بعد قرون طويلة من القيود المحافظة، وتحديد مسارات الغرباء من غير المسلمين. جاءت الاستراتيجية الجديدة للمملكة العربية السعودية للتحول إلى اقتصاديات ما بعد النفط، لتتضمن خوض صناعة السياحة. حيث يخطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لإنفاق تريليون دولار على مدى العقد المقبل لتحويل المملكة إلى وجهة سياحية ذات سوق ضخم.
وتبدأ المملكة استثماراتها السياحية بقطاع الرحلات البحرية الناشئ، والمنتجعات الفاخرة على البحر الأحمر، والنُزُل البيئية في الصحراء. وكلها مشروعات قيد الإنشاء. لكن، هناك زيارات بالفعل للمقابر القديمة المنحوتة في نتوءات الحجر الرملي في العلا.
يشير تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال/ The Wall Street Journal. إلى أن المملكة العربية السعودية، منذ أن رفعت آخر قيود السفر المتعلقة بـفيروس كوفيد 19 في مارس/ آذار. تدفق السائحون الغربيون إلى البلاد التي وصفها التقرير بأنها “ثلاثة أضعاف مساحة تكساس”. وذلك “لاكتشاف عاصمتها المترامية الأطراف، وستة مواقع لليونسكو للتراث العالمي، والضيافة العربية التقليدية”.
لكن التقرير يشير إلى أن “المسافرون يصلون إلى بلد غير جاهز تمامًا لهم. يحتاج المرشدون السياحيون إلى التدريب، وكذلك يحتاجوا إلى بناء الفنادق. وليست كل المواقع التراثية مفتوحة بدوام كامل”. ونقل عن إحدى السائحات الأمريكيات قولها: “إن السعوديين يحاولون معرفة ماذا نفعل بالسياح؟ “.
اقرأ أيضا: جو بايدن يكتب: لماذا أذهب إلى المملكة العربية السعودية؟
طموحات وإجراءات
كجزء من خطط إنشاء قطاعات اقتصادية جديدة لا علاقة لها بالنفط. يريد الأمير محمد بن سلمان، جذب 100 مليون سائح أجنبي سنويًا، بحلول عام 2030. أي ما يزيد قليلاً عن العدد الذي زار فرنسا -الوجهة الأكثر شعبية في العالم- في عام 2019. في وقت توضع فيه طموحات الأمير -التي تم تخيلها بمساعدة مستشارين غربيين- على المحك.
وترى الصحيفة أن “مع خروجه من العزلة الدبلوماسية في أعقاب مقتل خاشقجي. فإن المكانة المحلية لولي العهد، تتوقف إلى حد كبير على الوعود الاقتصادية، مثل مليون وظيفة جديدة مرتبطة بالسياحة. ولتحقيق أهدافها السياحية، تحتاج المملكة إلى جذب السوق الجماهيري، وليس فقط مدمني السفر والمتقاعدين الأثرياء”.
أصدرت المملكة تأشيراتها السياحية الأولى في أواخر عام 2019. وتم إصدار أكثر من 400 ألف تأشيرة قبل أن يؤدي وباء كوفيد 19 إلى إغلاق السفر. لكن، كشفت الطفرة في السياحة المحلية خلال الوباء عن نقص في البنية التحتية. لذلك، خصصت الحكومة السعودية 4 مليارات دولار لتشجيع استثمارات القطاع الخاص.
وضمن مساعي الحكومة السعودية لتطوير قطاع السياحة وجذب الاستثمارات، أقرّ مجلس الوزراء السعودي نظامًا جديدا للسياحة هو الأول من نوعه في المملكة، يهدف إلى الارتقاء بهذا القطاع وزيادة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي باعتباره من المحاور الرئيسة لـ “رؤية المملكة 2030″، لرفع العائدات غير النفطية وتقليل الاعتماد على النفط.
من مهام هذا النظام أيضًا تعزيز الثقة بين المستثمرين والسياح والجهات ذات العلاقة. عبر حزمة من الإجراءات لإدارة الأزمات ودرء المخاطر، وتقديم الضمانات المالية لبعض الأنشطة السياحية. بالإضافة إلى ضمانه مجموعة من المحفزات، التي تعتزم وزارة السياحة تقديمها، كالإعفاء من الضرائب أو الرسوم الجمركية، بعد موافقة الجهات المعنية.
ويحرص النظام الجديد للسياحة على دعم وتسهيل استكمال إجراءات استخراج تراخيص مرافق الضيافة والأنشطة السياحية الأخرى. سواء الموجودة حاليًّا، أو الأنشطة السياحية الجديدة، التي ستُستحدث من خلال مركز خدمة شامل أو منصة إلكترونية. لتقديم الخدمات اللازمة في قطاع السياحة ومقدمي خدمات الأنشطة السياحية، والربط مع مراكز أو منصات إلكترونية أخرى تابعة لجهات حكومية.
جاذبية غير قابلة للنقد
من بين الذين يساعدون ولي العهد في رؤيته السياحية جيري إنزيريلو، مدير الضيافة والسياحة من بروكلين. الذي تم تعيينه في عام 2018 لإدارة منتجع الدرعية، وهو مشروع بقيمة 40 مليار دولار يضم الفنادق الفاخرة والمطاعم الحائزة على نجمة ميشلان.
الدرعية الآن من بين أكثر المشاريع تقدمًا في سلسلة ضخمة، تتضمن ناطحة سحاب من المقرر أن تمتد لمسافة 75 ميلاً. رغم أنه مغلق للتجديد، ولكن الهدف هو إعادة فتح المنطقة التاريخية -أحد مواقع اليونسكو في المملكة- قبل نهاية العام بهدف جذب 27 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030.
يقول محرر وول ستريت إن المشروع “يقع حول مستوطنة من الطوب اللبن بالقرب من الرياض. حيث تولت الأسرة الحاكمة السلطة في القرن الثامن عشر الميلادي، ويهدف إلى ترسيخ قصة أصل المملكة العربية السعودية للمواطن ومنحها جاذبية دولية”. حيث تتطلع المملكة إلى تكوين صورة أكثر جاذبية.
كان إنزيريلو البالغ من العمر 68 عامًا أحد الغربيين القلائل-وفق الصحيفة- الذين وقفوا إلى جانب المملكة بعد مقتل خاشقجي. حتى مع تذبذب العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب الجريمة. يقول إنه قضى “وقتًا شخصيًا وفيرًا مع الأمير محمد”.
بجوار هذه العوامل الجذابة، يشير التقرير إلى حساسية السعودية للنقد. حيث يحظر النظام الجديد الإساءة إلى سمعة السياحة في البلاد، والتعدّي على الوجهات والمقوّمات السياحية، أو إلحاق الضرر بها. أو القيام بأي فعلٍ من شأنه الإضرار بقيمتها أو أهميتها. وهو “قرار غامض ينذر بالسوء، في بلد يعتبر سجله في مجال حقوق الإنسان بالفعل منفرًا للكثيرين”.
أيضا، مع كل هذا التطوير. لكن، لا زالت هناك قواعد صارمة تعيق رغبات السياح الغربيين، وتضعف من فرص نمو السياحة في المملكة، في مواجهة منافسها، مدينة دبي، كأبرز مركز تجاري في الشرق الأوسط.
فعلى الرغم من تخفيف بعض القيود الاجتماعية، مثل حظر اختلاط الرجال والنساء غير المرتبطين في الأماكن العامة. فإن الكحول غير قانوني، وقواعد اللباس بالنسبة للنساء مقيدة، حتى في معظم الشواطئ التي تصل فيها درجات الحرارة إلى 48 درجة مئوية في الصيف.