تواجه منطقة اليورو مشكلة هي الأعقد في تاريخها مع استفحال أزمة الطاقة، وارتفاع مستويات التضخم، وبداية تشكل موجات من الاحتقان والغضب الشعبي. ذلك وسط تنامي للتوقعات بدنو انهيار عملة الاتحاد الأوربي؛ الشريك الاقتصادي الأول لمصر.
وقد خسرت العملة الأوروبية منذ مطلع العام الجاري ما لا يقل عن 12% من قيمتها. ما أثر على مجموع المبادلات التجارية الخارجية. بمعنى آخر، فإن تكلفة استيراد أوروبا من الخارج ارتفعت وفي مقدمتها الطاقة. وبالتالي، ارتفعت تكاليف المنتجات الأوروبية، ما يقلل من مزاياها التنافسية بالخارج.
قطعة الدومينو الكبيرة
قبل عامين، طرح المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف، سؤالًا حول موعد انهيار الاتحاد الأوروبي. قال إن الأزمة الاقتصادية ستدمر النموذج الذي بُني عليه الاتحاد الأوروبي. فقد تسببت القرارات الشعبوية للأغلبية الفقيرة من دول الاتحاد في زعزعة استقرار الأنظمة المالية للدول التي تشكل “النواة” الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.
وأضاف “نازاروف” أن الأساس الأيديولوجي للاتحاد يقوم على الازدهار الاقتصادي، والجميع يريدون معيشة الألمان، وبفقدان الازدهار الاقتصادي، ينتهي مشروع الاتحاد الأوروبي، الذي قام على التمدد الاقتصادي لألمانيا، مع تعويض مؤقت لخسائر الدول الفقيرة في الاتحاد.
وقد قالت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، قبل عقدين، إن انخفاض اليورو أكبر كارثة قد تحل على أوروبا. وهو ما تحقق فعلًا، إذ هبطت العملة الأوروبية عن الدولار للمرة الأولى منذ عقدين. بينما حققت المنطقة عجزًا تجاريًا قياسيًا بلغ 30.8 مليار يورو.
وقد فقدت ألمانيا سمعتها كدولة بلا عجز لأول مرة منذ 1991 وأصبح البلد الصناعي العريق يعاني نقصًا بالمواد الخام، واختناقات بالطاقة، وارتفاع بأسعار الفائدة والتضخم.
يحذر جورج جالاوي، السياسي البريطاني والنائب السابق في مجلس العموم، من استياء المواطنين الأوروبيين من حكوماتهم على خلفية أزمة الطاقة. ويعتبر هذه الأزمة القشة الأخيرة التي “ستكسر العمود الفقري” لأوروبا.
يقول إن المزاج الاحتجاجي استحوذ بالفعل على التشيك وفرنسا. حيث تظاهر ما بين 700 و100 ألف شخص في نهاية الأسبوع بالشوارع، مطالبين باستقالة الحكومة. بينما رحلت الحكومة الإيطالية بالفعل.
“لقد أصبحت العقوبات الأوروبية ضد روسيا بمثابة حجر ضخمة سقطت على أقدام الأوروبيين في النهاية”؛ يقول جالاوي.
وفق جالاوي، ألمانيا ستكون أول وأهم قطعة دومينو تسقط. يشهد على ذلك ما حدث خلال عطلة نهاية الأسبوع، حينما اندلعت مظاهرات ضد المستشار الألماني أولاف شولتس في مناطق مختلفة من البلاد.
كيف تتأثر مصر؟
الاتحاد الأوروبي يعد الشريك الاقتصادي الأول لمصر. إذ يستحوذ على 30% من حجم تجارة مصر الخارجية، ويستقبل 27% من صادرات مصر، و34% من إجمالي وارداتها من العالم الخارجي.
قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي شاملة بريطانيا خلال العام الماضي، سجلت نحو 26.4 مليار يورو. كما أن الاتحاد هو المستثمر الأكبر في مصر، بحجم 16 مليار دولار في مختلف القطاعات.
انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار لن يحقق ميزة للجنيه؛ لأنه يشهد حاليًا حالة من التخفيض المتتالي. كما أن الدولار يهيمن على أغلب التعاملات مع الخارج ومنها مصر، وحتى أوروبا ذاتها تعتمد في معاملاتها على الدولار بنسبة 60%.
كذلك، فإن الاتحاد الأوروبي من أهم مقدمي المساعدات التنموية لمصر؛ بإجمالي مبالغ وصلت لأكثر 11 مليار يورو في شكل منح وقروض ومبادلات ديون. وتصل التزامات الاتحاد الأوروبي نحو مصر في صورة منح إلى 1.3 مليار يورو.
ما سنربحه وما سنخسره؟
ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة الأوروبية يؤدي إلى تراجع قوى الأورويين الشرائية، ما يقلل على حجم استهلاكهم الشخصي. وبالتالي يؤثر على حجم الواردات من الخارج، ما قد يؤثر على الصادرات المصرية.
على مستوى الاستثمارات، لا يمكن حسم تأثر مصر حال تفاقمت أزمات منطقة اليورو. فقد تحدث مشكلة في تخارج بعض الاستثمارات الأوروبية. لكن في الوقت ذاته قد تستقطب استثمارات هاربة من تداعيات أزمات الطاقة في أوروبا.
الأمر ذاته، ينطبق على حركة السياحة الوافدة لمصر. ففي حين يرى البعض أن الأزمة أوروبية قد تنعكس على معدل سفر الأوروبيين لمصر، يرى آخرون أن مصر ربما تستفيد من أزمة الطاقة في استقطاب شريحة من المتقاعدين وذوي الدخل المرتفع والعاملين عن بعد، للإقامة بها هروبًا من الطقس البارد في الشتاء. خاصة في ظل ضعف الجنيه المصري.
استحوذت أوروبا -بما يشمل روسيا وأوكرانيا- على النصيب الأكبر من السائحين الوافدين لمصر خلال الـ 10 سنوات الماضية. حيث بلغ عددهم 70.7 مليون سائح بنسبة 68.8% من إجمالي عدد السائحين، يليهم العرب 21.9 مليون سائح بنسبة 21.3%، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
يخشى مستثمرو البورصة من تكرار خسائر أزمة اليونان، حينما خفض مستثمرون أجانب مراكزهم الشرائية نتيجة انهيار البورصات العالمية وقتها. لكن في الوقت ذاته يؤكد قطاع من الخبراء مثل نادي عزام، الخبير الاقتصادي، أن التأثير سيكون محدودًا للغاية على مصر. فالأسهم المصرية تجاوزت تلك المخاوف بدخول مستثمرين عرب. كما أن شريحة ليست قليلة من مستثمري البورصة الأجانب خرجوا بالفعل منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسبب رفع الفائدة الأمريكية.
يضيف “عزام” أن بعض الدول الصغيرة في أوروبا قد تنهار. لكن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ومن خارج اليورو بريطانيا، تعتبر الشركاء الأكبر لمصر. قد تعاني هذه الدول من مشكلات. لكنها تظل دول قوية قادرة على إبقاء اليورو. كما أن السياحة المصرية تأثرت بالفعل بروسيا وأوكرانيا المورد الأول للسياحة الأوروبية، ولا ضرر أكبر من ذلك يتوقع قدومه من أوروبا.