في فيلمه الأخير Dead for A Dollar موت من أجل دولار أعاد المخرج والكاتب ولتر هيل قصة صائد الجوائز ماكس بورلاند (Waltz) والخارج عن القانون جو كريبنز (Dafoe).
نتلصص على أبطال يجدون أنفسهم في الموقع المقابل لمهمة للعثور على راشيل كيد (بروسناهان) وإعادتها. زوجة رجل أعمال ثري من سانتا في (برات) هرب من زواج مسيء ليجد حياة جديدة في المكسيك.
كالعادة أبطال وحيدون لا تشغلهم السلطة في وقت حرج. هذه فكرة أثيرة للصانع. ملهمة ومواجهة للسلطة بمجازها بشكل واضح. نحاول في هذا المقال المرور على هذا المشروع المتماسك.
(تريلر الفيلم)
بداية معتادة من المخرج بعرض شاشة عريضة لمناظر طبيعية رائعة في جنوب غرب أمريكا من بعيد. الشارع بطل للحكاية في زمن تقل فيه الأعمال الحقيقية. كساد نسبي يتربح الأغلبية من خلال المراهنات والسرقة كحل أسهل.
نرى متسابقًا وحصانًا يتبعهما حصان آخر يحمل راكبه مظلة كدرع من الشمس. هذان الشخصان هما إيليا جونز – أحد الفارين من الجيش- وراشيل كيد التي تعتمد على من يروي الرواية. إما رفيقه الراغب أو المختطف. قصتهما هي أن جونز اختطف راشيل ويطلب 10000 دولار لإعادتها.
هذا نصف صحيح. الحقيقة الكاملة هي أن راشيل وهي زوجة تعرضت لسوء المعاملة وجونز هربا معًا بحثًا عن المال لإكمال هروبهما ربما إلى كوبا.
في البداية كل ما يعرفه ماكس حقًا هو أنه سيحصل على 2000 دولار لإكمال عودتهما. للمساعدة في تحقيق هذه الغاية أقرض الجيش ماكس قناصًا اسمه بو (وارن بيرك) وهو صديق لجونز وهو أيضًا “أسود”.
هذا ما يطرحه المخرج. تضييق الحياة في لحظة من الزمن يجعل العالم بشكل غير مباشر هو عالم قائم على الجريمة والرهان فقط. الجميع يسعى للكسب السريع في فترات الكساد والبطالة الطويلة. نسير مع الأبطال الذين علينا ألّا نحكم عليهم أخلاقيًا تحديدًا في تلك الأوقات.
هنا بطلان يسعيان للمال وعالم كامل يعيش على أمل يانصيب تسليم الزوجة مرة أخرى دون وجود عمل حقيقي ملموس للجميع.
بداية ملهمة لمخرج عالمي
فى بداياته الأولى عمل الرجل بالأفلام الوثائقية ثم كمساعد مخرج في أعمال مثل: The Thomas Crown Affair عام 1968 مع المخرج Norman Jewison. ثم عمل عام 1969 مع المخرج الكبير Woody Allen في فيلم Take the Money and Run. ثم بدأ بعد ذلك مرحلة إعادة كتابة عدد من السيناريوهات لبعض الأفلام عقب أن كتب السيناريو الأول له وهو فيلم .Hickey & Boggs ومن أهم الأفلام التى أعاد Walter Hill صياغة السيناريو الخاص بها كان فيلم The Thief Who Came to Dinner عام 1973. وأرفق في قلبها جميعًا نموذج البطل غير المعتاد الذي يمكن أن يكون سارقا أو مراهنا. بطلا غير أخلاقي يناسب الوضع الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه.
نشاهد الأشخاص الذين يعيشون في ظروف بدائية ويواجهون مشكلات معقدة يتعين عليهم حلها بشروط شخصية. دون اللجوء إلى الحكومة أو سلطة أعلى بحيل أعدائهم نفسها.
المخرج ذاته يعتبر شخصية ربط مهمة بين أجيال من صانعي الأفلام القدامى والأقل تقدمًا. وبين الأنواع القديمة والتكوينات الجديدة الجذرية. متخصص في روايات الجريمة. ويعتبر جميع أفلامه نموذجا غربيا معاديا تمامًا للنظرة السائدة للسلطة وللأبطال.
على سبيل المثال هو من كان جون واين أشد المعجبين به عندما شاهد The Streetfighter (1975). أراد من المخرج ولتر هيل أن يقود فيلمه الأخير آنذاك The Shootist (1976). لكن هيل رفض لأنه لا يريد أن يرى بطله يموت في فيلم. هكذا ينتصر لأبطاله الوحيدين في السينما في ظروف الكساد التي تغطي أغلب أفلامه كخلفية.
ثمة مواجهة معتادة بين البطل وعدوه ودرس حياتي. بالرغم من أن فيلم الأول الذي جمل هذه الفلسفة لم ينجح في شباك التذاكر حتى. لكنه تمسك بها حتى أصبح من رواد هوليوود على مدار خمسين عامًا. يقدمها في سياقات مختلفة بالطبع. حرب شوارع. لا مساحات زحام مجازًا أو في العادة. الكاميرا تتسكع في الشوارع بين مشاهد العنف.
أبطال لديهم أزماتهم الداخلية التي تلتهمهم متجاوزة الأزمات الأكبر. لديهم عدم رغبة فيما يفعلونه بالرغم من نجاحهم فيه. لا يعطي الشخصيات قصة خلفية. نتعرف على الشخصيات من خلال مشاهدة ما يفعلونه والطريقة التي يتفاعلون بها مع التوتر والطريقة التي يتفاعلون بها مع المواقف والمواجهات. بهذه الطريقة يتم الكشف عن الشخصية عبر الدراما بدلاً من شرحها بالحوار.
ماركة جديدة للعنف السينمائي
يمكن مع ولتر هيل صنع أفلام الجريمة دون أي رجال شرطة. مع المجرمين كأبطال. كانوا أكثر قتامة وأقل ميلودرامية وأقل تأثرًا بالرقابة وأكثر تأثرًا بأوروبا أيضًا.
هيل يترك عقله في ثقافة البوب. صنع ماركة للعنف السينمائي والشاعرية مع إراقة الدماء الوحشية والموسيقى التصويرية للموسيقى الأمريكية القديمة.
ربما لم يصبح أبدًا مخرج الحركة الذي أشرف على حركة تناثر أفلام الرعب إلى أنواع أخرى مثل الغربية (The Long Riders أكثر دموية من The Wild Bunch). وفيلم الفصيلة (Southern Comfort) وحتى الخيال العلمي (غالبًا ما ننسى أن هيل شارك في كتابة وإنتاج Alien).
“التقليد هو الإطراء على العمل”. هكذا يعتقد ولتر هيل في إعادة إنتاج أبطاله غير الأخلاقيين في أزمنة الكساد والبطالة. إنه يعيد إنتاج أبطاله في سياقات مختلفة ظنًا أن الكثير مما يُنظر إليه على أنه تقليد هو فقط يصنع عالما لأبطال لم يكونوا رفقاء نتيجة العيش في مدينة مضطربة اقتصاديًا وسياسيًا.
أبطاله في الحقيقة لم يحبوا بعضهم. فقط بعد تجربة بالنار وتجربة شخصية من كلا الجانبين “ينمو كل منهم نحو الاحترام المتبادل المرهق” للعيش بأمان نسبي والحصول على أموال تسد الرمق.
“موت من أجل دولار” إعادة إنتاج للحياة في ظل وضع مضطرب. الجميع يسعى فيه للسيطرة على كل شيء أمامه ظنًا أنه قد يحقق الأمان. يبدو من اسمه أساسًا أنه ثمة بديهية يرفضها لكنه يقر بفجاجتها: الأبطال هنا يموتون من أجل المال. ثمة مفارقة أن الحصول على المال قد يعني انتهاء حياتهم ذاتها. هكذا يعيش الناس في فترة مضطربة “على كف عفريت”.