يجب الآن تنفيذ الالتزامات والتعهدات في جميع قطاعات جدول أعمال تغير المناخ. سواء كان ذلك في التكيف أو التخفيف أو التمويل أو الخسائر والأضرار”.
بينما أشارت الوكالة إلى أن الدعوة لصندوق تعويض الدول النامية تم رفضها خلال قمة العام الماضي. لكن هذه المرة، يأمل العديد من مؤيدي الفكرة في إحراز تقدم فيها في نوفمبر/ تشرين الثاني. بوجود دفعة رمزية هي عقد المؤتمر في مصر، وهي دولة نامية في شمال إفريقيا.
وأضاف وزير الخارجية المصري: “نأمل أن تكون المناقشة -حول الخسائر والأضرار- شاملة، لكنها ليست عدائية”. مضيفًا أنه يجب أن يكون هناك اعتراف بين جميع الدول “أننا جميعًا في نفس القارب ومن أجلنا علينا جميعًا أن ننجح”.
اقرأ أيضا: “الأمن المناخي”.. بند يفرض نفسه على جدول أعمال COP27
مخاوف
وفق مجلس العلاقات الخارجية، يحذر المحللون من أن اعتماد مصر على الوقود الأحفوري يمكن أن يقوض قيادتها المناخية في COP27. كما يتهم المنتقدون مصر بالإفراط عن عمد في المبالغة في سلوكها الصديق للبيئة، وهي ممارسة تُعرف باسم “الغسل الأخضر”، لصرف الانتباه عن سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.
تقول منظمة العفو الدولية إن القاهرة تستخدم القمة باعتبارها “تمرينًا لإعادة تسمية العلامة التجارية. لصرف النقد عن حملتها القمعية الاستبدادية، والتي تضمنت حجب المنافذ الإخبارية المستقلة، وسجن الآلاف من الصحفيين والمتظاهرين والناشطين منذ عام 2013”.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات في الشوارع غير قانونية، فإن الحكومة ستسمح بالمظاهرات في الفضاء المجاور لمؤتمر المناخ. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تشبه الاحتجاجات في COP27 المظاهرات رفيعة المستوى التي حدثت في المؤتمرات السابقة. لكن، يأمل بعض النشطاء المصريين أن يؤدي الاهتمام المتزايد بمصر إلى دفع الحكومة إلى تخفيف قبضتها على المجتمع المدني.
أيضا، لم يتأثر منتقدون آخرون بعدم اهتمام مصر بخفض الانبعاثات، رغم خطورة هذا الأمر.
وفقًا للجدول الزمني لاتفاق باريس، تأخرت القاهرة أكثر من عام في تحديث مساهمتها المحددة وطنياً (NDC)، وهي خطة طوعية لدولة ما لتقليل انبعاثاتها. إن المساهمات المحددة وطنيا الجديدة في مصر تعتمد على الدعم الدولي، ومثل العديد من البلدان الأخرى، فهي تفتقر إلى هدف قابل للقياس الكمي للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.
علاوة على ذلك، في استراتيجيتها الوطنية لتغير المناخ لعام 2022، تركز القاهرة على التكيف بدلاً من تقليل الانبعاثات.
لذلك، من المرجح أن تظل مصر -وغيرها من الأفارقة- مترددين في خفض إنتاج الغاز الطبيعي. خاصة وأن الدول الأوروبية تبحث عن بدائل للغاز الروسي وسط الحرب في أوكرانيا. ووقعت مصر بالفعل اتفاقًا جديدًا لتوصيل الغاز مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وقال مسئولون إن مصر لن تحدد الصفر هدفًا صافيًا، إلا إذا حصلت على المزيد من المساعدة المالية.