أصدرت مجموعة البنك الدولي، تقريرا جديدا تحت عنوان “بين المد والجزر.. المياه في ظل الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” ناقشت فيه أزمة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لكن ليس كأحد أسباب الصراع وإنما كضحية للصراع. كما طرحت فيه عددا من الحلول. يأتي هذا عقب الجزء الأول من الورقة الذي نشر تحت عنوان: “بين المد والجزر.. المياه والهجرة والتنمية”.
استنتج التقرير أن الحرب والبطالة محركاتِ للنزوح داخل منطقة البحث وذات تأثير أكبر من الوقائع المتصلة بالمياه مثل القحط والجفاف. ولكن مع اشتداد الآثار التي يسببها تغير المناخ، ربما لم تعد هذه الأنماط التاريخية قائمة. ففي مناطق تضعف فيها نظم الحوكمة والإدارة الرشيدة، قد يتسبَّب تغير المناخ في تفاقم مواطن الضعف والمنازعات على الموارد المائية. ومن ثمَ يؤدي إلى حلقة مفرغة من انعدام الأمن المائي والهشاشة.
اقرأ أيضا.. خلل في الخريطة: فقراء العالم فوق كنز مياه.. والعرب في بيئة لا ترحم
المياه ضحية الصراع
وبحسب التقرير فإنه غالبا ما تكون المياه ضحية للصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من كونها مصدرا رئيسيا لهذا الصراع. ورغم أنه كانت هناك حالات محلية للصراع والنزوح بسبب المخاوف المائية. إلا أن هناك شواهد محدودة على أن المخاطر المائية تُسبِّب تحركات واسعة النطاق للنزوح القسري أو تؤدي بشكل مباشر إلى الصراع.
كذلك تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى مستويات النزوح القسري في العالم. إذ يُقدَّر عدد اللاجئين فيها بنحو 7.6 ملايين لاجئ؛ قرابة 2.7 مليون منهم تستضيفهم المنطقة، و12.4 مليون نازحِ داخليِ فروا من صراعات مسلحة طال أمدها. وهي أيضا المنطقة الأكثر شحا في المياه على مستوى العالم. إذ يعيش ما يربو على 60% من سكانها في مناطق تعاني من إجهاد مائي شديد بالمقارنة بنحو 35% على مستوى العالم.
الحرب والبطالة محركات النزوح
تُعد الحرب والبطالة محركاتِ للنزوح داخل المنطقة وذات تأثير أكبر من الوقائع المتصلة بالمياه مثل القحط والجفاف. ولكن مع اشتداد الآثار التي يسببها تغير المناخ. ربما لم تعد هذه الأنماط التاريخية قائمة: ففي مناطق تضعف فيها نظم الحوكمة والإدارة الرشيدة. قد يتسبَّب تغير المناخ في تفاقم مواطن الضعف والمنازعات على الموارد المائية، ومن ثمَ يؤدي إلى حلقة مفرغة من انعدام الأمن المائي والهشاشة.
مع أن الصراع نتيجة غير مؤكدة للمخاطر المائية، فغالبا ما تؤدي الصراعات إلى استهداف البنية التحتية للمياه وتدميرها. ومنذ عام 2011، كانت هناك 180 حادثة على الأقل استُهدفت فيها البنية التحتية للموارد المائية في قطاع غزة واليمن وسوريا وليبيا متسبِّبةً في حرمان مئات الآلاف من الناس من الحصول على إمدادات المياه.
معاناة المياه المأمونة
ويضيف التقرير أن المياه تعتبر أحد مواطن الضعف التي يعاني منها النازحون عن ديارهم بسبب الصراع. ويعاني الملايين من النازحين قسرا من العراقيين والليبيين والفلسطينيين والسوريين واليمنيين والمهاجرين الدوليين في المنطقة للحصول على مياه شرب مأمونة. وتتعاظم هذه التحديات بالنسبة لبعض الفئات الأولى بالرعاية مثل ذوي الإعاقة والنساء. الذين تؤثر مخاطر انعدام الأمن المائي على سلامتهم العقلية، وتعرضهم للعنف والتهميش.
وخلافا للاعتقاد الشائع، كانت المخاطر المائية على مر التاريخ تؤدي إلى التعاون أكثر مما تبعث على الصراع. وداخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يصدق هذا على المستويين الوطني والدولي ويشمل الأنهار ومكامن المياه الجوفية العابرة للحدود. كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم، يؤدي التعرضُ لشح المياه لفترات طويلة إلى تفضيل مستخدمي المياه للتعاون.
37% من وقائع المياه صراعية
كما أنه من من بين 975 واقعةِ متصلة بالمياه في أحواض أنهار دولية تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين عامي 1948 و2008. اتسم 56% منها بطابع التعاون و37% بطابع الصراع وكان 8% منها محايدا. وبالنظر إلى عدد النزاعات المسلحة في المنطقة خلال تلك الفترة. كما تجدر الإشارة إلى أن القضايا المائية تؤدي في العادة إلى التعاون.
ينبغي ألا يؤدي التفضيل الواضح للتعاون إلى الارتكان للشعور بالرضا؛ فنحو 37% من الوقائع المتصلة بالمياه تتسم بطابع الصراع. وتشير البيانات إلى أن تحقيق أرفع أشكال التعاون المائي العابر للحدود مثل المعاهدات والاتفاقيات بشأن الموارد المائية المشتركة أصعب منالا من الاتفاقيات الفنية والاقتصادية.
ولم تسجل قاعدة البيانات التاريخية إعلانات رسمية للحرب بسبب المياه، لكن وقعت أعمال عنف واسعة متصلة بالمياه لاسيما فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويشمل هذا أمثلة في الآونة الأخيرة للأضرار التي أصابت البنية التحتية لإمدادات المياه خلال الصراع في قطاع غزة في مايو/أيار 2021.
سياسات للأمن المائي
قد تؤدي مظالم اجتماعية واقتصادية قائمة من قبل مع نوبات الجفاف أو نقص المياه إلى توترات محلية بشأن المياه، لاسيما في غياب مؤسسات قوية. وتُعد أزمة المياه التي حدثت في البصرة بالعراق في عام 2018 تذكيرا صارخا بالتوترات التي قد تنشأ بسبب نقص المياه وتدهور جودة الخدمات.
يجب على المنطقة السعي على وجه السرعة لتعزيز قدرة الموارد المائية على الصمود. وتتطلب أزمة النزوح التي طال أمدها وشح الموارد المائية التحولَ من التركيز الضيق على الدعم الإنساني إلى انتهاج سياسات تدعم الأمن المائي على الأجل الطويل والقدرة على الصمود في وجه الصدمات في المستقبل. وبالنظر إلى طول أمد الصراعات في المنطقة فإن الانتظار حتى تتم تسويتها ليست استراتيجية مجدية. ويجب على مؤسسات التنمية أن تتكاتف مع العاملين في المجال الإنساني. وأن تحرص على ألا تؤدي التدخلات (مثل حفر الآبار) إلى تقويض الاستدامة على الأجل الطويل.
علاج المظالم
يشمل الإطار المتكامل لمواجهة المخاطر المائية في المنطقة، سلسلة من لبنات البناء. فعلى المستوى الأساسي، يشتمل الحد الأدنى للاستجابة في أوضاع الأزمات على إقامة شراكات مع الجهات العاملة في المجالين الإنساني والأمني. وتقديم مساعدات طوارئ، والدعم لضمان استمرارية مرافق المياه. أما الانتقال إلى مرحلة الوقاية والتنمية فيشتمل على لبنتين إضافيتين للبناء وهما:
أولا- التدخلات التي تقوم على الأشخاص والمناطق وتهدف إلى معالجة مظالم المجتمعات المحلية في الحصول على الموارد المائية، وتعزيز الجهود كثيفة العمالة لإعادة تأهيل مستجمعات المياه الكثيفة، ورصد وتقوية سلامة البنية التحتية، ومساعدة مقدمي خدمات المياه على استعادة حصتهم في السوق.
ثانيا- التدخلات الوطنية تهدف إلى تعزيز أنظمة إدارة الكوارث، وتحديد حلول البنية التحتية اللامركزية ذات التكنولوجيا البسيطة، وتعزيز تدابير استرداد التكاليف والكفاءة لمرافق المياه، والتركيز على التنظيم والمراقبة لأنشطة استخراج المياه الجوفية عند العمل لتحقيق هذا التعاون. سيواجه واضعو السياسات على الأرجح مفاضلات بين التدابير قصيرة الأجل غير المنسقة والتدابير طويلة الأجل لمعالجة قضايا المياه الهيكلية. وقد يؤدي التقصير في إدراك هذه المفاضلات وحسن إدارتها إلى الإضعاف الشديد لآفاق الأمن المائي للنازحين قسرا والمجتمعات المضيفة لهم.
من المحتمل أن تخفق السياسات الرامية إلى إعادة بناء المؤسسات والبنية التحتية الوطنية إذا لم تتوفر أسس نسيج اجتماعي جديد والثقة في المؤسسات. وهو ما يمكن تحقيقه من خلال التدخلات التي تقوم على الأشخاص وتلك التي تقوم على المناطق.
وهذا التركيز العريض للسياسات يتجاوز النزوح القسري والأزمات الحادة، ويتضمن النظر إلى المشكلة من منظور جديد يشمل مختلف أرجاء المنطقة. ولهذا الأمر أهمية حاسمة للنمو والتنمية في منطقة تواجه احتمال التعرض لأشد الخسائر الاقتصادية المتوقعة من جراء الشح المائي المتصل بالمناخ والتي تٌقدَّر بنحو 6-14% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2050.