ظل “الدولار الجمركي” أحد وسائل ضبط التضخم في السوق المحلية، في أعقاب تحرير سعر صرف الجنيه. إذ طبقته وزارة المالية في شهر فبراير/ شباط عام 2017 لمدة عامين وسبعة أشهر، قبل أن تقرر التخلي عنه مع استقرار أسعار صرف الدولار في 2019، والاعتماد على متوسط سعر الصرف بالقطاع المصرفي، لتعود مجددًا لتطبيقه في مارس/ آذار 2022 بعد رفع المركزي الفائدة 1% في مارس الماضي. وأخيرًا إعلانها -في بيان رسمي صدر الخميس- أن “لا دولار جمركي” مستخدم في مصر، مؤكدةً اعتمادها على السعر اليومي للدولار والعملات الأجنبية في البنك المركزي. ما يثير تساؤلات حول الآلية التي تعتمدها الوزارة عند حساب الجمارك المستحقة على السلع المستوردة، وتأثيرات ذلك فيما يتعلق بأسعار هذه المنتجات عند تداولها محليًا.
ما هو الدولار الجمركي؟
“الدولار الجمركي” مصطلح اقتصادي يعبر عن سعر الدولار أمام الجنيه الذي تستخدمه الجهات الجمركية لتحديد قيمة البضائع المستوردة، وحساب الرسوم الجمركية عليها.
وقد لجأت الحكومة إلى التعامل به في يناير/ كانون الثاني 2017 -بعد شهرين من قرار تعويم الجنيه- حينما قفز سعر صرف الدولار في السوق المصري ليسجل مستوى 19.60 جنيهًا. وكان ذلك في إطار تحركات حكومية للسيطرة على الارتفاعات المتتالية في أسعار جميع السلع والخدمات.
وقتها، حددت المالية سعر الدولار الجمركي عند 16 جنيهًا مقابل الدولار للسلع الأساسية، وبسعر متحرك يُعدل على أساس شهري للسلع غير الأساسية. واستمر هذا الوضع حتى سبتمبر 2019، حينما أعلنت الوزارة العودة للعمل بسعر الصرف الذي يحدده البنك المركزي بشكل يومي. قبل أن تعود مجددًا لسلسلة من تثبيت وتحريك سعر الدولار الجمركي، ومؤخرًا إعلان إلغاء استخدامه لربط الرسوم الجمركية مجددًا بسعر الصرف في البنك المركزي.
لماذا أُلغي الدولار الجمركي؟
يقول الباحث الاقتصادي محمود حمد، إن قرار إلغاء الدولار الجمركي جاء نتيجة ارتفاع سعر الدولار في البنك المركزي خلال الفترة الماضية. ويضيف -في تصريحات لـ”مصر 360″- أن سعر الدولار الجمركي قارب جدًا سعر الدولار الذي يحدده البنك المركزي. ذلك عكس الفترة التي تلت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، حين كان فارق السعر كبيرًا، بسبب تحديده من قبل الحكومة.
ويرى “حمد” أن الدافع وراء إلغاء الدولار الجمركي هو زيادة الحصيلة الجمركية، مضيفًا “أيضًا قد تكون الحكومة لجأت إلى التحرير للحد من استيراد بعض السلع من الخارج”.
لكنه، حذر من الحد من الاستيراد من الخارج بهذه الطريقة التي قد تؤدي إلى زيادة الأسعار وإحداث موجة تضخمية. مشيرًا إلى ضرورة العمل على محاور أخرى لتقليل الاستيراد من الخارج عبر جذب الاستثمار وتعميق الصناعة المحلية والتوسع في المحاصيل الزراعية لتعويض ما يتم استيراده منها.
ووفق الخبير الاقتصادي، بكر الديب، فإن تحرير سعر الدولار الجمركي تم لمواجهة أي نشاط أو رواج في السوق المحلي على السلع المستوردة، بالشكل الذي يزيد من عمليات الاستيراد، ما قد يخلق طلبًا قويًا على الدولار.
وأوضح لـ “مصر 360″ أن قرار إلغاء التعامل بـ”الدولار الجمركي” جاء نتيجة لتقارب سعر الدولار الجمركي مع أسعار العملات بالبنك المركزي. لافتًا إلى أنه سيتم التعامل أيام الإجازات الرسمية والعطلات وفقًا لسعر الإقفال المعلن من البنك المركزي للعملات الأجنبية في آخر يوم عمل سابق على تاريخ تسجيل البيان الجمركي.
تحرير الدولار الجمركي والتضخم
يرى البعض أن السوق المصرية ليست منضبطة بالشكل الكافي. وبالتالي فإن احتمال استغلال بعض التجار لقرار إلغاء الدولار الجمركي بهدف رفع الأسعار أمر وارد. ومن وجهة النظر هذه، فإن إلغاء الدولار الجمركي له تداعيات وتأثيرات كبيرة على مستوى ارتفاع الأسعار، مع وجود موجة تضخمية كبيرة، نتيجة التقلب الذي سيكون عليه سعر الدولار يوميًا لعدم ثباته.
ويتوقع أحمد متولي، الخبير الاقتصادي، حدوث قدر من الارتفاع على المدى القريب في أسعار بعض الواردات والمواد الغذائية بشكل خاص. مضيفًا أن المعادلة الأساسية في حساب احتمالية ارتفاع الأسعار في المستقبل القريب والمتوسط تبقى مرتبطة بسعر صرف الدولار الأمريكي، ومدى توفره في الأسواق المحلية في مصر.
يتوقع “متولي” كذلك أن يؤثر الربط مع أسعار الدولار بالبنوك المصرية على معدل التضخم في الشهور المقبلة، ليستمر التضخم في الارتفاع. ذلك لأن الاعتماد على السعر الأعلى في تحديد الرسوم الجمركية وفقًا لسعر الدولار بالبنك المركزي -المرشح للصعود خلال الأيام المقبلة- سيدفع معدل التضخم إلى الارتفاع.
وقد عاود معدل التضخم في مصر مساره التصاعدي خلال شهر يوليو/ حزيران الماضي، ليسجل التضخم السنوي 14.6% لإجمالي الجمهورية. كما سجل التضخم الأساسي السنوي- الذي يستبعد أسعار المواد غير المستقرة- نسبة 15.6% خلال الشهر ذاته. وهو أعلى مستوى له منذ 4 أعوام ونصف.
وأرجع خبراء أسباب هذه الزيادة إلى تحريك أسعار البنزين والسولار وخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار. ما أدى إلى تسارع معدل التضخم، والذي قد يواصل الزيادة حتى نهاية العام.
التأثير على المنتجات
يقول علاء عز، أمين اتحاد الغرف التجارية، إن غالبية ما يتم استيراده من الخارج هو من دول الاتفاقيات المشتركة. أي أن الجمارك على تلك السلع هي صفر%. وبالتالي لن يكون هناك تأثير على مستوى هذه المنتجات نتيجة إلغاء الدولار الجمركي.
وتابع عز، في مداخلة ببرنامج “كلمة أخيرة” الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي، أن الأمر الوحيد الذي سيحدث عليه تغير كبير هي السلع الهندسية. مثل: السيارات والثلاجات والتليفزيونات والغسالات، التي يصل جمركها إلى نحو 60%. هنا، يكون المخرج في البديل المحلي في السوق.
ويؤكد متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن ارتفاع سعر الدولار الذي تتعامل بناءً عليه مصلحة الجمارك في تقييم السلع المستوردة والرسوم الجمركية المفروضة عليها، لن يؤثر على أسعار السلع في الأسواق. ويرجع ذلك إلى أن عمليات الاستيراد مازالت معطلة بسبب التأخر في فتح الاعتمادات المستندية. وبالتالي لا تدخل بضائع جديدة إلى الأسواق، يتم تقييمها بالأسعار الجديدة للدولار.
وكان البنك المركزي أصدر قرارًا خلال فبراير/ شباط الماضي، بوقف التعامل بمستندات التحصيل في كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية بدلًا منها. وذلك قبل توجيهات رئاسية باستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد في مايو/ أيار الماضي.
ويعاني المستوردون والصناع خلال الفترة الأخيرة من أزمة نقص مستلزمات الإنتاج بسبب التأخر في فتح الاعتمادات المستندية، وبطء في تدبير العملة من قبل البنوك، بحسب مستوردين وصناع.