اتهامات كثيرة، وغضب مجتمعي يظهر بمجرد ذكرهم، فهم جماعة اللا دين، ولا جنة، ولا نار، هم فقط ينادون بحرية الاعتقاد، لكنه لا يوجد ما يُعتقد بالنسبة لهم، الملحدين الذين لا يؤمنون بضرورة أن يكون هناك إله يمكن عبادته، أو اتباع تعاليمه، ولا يؤمنون بأن هناك ثواب وعقاب، فثمة أمور أخرى تحرك أفعالهم وعواطفهم.
خريطة الملحدين في مصر
أصدرت مؤسسة “بورسن مارستلير” الأمريكية تقريرًا أعلنته عبر موقعها الرسمي، والتي كشفت خلاله عن عدد الملحدين في مص، وتبين أنه وصل إلى 3% من إجمالي عدد السكان، أي أكثر من مليوني ملحد تقريبًا، لافتة إلى أن أكبر محافظات مصر من حيث عدد الملحدين هي القاهرة، تليها الإسكندرية، ثم الشرقية، بالرغم من تلك الخريطة الرسمية المعلنة إلا أن أحدًا لا يمكن أن يجزم خلو أي محافظة من الملحدين تمامًا خاصة وأن البعض يلجأ لإخفاء الأمر خوفاً من الأهل أو فقدان العمل، وغيرها من الأسباب الشخصية.
وأكد البحث الذي أجرته مؤسسة “مارستلر”، أن معظم الملحدين تتراوح أعمارهم من 16 إلى 25 عامًا، وهو سن تكوين الشخصية وبداية نضوجها.
إلحاد المثقفين
بالرغم من أن فكرة الإلحاد تبدو مشابهة لفكرة غير المتعلمين أو غير المتفقهين في الدين بشكل كبير، وينعتهم البعض بالجاهلين إلا أن كثيرًا من الحالات خاصة السيدات ألحدن بعد قراءات متعددة في بعض الكتب منها مثلاً كتاب “وهم الإله ” للكاتب ريتشارد دوكنز، كذلك كتاب “أساطير الأولين” حيث قالت “س . أ ” وهي فتاة ملحدة، وحاصلة على ماجيستير في الفلسفة إنها مقتنعة تمامًا بأن الآلهة إن كانت موجودة في هذا الزمان فما داعي من وجود الشر والقاتلين وانتشار الجريمة.
وأضافت أن قراءتها في مثل هذه الكتب أوضحت لها الكثير من الأمور التي كانت غائبة عنها – على حد تعبيرها – لافتة إلى أنها على الرغم من ذلك فهي لا تلغي عقلها أو تترك نفسها للمسلمات ولكنها دائمة القراءة ولا تدعو أي فرد اخر لترك دينه، بل تدعوهم فقط لإعمال العقل والتدبر.
تبرعات إنسانية
بالرغم من الهجوم الذي يتلقاه أي فرد ينتمي لمجتمع الملحدين في مصر، وفي عدد كبير من الدول، والاتهامات بالكفر والتوعد بالنار والعذاب الشديد، إلا أنه من الملاحظ كثرة التبرعات التي يقدمها هؤلاء لجمعيات الرفق بالحيوان وغيرها من الجمعيات المعنية برعاية الفقراء والمعاقين، وبالرغم من أنهم لا يتبرعون لنفس غايات وأهداف المؤمن من التبرع وهي كنوع من الزكاة او الصدقات، إلا أن الملحد يتبرع من باب الواجب وفقاً لما قالته “منى عبد الله” فتاة ملحدة تعمل في مجال هندسة الديكور.
وأعلنت منى، إلحادها منذ عام 2014 وتحديداً عقب انتهاء حكم الإخوان في مصر، بعد أن تعرضت لعلاج نفسي لمدة عام قبلها، منوهة إلى أنها كانت تمر بظروف نفسية سيئة ضاعفها الفتاوى المتشددة التي ظهرت وقت حكم الإخوان في مصر، وانتهت الفترة بقرار قاطع من منى في الإلحاد، وبالرغم من الانتقادات والكره والرفض من أقرب المحيطين الذي تعرضت له منى، إلا أنها صممت على رأيها وابتعدت عن أسرتها، ثم عادت للدين الإسلامي نهاية عام 2019.
جاء ذلك موافقاً للدراسة التي قدمتها جامعة كاليفورنيا، وتم نشرها عام 2013 والتي أشارت إلى أن العاطفة هي التي تدفع الملحدين واللا دينيين للمساعدة بعكس الأشخاص المتدينين.
دور مجتمعي
وفي هذا الصدد يقول الشيخ نبيل أحمد سعيد، إنه وجب على المجتمع مساعدة الشخص الذي أقدم على الإلحاد من أجل تقويمه، ولا يتم التعامل معهم بمبدئ المهدر دمهم، فالعقاب والثواب لله تعالى، من أراد أن يفعل خيراً من المجتمع فعليه فقط النصح والدعاء بالهداية، وليس التنمر والتوعد والترهيب.
وأضاف أن ارتفاع أعداد الملحدين هذه الفترة قد يرجع أحياناً إلى بعض الشيوخ اللذين يستخدمون أسلوب الترهيب والوعظ بشكل غليظ اللهجة في طريقة توصيلهم للمعلومات الدينية.
وأوضح أنه رأى ذلك بنفسه في أكثر من موقف بأن هناك بعض الشيوخ يقدمون الفتوى على طريقة إفعل ولا تفعل دون مراعاة لطريقة الوعظ نفسها، كذلك فوجوههم دائما ما تكون مقتضبة، ويبدأون فتواهم بالتحريم والتخويف من عذاب النار، وثعبان القبر وغيرها من الأمور التي تنفر الأفراد وتشعرهم بالخوف، بالرغم من وجود آيات مبشرة بالنعيم والجنة ومحبة الله لعباده، إلا أن هؤلاء الشيوخ لا يأخذون من الدين إلا ما ينفر منه الآخرون.
عاتق الأسرة
“الأسرة هي السبب.. وهي الكيان الوحيد القادر على تشكيل اللبنة الأولى في عقول الأبناء”، الجملة الأولى التي بدأت بها الدكتورة صباح عبد الله، استاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، حديثها فيما يتعلق بموضوع الإلحاد، حيث ترى أن عدم احتواء الأسرة لأبنائها هو السبب الرئيسي وراء كل المشكلات التي يتعرضون لها في مناحي تفكيرهم وتوجهاتهم على مدى مراحل عمرهم.
وأوضحت أنه يجب على الأسر أن تحتضن أبنائها من البداية وترسخ لديهم بعض المفاهيم الثابتة حتى تتكون معتقداتهم على نحوٍ سليم، وفسرت حديثها بأن معارف الفرد تتشكل منذ الصغر ولو لم يعمل الآباء والأمهات على تشكيلها للأفضل سيكتسب الطفل معتقداته من الخارج، وبالتالي فلا يوجد عليه رقيب أو مسيطر وموجه ومرشد لتلك الأفكار وهو ما قد يزيد من صعوبة الأمر عند محاولات التغيير فيما بعد.