يمثل الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر حاليًا توجهًا عالميًا، يظهر نشاطه في نمو المشروعات غير الملوثة للبيئة، التي يتوقع أن تبلغ 12 تريليون دولار خلال 8 سنوات، مع ارتفاع قوة قطاع المستثمرين والمؤسسات العاملة في مثل هذه المشروعات.
وقد بدأ تحول الاقتصاد الأخضر، في السنوات الثلاث الأخيرة، من توجه نظري في الدراسات العلمية إلى آخر اقتصادي مربح في العالم الحقيقي، يمثل حاليًا نحو ثلث أرباح أكبر 1300 عالميًا. وهو يولد نحو 1.3 تريليون دولار من عائدات المبيعات السنوية في الولايات المتحدة. كما يوفر 9.5 مليون وظيفة بدوام كامل، مستهدفًا تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع الحد من المخاطر البيئية. بينما على المستوى الميداني، يوجه جهده نحو نمو الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص. مع تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث، ومنع خسارة التنوّع الإحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي.
ومع ذلك، فإن التحول نحو هذا النوع من الاقتصاد يواجه عديد من العقبات على المستوى الدولي، في مقدمتها أنه يرغم الدول على التخلي عن أنشطة اقتصادية مرتفعة العائد لكنها تضر البيئة. ذلك إلى جانب الخلل الذي يحدثه في قطاع التوظيف فيما يتعلق بعمالة القطاعات التقليدية النشطة منذ عقود.
كما أن تكلفة تطبيق السياسات البيئية للحصول على الطاقة المتجددة ترتفع مقارنة بالطاقة التقليدية، وكذلك ترتفع تكلفة البحث والتطوير. فيما يمثل تزايد عدد السكان والطلب على الطاقة أحد أهم العوائق، إذا ما نظرنا إلى ربط تحقيق النمو الأخضر كشرط لحصول الدول النامية على المعونات والقروض الميسرة أو تخفيف عبء الديون. فضلًا عن عدم وجود حوافز تنظيمية ومالية لتوليد الطاقة النظيفة بصورة مستدامة.
خطط وسندات حكومية
في مصر، تراهن الحكومة على الاقتصاد الأخضر في تحقيق التنمية المستدامة، عبر خطة تتضمن رفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 42% من مزيج الطاقة. مع جذب الاستثمارات غير الملوثة للبيئة، وتفعيل آليات تمويلية نظيفة، والتمويل المختلط القائم على الشراكات المرنة بين القطاعين الحكومي والخاص، والشراكات متعددة الأطراف.
وقد بلغت نسبة الاستثمارات العامة الخضراء في مصر 15% في العام المالي السابق. بينما تستهدف وزارة المالية زيادتها إلى 30% في الموازنة الحالية، و50% العام المالي 2024/2025، سعيًا لتحسين تنافسية مصر في مؤشر الأداء البيئي العالمي.
وبحسب الوزير محمد معيط، فإن هناك توجه لتنويع مصادر تمويل المشروعات الاستثمارية، ما بين سندات دولارية وخضراء و”يورو بوند”. الأمر الذي يترافق مع إصدار صكوك سيادية وصكوك خضراء. بما يُسهم في خفض تكاليف تمويل التنمية الشاملة والمستدامة. ومن ثم استدامة مؤشرات المالية العامة.
اقرأ أيضًا: الاقتصاد الأخضر.. فرص واعدة رغم “ازدواجية الكبار”
في سبتمبر/ أيلول 2020، أصدرت الوزارة أول طرح لـ “السندات الخضراء السيادية الحكومية” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بقيمة 750 مليون دولار، لأجل خمس سنوات، بسعر عائد 5.25%. وقد تجاوزت طلبات شراء حجم الإصدار المعلن نصف مليار دولار، بما يعادل 7.4 مرة. وتخطت “الحجم المقبول 750 مليون دولار”. بما يعادل خمس مرات، وجذب الإصدار 16 مستثمرًا جديدًا لأول مرة من أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، وشرق أسيا والشرق الأوسط.
تم توجيه العائد من الإصدار لتنفيذ 15 مشروعًا قوميًا بالعديد من المحافظات، في مقدمتها مشروعات المياه والصرف الصحي بشمال وجنوب الصعيد، ومحطات الضبعة لتحلية المياه بمطروح، ومعالجة المياه بقرية عرب المدابغ بأسيوط والمحاميد بأسوان، ومشاريع الطاقة المتجددة.
وحصلت مصر على أول تمويل أخضر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بمبلغ 1.5 مليار دولار من مجموعة من البنوك التجارية الدولية والإقليمية. ذلك باكتتاب حقق مستويات عالية من الطلب، بنسبة تغطية تجاوزت ثلاث مرات. ويخضع هذا التمويل الأخضر أيضًا لإطار مصادر التمويل الأخضر السيادي لمصر وعائداتها الموجهة لتمويل المشاريع الوطنية الخضراء. بما في ذلك، على سبيل المثال: محطات معالجة وتحلية المياه، وإدارة النفايات الصلبة والطبية ومعالجتها، وإعادة تأهيل وتبطين الترع. فضلًا عن استكمال المرحلة الثانية من مشروعات غرب بورسعيد، ومشاريع تحلية المياه.
تدفقات استثمارية
يمثل الاقتصاد الأخضر فرصة للحصول على تدفقات استثمارية إضافية. ففي الفترة من يوليو/ تموز 2020 إلى يونيو/ حزيران 2021، تم استثمار 87.5 مليار دولار من رأس المال الاستثماري في تكنولوجيا المناخ، ومجموعة واسعة من الشركات. بما في ذلك الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وإزالة الكربون، ونفايات الطعام، والزراعة.
أظهر تقرير هيئة تنمية الطاقة الجديدة والمتجددة عن الربع الثاني من العام المالي 2022-2023، خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ما يقارب 10 آلاف و990 طنًا، وإحداث وفرة في الوقود تقارب 4 آلاف و347 طن مكافئ نفط، مدفوعًا بنمو ملحوظ في استثمارات الطاقة المتجددة.
ووصلت إنتاجية الطاقة الكهرومائية “قوة المياه” خلال العام المالي 2021/ 2022 حوالي 13878 جيجاوات ساعة. بينما سجلت طاقة الرياح حوالي 5737 جيجاوات/ ساعة. وبلغت طاقة الخلايا الشمسية المتصلة بالشبكة حوالي 4393 جيجاوات/ ساعة. فضلًا عن حوالي 88 جيجاوات ساعة مولدة من مشروعات الوقود الحيوي.
وقد نمت استثمارات قطاع الطاقة المتجددة في مصر بشكل متسارع. إذ شهدت قدرات المشروعات قيد التطوير ارتفاعًا ملحوظًا لتسجل 3570 ميجاوات، باستثمارات أجنبية مباشرة، تقارب 3,5 مليار دولار. بما يعادل ضعف الأرقام المسجلة في العام قبل الماضي، 78% منها لمشروعات طاقة الرياح بمنطقة خليج السويس على ساحل البحر الأحمر ذات سرعات الرياح العالية، و22% للطاقة الشمسية.
وشهدت الفترة ذاتها استيراد العديد من مهمات الطاقة المتجددة، وبخاصة مستلزمات محطة طاقة الرياح بخليج السويس والخلايا الشمسية. حيث تم استيراد عدد 9 آلاف و246 من البطاريات و5 آلاف و843 من مغيرات التيار. كما وقعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة مع شركات أجنبية وعربية 9 مذكرات تفاهم مع تحالفات دولية ومحلية من أجل إنتاج نحو 6 آلاف ميجاوات من القدرات المركبة لإنتاج الهيدروجين.
اقرأ أيضًا: كيف تتحول مصر نحو الاقتصاد الأخضر؟
برامج للتكيف في الغذاء والنقل
أطلقت مصر المنصة الوطنية للمشروعات الخضراء برنامج “نُوفّي” لربط مشروعات الطاقة، الغذاء، والمياه لإتاحة الفرص الملائمة لتعبئة التمويل وجذب الاستثمارات العامة والخاصة الداعمة للتحول الأخضر وربطها بمتطلبات التنمية المستدامة. ذلك إلى جانب التوافق حول استخدام أدوات تمويل مثل التمويل المختلط القائم على الشراكات المرنة بين القطاعين الحكومي والخاص.
وبحسب وزارة التعاون الدولي، فإن “نُوَفِّي” تمت صياغته لتوفير التمويلات الإنمائية الميسرة والدعم الفني والخبرات لتنفيذ المشروعات الخضراء بمجال التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية. ويأتي ذلك ضمن استراتيجيتين وطنيتين لتغير المناخ والهيدروجين، لتشجيع استخدام الهيدروجين الأزرق والأخضر كمصدر طاقة منخفض الانبعاثات إلى صفر.
ويشارك الصندوق السيادي في استثمارات ومشروعات تعزيز الطاقة المتجددة. خاصة الهيدروجين الأخضر وإدارة الموارد المائية وإدارة النفايات. وقد أطلقت الدولة معايير الاستدامة البيئية التي تهدف إلى زيادة نسبة المشروعات الخضراء بخطتها الاستثمارية.
وفق وزارة النقل، سيكون 2023 عامًا للنقل الأخضر بمصر، عندما تكتمل وسائل النقل التي تنفذها: المنوريل والقطار الكهربائي “إل أر تي” والأتوبيس الترددي. على أن يلحقها إنشاء القطار الكهربائي السريع (السخنة – العلمين – مرسى مطروح). وهي وسائل صديقة للبيئة توفر استهلاك الوقود وتخفض معدلات التلوث البيئي وتخفف الاختناقات المرورية بالمحاور والشوارع الرئيسية.