تشهد إسرائيل انتخابات خامسة للكنيست في غضون أقل من أربع سنوات مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي حلّ نفسه بالقراءات الثلاث نهاية يونيو/حزيران الماضي، دون أن تبدو في الأفق بوادر حسم لأي من المعسكرين المتنافسين، وفقا لاستطلاعات الرأي العام التي تجري بصورة شبه يومية.
وتستمر أزمة النظام السياسي الإسرائيلي، مع أنّ الانقسام الحاصل ليس بين يمين ويسار، ولا بين مؤيدي السلام ودعاة الحرب والاحتلال، وإنما بين أنصار رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو وحلفائه، ومعسكر معارضيه الذي يشمل طيفًا عريضًا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وهذا المعسكر الأخير هو الذي نجح في تشكيل حكومة “التغيير” برئاسة الثنائي، نفتالي بينت ويائير لبيد. وهي الحكومة التي انهارت بعد عام من تشكيلها، بسبب هشاشتها واستنادها إلى أغلبية ضئيلة، وعدم انسجام مكوّناتها، سواء في برامجها السياسية أو الاجتماعية.
اقرأ أيضًا.. “بن سلمان” والعرش: طريق الأمير الشاب لحكم السعودية يمر عبر إسرائيل
وتتواصل الأزمة السياسية مع الانتخابات الـ25 للكنيست أمام عجز الأحزاب عن التوافق على تشكيل حكومة مستقرة. ذلك رغم التقارب الكبير في منطلقاتها من الصراع مع الشعب الفلسطيني. وهو ما جعل الجولة المقبلة مختلفة عن غيرها من الجولات الأربع السابقة لها لأسباب عدة لعل أبرزها التالي:
آخر فرص نتنياهو لإنقاذ رقبته
بعد عام كامل في المعارضة بعيدًا عن ملذات السلطة، يتوقع حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو أنه سيكون سهلا عليه نقل الناخبين إلى صناديق الاقتراع، وأن الاتجاه المتزايد في العام الماضي سيجلب نتنياهو إلى الكنيست بأغلبية 61 مقعدا. وهو ما جعله يتعهد مؤخرا بالعودة إلى السلطة مجددا.
نتنياهو الأطول خدمة في تاريخ رئاسة الوزراء في إسرائيل بـ12 عاما، مستعدا لأن يفعل أي شيء للعودة للحكم من أجل إنقاذ نفسه من المحاكمة بتهم الفساد، خاصة وأنه يدرك تماما أن فشله مرة أخرى في الحصول على أغلبية 61 مقعدا في الكنيست من 120 مقعدا ، قد يؤدي نهايته سياسيا.
استماتة نتنياهو خلال الانتخابات المزمعة، يوضحه النائب بالكنيست يوراي لاهاف هيرتسانو، من حزب (هناك مستقبل) بقوله إن هناك مخاوف من “انقضاض” نتنياهو والنائب المتطرف ايتمار بن غفير على السلطة، ومن ثم القضاء على “القيم الليبرالية”، مؤكدا أن “هناك نوابا من الليكود يهددون المنظومة القضائية بشكل فج، ويوجهون التهديدات ضد المستشارة القضائية للحكومة”، مضيفا أن “الصفقة بين نتنياهو وبن غفير تقوم على بند، وهو إلغاء محاكمة نتنياهو، ومن جانب آخر إلغاء الطابع الديمقراطي الليبرالي لدولة إسرائيل”.
ويواجه نتنياهو وزوجته سارة قائمة مطولة من الاتهامات بعدما فتحت الشرطة الإسرائيلية والنيابة العامة، تحقيقات جنائية ضدهما في سلسلة من فضائح الفساد والرشاوى، بدءا من تلقيه وزوجته هدايا من جملة من الأثرياء خلافا للقانون، مرورا بمحاولات إبرام صفقة مع ناشر “يديعوت أحرونوت”، نوني موزيس، تقوم على إقناع مالك صحيفة “يسرائيل هيوم”، شيلدون إدلسون، بعدم إصدار ملحق أسبوعي مجاني كي لا يضر بمصالح “يديعوت أحرونوت” المالية. ذلك فضلاً عن محاولات لإبرام صفقات مشابهة مع مالك موقع “والاه” العبري في ذلك الوقت، أرنون ميلتشين، الذي كان يملك أيضاً شركة “بيزك” للاتصالات الأرضية، وشبهات بشأن تورطه وأحد أقربائه في صفقة للغواصات مع ألمانيا.
استغل نتنياهو المعركة في السابق من أجل تقويض شرعية الشرطة والنيابة العامة تحت شعار “لن يكون شيء لأنني لم أفعل شيئا”.
وعلى الرغم من أن الليكود بات أكثر شعبية من أي وقت مضى في الشارع الإسرائيلي، إلا أنه حتى يومنا هذا، لم تمنحه استطلاعات الرأي، تجاوز العدد المطلوب الذي من شأنه أن يسمح له بتشكيل حكومة بعد الانتخابات الخامسة.
وتوقع استطلاع للرأي بثته القناة 12 الإسرائيلية الشهر الماضي أن يحقق نتنياهو تقدما طفيفا في الانتخابات بالحصول على 58 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 120. لكن مع عدم تحقيق الأغلبية.
وتوقع الاستطلاع حصول أحزاب الائتلاف المنحل على 56 مقعدا، بخلاف ستة مقاعد أخرى لحزب عربي من غير المرجح أن ينضم إلى أي من الجانبين.
كذلك كشف استطلاع آخر بنفس القناة، في 21 يونيو/حزيران، أن 47% من الإسرائيليين يرون أن نتنياهو هو الأنسب لمنصب رئيس الوزراء، مقابل 31 % للابيد. في حين لم يختر 4% أيا منهما، ولم يحسم 18% قرارهم.
خريطة انتخابية معقدة
الخريطة الانتخابية التي تزداد تعقيدا بسبب الخلافات العقائدية والتناقضات الدينية والاجتماعية تجعل أيضا من الانتخابات الخامسة في إسرائيل مختلفة عن مثيلاتها الأربعة.
ويسعى حزب “الصهيونية الدينية” الذي يقوده بتسلئيل سموتريتش إلى مواصلة تحالفه مع رئيس حزب “القوة اليهودية” إيتمار بن غفير. وذلك من أجل الحفاظ على مقاعدهما التي تم حصدها في انتخابات الكنيست الماضية.
بدوره، يحاول حزب “ميرتس” اليساري التحالف مع حزب “العمل” في الانتخابات المقبلة، وفق ما صرحت به المنافسة الجديدة على رئاسته زهافا غالون، بينما ترفض زعيمة العمل الجديدة ميراف ميخائيلي، هذا التحالف وتعتبره “خطأ وفشلا لا تنوي تكراره”.
ومن أبرز التحالفات في انتخابات الكنيست المقبلة أيضًا، هو التحالف الذي أعلن عنه، في العاشر من تموز/يوليو الجاري، بين زعيمي حزبي “أزرق أبيض” بيني غانتس، و”أمل جديد” جدعون ساعر، واللذين سيخوضان الانتخابات ضمن قائمة مشتركة.
وسيكون غانتس هو الشخص الذي يقود قائمة التحالف، في حين سيحتل ساعر المركز الثاني. فيما يهدف التحالف لخلق سباق ثلاثي لرئاسة الوزراء مع رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد، وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو.
وفي الوقت ذاته لم تحسم الأحزاب العربية أمرها بشأن انتخابات الكنيست المقبلة، وسط تقارير بشأن اتصالات بين أحزاب القائمة العربية المشتركة التي يقودها أيمن عودة من جهة، والقائمة العربية الموحدة التي يقودها منصور عباس من جهة أخرى.
ورغم نتائج استطلاعات الرأي شبه اليومية بشأن توجهات الناخبين. إلا أن الخريطة السياسية برمتها قابلة للتغيير تماما وصولا لموعد الاقتراع في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، فقد تؤدي التحالفات غير المتوقعة أو الوجوه الجديدة على المسرح السياسي إلى خلخلة الواقع الراهن وتغيير معالمه، وقد يؤدي فوز حزب صغير واحد أو فشله في الوصول إلى النصاب اللازم لدخول البرلمان إلى قلب الموازين.
ترقب قرار ايزنكوت
من بين القرارات التي من شأنها إرباك المشهد الانتخابي، هو القرار المرتقب لرئيس أركان جيش الاحتلال السابق غادي أيزنكوت، وتحديد وجهته السياسية، وما إذا كان سيتجه للتحالف مع زعيمي حزبي “أزرق أبيض” بيني غانتس، و”أمل جديد” جدعون ساعر، مقابل ضمان حقيبة الأمن له وثلاث مقاعد أخرى على اللائحة الانتخابية لمن يقرر إضافتهم، أم سيتجه، بفعل ميوله السياسية، لحزب يئير لبيد “هناك مستقبل”.
ويعارض أيزنكوت لأسباب تتعلق “بالخطر الديمغرافي” وفقدان إسرائيل لأغلبية يهودية داخل حدودها طروحات ساعر الداعية لفرض القانون الإسرائيلي على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، ويؤيد في المقابل طروحات لبيد بشأن ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين، سواء من خلال حل الدولتين، أو تشكيل كيان فلسطيني مع سيادة معينة، لكنها أقل من دولة.
إشكالية المشاركة العربية
تحل الانتخابات الخامسة ،بعد عام لا مثيل له في السياسة الإسرائيلية، دفع الساسة الإسرائيليين إلى وصفه بعام “الربيع العربي” بعدما انضم رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس وأصدقاؤه إلى حكومة (بينيت – لابيد).
ومن ناحية أخرى لعب كل من أيمن عودة زعيم القائمة العربية المشتركة دورا حاسما في عمليات النضالات المريرة للمعارضة، وأصبح أعضاء الكنيست العرب حاضرين في مركز التآكل السياسي وصنع القرار كما لم يحدث من قبل.
ما يجعل تلك الانتخابات مختلفة تماما عن سابقتها أن أعضاء الكنيست العرب تعلموا كيف يكونوا جزءا من الائتلاف الحكومي، في وقت تفرض فيه استطلاعات الرأي على من يرغب في تشكيل الحكومة التحالف معهم، في ضوء التوقعات التي ترجح حصول كتلة اليمين بزعامة “الليكود” على 57 مقعدا، وكتلة (اليسار – الوسط) على العدد ذاته.
وهو ما يعني حاجة أيا منهما إلى الاستعانة بقرابة 6 مقاعد، يتوقع أن تحصدها “القائمة العربية المشتركة”؛ والتي تعد الأقرب إلى رئيس الوزراء الحالي يائير لبيد، ما يجعله يحقق الأغلبية بـ63 مقعدا في ضوء استطلاعات الرأي الراهنة.
ورغم بروز دور فلسطيني الداخل إلا أن مشاركتهم في الانتخابات الإسرائيلية يعد معضلةً مركّبة، للفلسطينيين أنفسهم الذين يسعون إلى الحفاظ على هويتهم الوطنية والقومية، وعلى أنهم جزء من الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، التمسك بحقوقهم المدنية والاجتماعية لكونهم “مواطنين” يدفعون الضرائب، ويقومون بكلّ ما عليهم من أعباء تجاه الدولة التي فرضت عليهم.
ومن الناحية الثانية، تنظر معظم الأحزاب الصهيونية إلى العُرب كمشكلة أمنية، وقنبلة ديموغرافية قابلة للانفجار في أية لحظة.