الاضطهاد أزمة تاريخية ممتدة حتى عصرنا هذا ولاتزال عنوان حياة الملونين في الولايات المتحدة الأمريكية التي دائمًا ما ترفع شعار الحقوق والحريات.
في القرن العشرين، عانت أعداد لا حصر لها من نساء ملونات من عمليات التعقيم، وبدأت النساء السود والأمريكيات والبورتوريكيات في التبليغ عن تعقيمهن دون موافقتهن بعد خضوعهن لإجراءات طبية روتينية، أو بعد الولادة.
كشفت دراسة حديثة نشرت في مجلة “أمريكان ريفيو أوف بوليتيكال إيكونومي”، أن برنامجًا للتعقيم (منع الإنجاب) أجري في ولاية كارولاينا الشمالية في الولايات المتحدة بين عامي 1929 و1974، استهدف بشكل واضح الأمريكيين السود.
وقالت الدراسة، إن هدف البرنامج كان يهدف لمنع هذه الفئة من الإنجاب!
وأفادت الدراسة البحثية، بأن ما يقرب من 7600 شخص من رجال ونساء وحتى أطفال لا تتعدى أعمارهم السنوات العشر خضعوا لعمليات تعقيم جراحية في إطار برنامج تم وضعه لخدمة “المصلحة العامة” من خلال منع الأشخاص “الضعفاء عقليا” من الإنجاب.
وشملت الدراسة، البحث بين الأعوام 1958 و1968، وكشفت عن وجود 2100 حالة منع إنجاب في هذه الفترة فقط.
وأظهرت الدراسة، أن هذا الإجراء تم بشكل قسري في الغالب، وإنّ لجأت إليه بعض النساء أحيانًا، خاصة اللواتي لم يكن لديهن وسائل منع حمل، أو من أعلن أنهن غير مؤهلات ليصبحن أمهات.
التعقيم أو ما يعرف بــ “سلب القدرة على الإنجاب” في الطب هي عملية جعل الفرد غير قادر على الإنجاب عن طريق عدد من التقنيات الطبية وهي الطريقة الأكثر فعالية لتحديد النسل. وتختلف أساليب التعقيم بين تدمير الأعضاء التناسلية وتعطيلها، سواء بالطرق الجراحية أو غيرها من الطرق الطبية.
إبادة جماعية
وليام داريتي جونيور، الأستاذ في جامعة ديوك، وأحد المشاركين في إعداد الدراسة، أشار إلى أن عمليات التعقيم ازدادت مع ارتفاع عدد السكان السود العاطلين عن العمل- دون أن تستهدف بالنسبة نفسها العاطلين البيض أو الأشخاص المتحدرين من أصول أخرى.
واعتبر “أن الاستخدام غير المتكافئ للتعقيم في تحسين النسل في كارولاينا الشمالية على المواطنين السود يُعد إبادة جماعية”.
الأمر ذاته الذي أكده مينا ثابت، الباحث في ملف الأقليات، إذ أشار إلى تعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية بأنها الرغبة في “إبادة جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية كليًا أو جزئيًا” من خلال اعتماد “تدابير تهدف إلى منع التكاثر داخل المجموعة.
وأوضح “ثابت”:” أن المادة 2 من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي أبرمت عام 1948 نصت على تجريم “أي فعل من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو عرقية، أو عنصرية أو دينية، مثل: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، وفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ونقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى مجموعة أخرى.”
وأقرت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في معاهدات 1948بقرار الجمعية العامة 260 ألف (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول /ديسمبر 1948، وبدأ التنفيذ في يناير/ كانون الثاني عام 1951.
وأظهرت دراسات سابقة أن البرنامج كان يستهدف السود بشكل غير متكافئ، لكن هذه الدراسة الجديدة سلطت الضوء على الآليات المتبعة ودوافعها.
وأشارت روندا شارب، من معهد المرأة للعلوم والإنصاف والعرق، إلى أن “التحكم في الأجسام السود وخياراتها الإنجابية ليس جديدًا”.
وأضافت أن دراستنا تظهر أن ولاية كارولاينا الشمالية قيدت حرية الإنجاب، باستخدام تحسين النسل لحرمان السكان السود من حقوقهم.
كان للتعقيم تأثيرًا مباشرًا على النساء الأمريكيات الأصلية فقد هو انخفض عدد السكان الأمريكيين، ففي السبعينيات كان متوسط معدل المواليد للنساء الأمريكيات الأصليات 3.7 وفي عام 1980 انخفض إلى 1.8.
وفي عام 1977 أقام المحامي مايكل زافالا، دعوى في ولاية واشنطن بعد تعقيم 3 نساء من شايان من مونتانا دون موافقتهن، ورغم ذلك فإن النساء اللائي تم تعقيمهن لم يعلنوا بسبب خوفهن من التداعيات القبلية.
وصرح ماري سانشيز كبير القضاة القبليين في محمية شايان الشمالية قائلا “الشيء الذي هو أكثر إحباط من الفواتير القانونية المرتفعة هو خطر فقدان مكان واحد في المجتمع الهندي حيث أنّ للتعقيم صدى ديني معين”.
لمحة تاريخية
ذكرت دراسة بحثية أعدت عام 1965 أنّه وجد سكان بورتوريكو أن حوالي ثلاث أمهات المدينة، الذين تتراوح أعمارهم بين 20-49، تم تعقيمهم.
وكانت النساء في سنّ الإنجاب في بورتوريكو في الستينيات أكثر عرضة للعقم بأكثر من 10 مرات من النساء من الولايات المتحدة.
تشير هذه النتائج الصادمة إلى أن التحيز المنهجي أثر على ممارسة التعقيم، ليس فقط في بورتوريكو، ولكن أيضًا في الولايات المتحدة.
ورأى علماء تحسين النسل الأمريكان في أوائل القرن العشرين أنه يجب اتخاذ تدابير لمنع “غير المرغوب فيهم” من التكاثر بحيث يتم القضاء على مشاكل، مثل: الفقر، وتعاطي المخدرات في الأجيال القادمة.
وبحلول الستينيات، تم تعقيم عشرات الآلاف من الأمريكيين في برامج تحسين النسل التي تديرها الدولة، وفقًا لمراسلين استقصائيين في NBC News، وكانت نورث كارولينا واحدة من 31 ولاية تتبنى مثل هذا البرنامج.
تم القضاء على برنامج تحسين النسل في عام 1977 ولكن التشريع الذي يسمح بالتعقيم اللا إرادي للسكان ظل موجود حتى عام 2003.
منذ ذلك الحين، حاولت الدولة ابتكار طريقة لتعويض أولئك الذين عقمتهم. وتم تعويض ما يُقرب من 2000 امرأة ضحية ما زالوا على قيد الحياة في عام 2011.
إلين ريديك، وهي امرأة أمريكية من أصل أفريقي، وهي واحدة من الناجين. تقول في تصريحات صحفية إنها تم تعقيمها بعد أن ولدت عام 1967 لطفل أنجبته بعد أن اغتصبها أحد الجيران عندما كانت تبلغ من العمر 13 عامًا فقط.
تضيف ريديك، أنها لم تكتشف تعقيمها إلا بعدما أبلغها طبيبها بأنها “تعرضت للذبح” بعدما لم تتمكن من إنجاب أطفال مع زوجها. حيث قرر مجلس تحسين النسل في الولاية أنه يجب أن يتم تعقيمها بعد وصفها في السجلات بأنها “ضعيفة التفكير.
تعقيم النساء والرجال بسبب الفقر
تم تعقيم أكثر من ثلث النساء في أراضي بورتوريكو الأمريكية من الثلاثينيات حتى السبعينيات، نتيجة شراكة تمت بين الحكومة الأمريكية والمشرعين البورتوريكيين والمسؤولين الطبيين.
وحكمت الولايات المتحدة الجزيرة منذ عام 1898. وفي العقود التالية، واجهت بورتوريكو عددًا من المشاكل الاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع معدل البطالة.
ومن هنا رأى المسؤولون الحكوميون أن اقتصاد الجزيرة سيشهد دفعة إذا تم تخفيض عدد السكان ولذلك بدأوا في عمليات التعقيم للنساء.
منذ سنوات، عرفت بورتوريكو بالتميز المريب المتمثل في الحصول على أعلى معدل تعقيم في العالم. وكان الإجراء شائعًا جدًا لدرجة أنه كان يُعرف على نطاق واسع باسم “La Operacion” بين سكان الجزر.
ولم يسلم الرجال أيضًا من عمليات التعقيم فقد خضع آلاف الرجال في بورتوريكو لعمليات تعقيم كذلك. وبحسب ما ورد لم يفهم ما يقرب من ثلث البورتوريكيين المعقمين طبيعة الإجراء، بما في ذلك أنه يعني أنهم لن يتمكنوا من إنجاب الأطفال في المستقبل.
ووفقًا لدراسات بحثية فإن التعقيم لم يكن هو الطريقة الوحيدة لانتهاك الحقوق الإنجابية للمرأة البورتوريكية، إذ استخدم باحثو الأدوية الأمريكيون النساء البورتوريكيات، لإجراء تجارب بشرية على حبوب منع الحمل في الخمسينات.
وعانت العديد من النساء من آثار جانبية شديدة مثل الغثيان والقيء. وماتت 3 نساء من أثار تلك التجربة، ولم يتم إخبار المشاركين أن حبوب منع الحمل كانت تجريبية وأنهم يشاركون في تجربة سريرية، فقط أنهم كانوا يتناولون أدوية لمنع الحمل.