في تصنيف أهم 10 شركات ناشئة في مصر كانت “كابيتر” منصة التجارة الإلكترونية المتخصصة في مجال السلع الاستهلاكية، في المرتبة الثالثة قبل أن تواجه مشكلات مالية معقدة. حاليا الشركة مصيرها معلق باندماجها أو الاستحواذ عليها من قبل كيان آخر.
يطلق مصطلح الشركة الناشئة على المؤسسات في المرحلة الأولى من بداية عملها التشغيلي. لكنها ارتبطت حديثا بتقديم رواد الأعمال الشباب فكرة لنموذج عمل قابل للتطبيق يلبي احتياجات السوق أو يقدم حلا لمشكلة معينة تواجه العملاء.
اقرأ أيضا.. كابيتر “فشل” الأخوين نوح.. آفة شركاتنا غياب دراسات الجدوى
تثير تجربة “كابيتر” التي تحولت من النجاح واحتلال أحد مؤسسيها مرتبة متقدمة في قائمة “فوربس” للشباب العربي الأكثر تأثيرا تحت التأسيس. إلى اتهامه حاليًا بـ”الهروب بأموال الكيان الذي ساهم في تأسيسه مع شقيقه إلى الخارج. تساؤلا مهما وهو: ما العوائق التي تقف في طريق الشركات الناشئة لمصر؟.. وما ضمانات النجاح؟
على عكس التجارب الأولى للمؤسسات الناشئة في مصر التي بدأت قبل 10 سنوات، فإن الجيل الجديد استطاع جمع تمويلات كبيرة في السنوات الأولى لانطلاقها. إذ استطاعت 35 شركة مصرية ناشئة جمع 269.1 مليون دولار بقطاعات متنوعة أغلبها التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية.
بحسب بيانات لمؤسسة “ماجنيت”، فإن الشركات الناشئة المصرية ظلت حتى يونيو تجمع تمويلات ضخمة قبل أن تتراجع الصفقات التمويلية لتبلغ 4.5 مليون دولار فقط في أدنى مستوى مع تداعيات الأزمة العالمية وارتفاع معدل التضخم.
تعد الشركات الناشئة بمصر مساهما رئيسيا في التوظيف، إذ فتحت 562 شركة ناشئة مجال العمل لنحو 13 ألف فرد، وأغلبية تلك الشركات بقطاع التجارة الإلكترونية بنحو 2718 وظيفة تمثل 21% من الإجمالي، تليها التكنولوجيا المالية (2037 موظفًا) وتكنولوجيا التعليم (1.572 موظفا).
أسباب للفشل
لاقت “كابيتر” اهتماما كبيرا مع المشكلات التي واجهتها بسبب حجم الدعاية والأعمال الكبيرة التي سجلتها وارتباطها بشبكة كبيرة من التجار. الأمر الذي يعني التصاقها بمصالح الآلاف، لكن سبقتها العديد من الشركات الناشئة التي ضلت الطريق قبلها.
قبل سنوات استخدم رواد أعمال شركة بعنوان “هِدمَه” الكلمة الشعبية التي تعادل كلمة ملابس، وتولدت الفكرة من دمج الثقافة الشعبية المحلية بالجديد بالأزياء العالمية في تصميم واحد، لكنها توقفت بعد شهور قليلة لعجزها عن منافسة سوق متخمة بشركات محلية ومنتجات مستوردة من الخارج خاصة تركيا التي باتت تمتلك توكيلات تبيع منتجاتها بمصر.
المشكلة الأساسية التي تواجه الشركات الناشئة بمصر هي تجاهلها دراسات الجدوى، التي تعتبر العنصر الأهم في المشروع خاصة دراسة التكاليف والأرباح المتوقعة والتوسعات، بجانب الجدوى التسويقية والفنية والمالية، وأعباء التمويل، وكيفية السداد.
تشير التقديرات إلى أن غياب الدراسات الخاصة بالسوق والمنافسة والبيئة الاجتماعية واتجاهات العملاء تقف وراء تعثر ما يزيد على 40% من الشركات الناشئة حول العالم، وهو الأمر الذي تكرر مع شركة “هدمة” التي اتجهت لتصميمات معقدة تحتاج لـ”كتالوج” لفهمها، و”كابيتر” التي توسعت بصورة أكبر من قدراتها، وكذلك “سيركي” المتخصصة في تسويق المجوهرات.
تفشل بعض الشركات الناشئة في مصر بسعيها لتكرار تجربة خارجية بحذافيرها مثل تأسيس شركة ناشئة لتوزيع الصحف على المنازل بواسطة الدراجات وهو أمر كان منتشرا في الغرب، أو شركة لتنظيم المهرجانات والاحتفالات تقليدا للتجارب الهندية، رغم اختلاف العادات والتقاليد.
الجوانب التسويقية تقف وراء نحو 15% من الشركات الناشئة، فكثير منها عملت لمدة تقارب العامين دون أي صدى على شبكة الإنترنت وبعضها اكتفى فقط بحملات إعلانية سريعة على موقع التواصل الاجتماعي وبمبالغ زهيدة، ففشلت الفكرة حتى لو كانت عظيمة بسبب عدم الترويج لها.
من بين المشكلات أيضا تكرار الأفكار، فبين 117 شركة ناشئة تركز على التجارة يوجد (12.8%) تعتمد على متاجر التجارة الإلكترونية متعددة المنتجات على شاكلة جوميا وأمازون، و(16.2%) تركز على الملابس والإكسسوارات، و(13.7%) على المواد الغذائية والمشروبات والبقالة.
كما تعاني الشركات الناشئة من فكرة قاصرة لمؤسسيها، تعتبر أن تأسيسها وإدارتها عمل سهل دون خبرات إدارية، وهي مشكلة عالمية وليست محلية فقط تتسبب في انهيار المؤسسة خاصة حال ضم موظفين ليست لديهم نفس قناعات أو حماس المؤسسين، بجانب التفسير الخاطئ للإيجابيات أو ارتباط الطلب بظروف مؤقتة.
توم أيزنمان، أستاذ إدارة الأعمال في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، يقول إن الشغف هو أحد مشكلات رواد الأعمال في العالم، إذ يعميهم عن حقيقة أن منتجهم لا يلبي احتياجات العملاء، ونظرا لأن الموارد محدودة، يجب على رواد الأعمال الحفاظ عليها من خلال التقشف وإيجاد طرق ذكية لتحقيق الاكتفاء بأقل تكلفة ممكنة (لا تراعيه كثير من الشركات وتتوسع في التوظيف والفروع بصور لا تتناسب حجم المنتج).
على المستوى العالمي، يتم تدشين العديد من الشركات الصغيرة شهريا لكن هناك معدل فشل بالسرعة ذاتها، فتقارير عام 2021، تشير إلى فشل 20% خلال العام الأول، و50% في غضون خمس سنوات، و65% في غضون 10 سنوات، وكانت الأسباب تتعلق بنقص التمويل، وغياب التسويق الجيد، وعدم معرفة رغبات الجمهور أو دخله.
المطلوب للنجاح
بحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، احتلت مصر المرتبة الأولى عربيا وعالميا في تأسيس الشركات الناشئة، مرجعا ذلك لتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الجذرية اتساقا مع منظومة الشباك الواحد وبالتكامل مع الجهات الحكومية المعنية في إطار منهجية متكاملة للإصلاح تشمل القيام بإصلاحات تشريعية وتطبيق منظومات عمل مدعومة إلكترونيا في إطار التحول الرقمي.
ذللت الحكومة بعض التعقيدات التي تقف في طريق الشركات الناشئة من بينها عدم إلزامها بوجود مقر فعلي لتحصل على شكل قانوني أثناء عملية تأسيس الشركة، ما يفتح المجال أمام تأسيس شركات افتراضية للشركات المعتمدة على تكنولوجيا المعلومات.
لكن لا تزال التقارير الدولية تطالب بإزالة العوائق القانونية التي تدفع ببعض الشركات الناشئة لاتخاذ مقر في المنطقة العربية رغم عمل موظفيها ووجود عملائها بمصر، بجانب تبسيط اللوائح خاصة فيما يتعلق بعقود المشتريات الحكومية ومنحها الأولوية في التوريد أو تقديم الخدمات لرقمية.
تطالب التقارير أيضا بإنشاء صندوق يدعم بدايات التشغيل ما يساعد على توجيه الموارد إلى الشركات الناشئة من قبل القطاع الخاص والجهات المانحة على أساس معايير موضوعية ومحكومة بالطلب، وهو أمر من شأنه أن يحل مشكلة يعاني منها المؤسسون، تتمثل في انفصال خطط التوسع عن الطلب بالسوق.
يطالب المساهمون في الشركات منذ سنوات بمواد تنظيمية تحمي حقوق مستثمري الأقل حتى لا يكونوا عنصرا سلبيا في عمليات البيع والاستحواذ، بجانب إنشاء مؤسسة مالية مستقلة على غرار ما تشهده دبي وأبو ظبي، للمساعدة في تقليل العوائق أمام إنشاء الشركات وتشجيع تدفق التمويل في السوق المصري، وتمكين المستثمرات من تجاوز القيود الثقافية والاجتماعية.
امام تزايد مشكلات الشركات الناشئة وأعداد رواد الأعمال، تم تأسيس مبادرة رواد النيل بالتعاون بين جامعة النيل والبنك المركزي، والتي تهدف إلى دعم الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في مجالات التصنيع والزراعة والتحول الرقمي خاصة برامج الاحتضان التي تقدم جميع الأدوات والتقنيات والدعم للشركات الناشئة للنمو والنجاح والاستقرار.
لكن الإشكالية أن المبادرة تقدم خدمات للراغبين على مستوى التدريب والاحتضان، لكن الكثير من رواد الأعمال لديهم قدر من الغرور واستسهال النجاح، وقناعات تعلي الفكرة على الإدارة.