صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على القانون 12 لسنة 2020، بشأن الزراعة العضوية، بعد الموافقة عليه بشكل نهائي من مجلس النواب، ويأتي القانون الذي من المنتظر صدور اللائحة التنفيذية له خلال الفترة المقبلة، بعد تحذيرات الاتحاد الأوربي بوقف استيراد منتجات الزراعة العضوية من الدول التي لم تُصدر قانونًا للزراعة العضوية بحلول 2020 كموعد نهائي.
ويأمل المهتمون القائمون على الزراعة العضوية، أن يسهم القانون في توسع المساحات المنزرعة في مصر بنظام الزراعة العضوية، مسايرة لقرار الاتحاد الأوروبي، والتوجهات والقواعد الدولية المنظمة في هذا المجال، خاصة مع زيادة حجم الصادرات الزراعية المصرية خلال الستة أشهر الماضية، والتي وصلت إلى 3 ملايين و621 ألف و259 طنًا، في زيادة تتجاوز 15% عن النصف الثاني من العام الماضي 2019، حيث كان من ضمن أسباب الزيادة التوسع في عمليات “تكويد” المزارع، بعد التأكد من خلو منتجاتها من متبقيات المبيدات الكيماوية.
والزراعة العضوية، هي نظام زراعي يستبدل المدخلات التخليقية، مثل الأسمدة الصناعية والمبيدات الكيماوية، والعقاقير البيطرية، والبذور والسلالات المحورة وراثيًا، والمواد الحافظة، والمواد المضافة، لتحل مكانها أسمدةً عضوية ومخصبات حيوية، تحافظ على خصوبة التربة طويلة الأجل وتزيدها، وتمنع الآفات والأمراض.
ويؤدي اتباع أساليب الزراعة العضوية، إلى زيادة المادة العضوية في التربة، والحد من التلوث البيئي، والحافظ على العناصر الغذائية في المنتج الزراعي، كما تساهم في زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية الصحية، ما يقدم منتج زراعي صحي وأمن.
زيادة المساحات المنزرعة
المهندس محمد المدني، مدير برامج واستشاري الزراعة العضوية بجمعية الفيوم للتنمية والزراعات العضوية “فاودا” يقول: منذ عشر سنوات كانت المساحات المنزرعة بنظام الزراعة العضوية في مصر 22 ألف فدان فقط، أصبح عندنا الآن 198 ألف فدان، فهناك تنمية بالفعل في هذا المجال، من قبل إصدار القانون، ولكن بالطبع لم تصل إلى الحد المأمول فمقارنة بدول أوروبية نحن لا نزال متأخرون”.
استجابة من الفلاحين
ويضيف مدني: منذ عمل “فادو” في الإشراف على الزراعات العضوية في الفيوم مثلًا، وتدريب الفلاحين عليها، وجدنا فلاحون كثيرون يستجيبون للتدريبات ويرغبون في تحويل أراضيهم من الزراعة التقليدية للعضوية، وكانت العقبة الرئيسية هي تجهيز وتوفير “الكمبوست” وهو السماد البلدي مضافًا إليه بقايا نباتية وبعض الصخور الطبيعية التي تعمل على إثراء الكومة السمادية، لكن الآن أصبح هناك عشرات الشركات الخاصة التي تنتج السماد العضوي سواء كانت محلية أم عالمية.
أساليب وتجارب
يوضح مدني، أن أساليب الزراعة العضوية لا تنحصر فقط في توفير السماد العضوي، فهي علم واسع، ولكنه، بسيط ويمكن للفلاحين استيعاب الأساليب وتطبيقها، فمثلًا في زراعة الطماطم هناك العديد من الأمراض الفيروسية التي تصيبها، وهي فيروسات تتغذى على نباتات العائلة الباذنجانية، وهي العائلة التي تنتمي إليها الطماطم، فقمنا أثناء إشرافنا على زراعة مساحات من الطماطم بتوجيه الفلاحين لزراعة نبات الباذنجان على جوانب المساحات المزروعة، البحرية والغربية التي يأتي منها الريح، وبهذه الطريقة تغذت الفيروسات على الباذنجان دون المساس بالطماطم، وكذلك في الأراضي المصابة بـ”النيماتودا”، والممنوع زراعتها بالطماطم بسبب شراهة الديدان الثعبانية تجاه الطماطم، فقد زرعنا هذه الأراضي بالطماطم وبينها زرعنا بعض الثوم والذي قتل الديدان الثعبانية، أو جعلها تهرب، وبهذا نجحت زراعة الطماطم في الأراضي المصابة بـ”النيماتودا”، وجاءت بإنتاجية عالية.
إنتاجية عالية
ويعارض مدني، الآراء التي تقول إن أساليب الزراعة العضوية تؤدي إلى انخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية، مؤكدًا أن التجربة أكدت خطأ هذا الكلام في الكثير من المنتجات، فهناك أنواع من المحاصيل “الأورجانيك” زاد إنتاجها عن الزراعة التقليدية، ولكن الأرض تأخذ وقتًا للتأقلم مع الزراعة العضوية، موضحًا: الأرض تكون مثل المدمن فهي معتادة على الأسمدة الكيماوية ولكي تتخلص منها وتعود إلى طبيعتها فهذا يستغرق وقتًا خاصة في النباتات الورقية، ولكن في النهاية ومع استمرار زراعتها بأساليب الزراعة العضوية ستتخلص من هذا السم الذي تتغذى عليه لسنوات طويلة.
وينصح خبراء زراعيين بأن يطبق على الأراضي الزراعية في مصر والمتشبعة بالمواد الكيماوية، برامج الزراعة البيئية، أو نظام وسط بين العضوي والتقليدي، وهو ما سيكون له مردودٌ جيد على الصحة العامة، تمهيدًا لتحولها إلى الزراعة العضوية.
هامش ربح كبير
أسعار منتجات الزراعة العضوية مرتفعة بالفعل مقارنة بمنتجات الزراعة التقليدية، بما يحقق هامش ربح كبير للفلاح، ولكن الشركات التي تشتري منتجات الزراعة العضوية وتقوم بتوزيعها في السوق المحلي تغالي جدًا في تحديد أسعار البيع للمستهلك، نتيجة احتكار التوزيع، لدرجة يصل فيها المنتج لـ 10 أضعاف مثيلة من الزراعة التقليدية، ما يضع عبء كبير على المستهلك، ولا يجعل المنتجات الزراعية الصحية في متناول الجميع.
عن هذه النقطة يشير “مدني”، إلى أنهم قاموا في مرات بتصحيح هذا الوضع، حيث طلبوا من الشركات التي تتعامل معهم بأن يحددوا أسعارًا تحقق ربح معقول دون استغلال المستهلك، ما تمكن قطاعات أوسع من المستهلكين من شراء منتجات الزراعة العضوية الصحية، وقد استجابوا بالفعل وخفضوا الأسعار كثيرًا.
توجه جاد
ويرى “مدني” أن الدولة جادة في توجهها ناحية الزراعة العضوية، وزيادة المساحات المنزرعة والتي تعتبر صغيرة جدًا نسبة إلى مجمل الزراعة في مصر، لكن هناك معوقات كتأخر أجهزة الكشف عن متبقيات المبيدات، الموجودة بمركز البحوث الزراعية، مقارنة بالأجهزة التي تمتلكها أوروبا، فالأجهزة التي لدينا لا تستطيع الكشف سوى عن 64 عنصرًا فقط، بينما الأجهزة في أوروبا تستطيع الكشف عن 128 عنصرًا.
فرص الدول النامية في الزراعة العضوية
تقول ورقة بحثية أعدها تحالف مراكز البحوث العضوية، وهو تحالف مكون من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وعدد من مراكز البحوث الزراعية بأوروبا: “تعد الزراعة العضوية نظاما للإنتاج يعتمد على إدارة النظام البيئي، بدلا من تدفق المدخلات الزراعية الخارجية. وتضع الزراعة العضوية التأثيرات البيئية والاجتماعية المحتملة في الاعتبار من خلال إلغاء استخدام المدخلات الاصطناعية واستبدالها بممارسات الإدارة الخاصة بكل موقع والتي تحافظ على وتزيد من خصوبة التربة وفرص التوظيف وتحد من التغير المناخي وتتكيف معه على المدى الطويل. ويتم ممارسة الزراعة العضوية على المستوى العالمي بواسطة 2.1 مليون منتج في 141 دولة، مع زيادة إنتاج الأغذية العضوية بانتظام بنسبة 15 بالمائة سنويا.
وتضيف الورقة: “رغم تواجد معظم أسواق المنتجات العضوية في البلدان المتقدمة، تصبح البلدان النامية موردين ذوي أهمية، حيث تتلاءم الممارسات العضوية، بصفة خاصة، مع ظروف المزارعين، خاصة صغار المزارعين والذين يستخدمون في المعتاد في البلدان النامية عدد قليل من المدخلات الخارجية ومع ذلك يتم إعاقة العديد من المزايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية لإدارة الزراعة العضوية، من خلال الافتقار إلى المعارف الزراعية البيئية الملائمة”.
التزام الدولة
القانون قد يكون خطوة على طريق تنمية الزراعة العضوية لكن عملية التوسع في الزراعة العضوية تظل مرهونة بتوجه وطني، والتزام من الدولة، والجمعيات الأهلية، خاصة ناحية أصحاب المساحات الصغيرة، بتوفير منتجات السماد العضوي ومساعدة الفلاحين في إنتاجه، وتدريبهم على الزراعة العضوية وإنتاج السماد العضوي، وتكوين لجان إرشادية يتمتع أعضاؤها بالتدريب اللازم لقيامهم بالمهمة، للوصول إلى نسبة مرضية من الزراعة العضوية من مجمل الأراضي الزراعية في مصر، حيث لا تزيد المساحة المنزرعة بأساليب الزراعة العضوية عن 2.5% ، بينما تصل في ألمانيا لـ 10%، وفي فرنسا 7%، وتغطي الزراعة العضوية في النمسا خمس مساحاتها الزراعية، وفي سويسرا 17% وتخصص السعودية نحو750 مليون ريال للزراعة العضوية.
ومع الفارق بين الوضع الاقتصادي في تلك البلدان ومصر، إلا أنه لا سبيل لدى مصر إلا في اللحاق بهذه الدول، ليس فقط من ناحية الحاجة لإنتاج غذاء صحي وأمن، بل ومن حيث السعي وراء زيادة صادرتنا من الحاصلات الزراعية، لتصبح رقمًا في مصادر النقد الأجنبي، حيث أن كل الأسواق الأوروبية والأسيوية حالًا لا تفتح أبوابها سوى أمام منتجات الزراعة العضوية.