تشهد أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم -الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- تباطؤا حادا للنمو وتضخما كبيرا يجعل وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي خلال العام القادم تهوي به في غمرة الركود.
وفي دراسة جديدة للبنك الدولي بعنوان” الركود العالمي.. هل هو وشيك؟” أشارت إلى أن العالم يتجه نحو الركود في 2023.
وأضافت الدراسة: “ستستمر سلسلة الأزمات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية. ومن المرجح أن تتجه البنوك لزيادة الفائدة لمكافحة التضخم. لكن ذلك ليس كافيا. فعلى واضعي السياسات الاهتمام أيضا بتحسين الإنتاج أكثر من تخفيض الاستهلاك”.
وتعتمد الدراسة على الاستفادة مما حدث سابقا من نوبات الكساد العالمي لتحليل تطور النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة. وتعرض السيناريوهات المحتملة للسنوات 2022-2024. فتباطؤ مثل ذلك الذي يشهده العالم حاليا يتطلب في العادة انتهاج سياسات لمناهضة التقلبات الدورية لمساندة النشاط الاقتصادي.
لكن خطر التضخم ومحدودية الحيز المتاح للإنفاق في إطار المالية العامة يحفزان واضعي السياسات في كثيرٍ من البلدان على سحب الدعم الذي تتيحه السياسات رغم التباطؤ الحاد للاقتصاد العالمي.
وأشار البنك إلى أن زيادة أسعار الفائدة والإجراءات الأخرى على صعيد السياسات النقدية قد لا تكفي لخفض معدلات التضخم للمستويات التي كانت سائدة قبل تفشِّي جائحة كورونا.
ملامح الأزمة
ارتفاع التضخم وتراجع النمو وأزمة سلاسل الغذاء وأسعار الطاقة ضمن أزمة عالمية مرتقبة. وربما يكون التعافي حاليا هو الأصعب منذ 1970.
ويتوقع المستثمرون قيام البنوك برفع أسعار الفائدة إلى نحو 4% خلال عام 2023. بما يزيد على نقطتين مئويتين عن متوسط أسعار الفائدة في عام 2021.
وأشارت الدراسة إلى أنه ما لم ينحسر تعطُّل سلاسل الإمدادات، وضغوط أسواق العمل، فإن تلك الزيادات لأسعار الفائدة قد تُفضي إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي على مستوى العالم (ماعدا الطاقة) في 2023 إلى نحو 5% بالمائة، أي ما يعادل تقريبا ضعفي المتوسط في السنوات الخمس قبل الجائحة.
ووفقاً للنموذج الذي اعتمدت عليه الدراسة، فإنه لخفض التضخم العالمي إلى المستويات المستهدفة، قد يتعيَّن على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة نقطتين مئويتين إضافيتين.
وإذا صاحبت هذه الإجراءات زيادة الضغوط في الأسواق المالية فإن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي سيتراجع إلى 0.5% في 2023. وهو انكماش قدره 0.4% من حيث متوسط نصيب الفرد من النمو يوافق التعريف الفني لركود عالمي.
وتعقيبا على الدراسة قال رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس: “يشهد النمو الاقتصادي العالمي تراجعا حادا. ومن المرجح زيادة تباطؤ النشاط الاقتصادي مع انزلاق مزيد من البلدان في غمرة الركود”. وأضاف: “ما يثير قلقي البالغ هو احتمال أن تستمر هذه الاتجاهات وما لها من تداعيات طويلة الأمد ذات آثار مُدمِّرة للشعوب في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية”.
وتُبيِّن تجربة السبعينيات واستجابات السياسات في مواجهة الكساد العالمي في 1975 وفترة الركود التضخمي التي أعقبته والكساد العالمي في 1982 خطر السماح باستمرار ارتفاع معدلات التضخم لوقت طويل في ظل ضعف النمو.
وتزامن الكساد العالمي في 1982 مع ثاني أدنى معدل للنمو في الاقتصادات النامية خلال العقود الخمسة الماضية لا يسبقه في هذا الترتيب سوى المعدل في 2020.
وأفرز هذا الكساد أكثر من 40 أزمة مديونية وأعقبه عقدٌ من تراجع النمو في كثيرٍ من الاقتصادات النامية.
آفاق التعافي
زيادة الإنتاج لمواجهة التضخم العالميولتحقيق معدلات تضخم منخفضة واستقرار العملات وتسريع وتيرة النمو ينبغي لواضعي السياسات تحويل تركيزهم من تخفيض الاستهلاك إلى تعزيز الإنتاج.
ويجب أن تسعى السياسات إلى توليد استثمارات إضافية وتحسين الإنتاجية وتخصيص رأس المال. وهي عوامل ضرورية لتحقيق النمو والحد من الفقر.
وخلصت الدراسة إلى أنه ينبغي للبنوك المركزية أن تواصل جهودها لاحتواء التضخم. وهو ما يمكن القيام به دون التسبُّب في ركود اقتصادي عالمي. ولكن ذلك سيتطلب إجراءات مُنسَّقة من طائفة متنوعة من جانب واضعي السياسات. منها إعلان البنوك المركزية بوضوح قرارات السياسات مع الحفاظ على استقلاليتها. فضلا عن تقوية القواعد التنظيمية الاحترازية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية وتكوين احتياطات من النقد الأجنبي.
كما يتعين على السلطات النقدية أن تدرس بعناية سحب الدعم الذي تتيحه السياسات مع الحفاظ على الاتساق مع أهداف السياسة النقدية.
خفض استهلاك الطاقةومن المتوقع أن تصل نسبة البلدان التي تقوم بتشديد سياساتها المالية العام القادم إلى أعلى مستوى لها منذ أوائل التسعينيات. وقد يؤدي هذا إلى تضخيم آثار السياسة النقدية على النمو.
ويجب أيضا على واضعي السياسات رعاية خطط موثوق بها للمالية العامة في الأمد المتوسط وتقديم مساعدات مُوجَّهة إلى الأسر الأشد احتياجا والأولى بالرعاية.
كما يتعين الانضمام إلى جهود مكافحة التضخم. لا سيما من خلال اتخاذ خطوات لتعزيز سلاسل الإمدادات العالمية.
وتشمل هذه الجهود تخفيف القيود على سوق العمل. بالإضافة إلى أهمية مساعدة تدابير السياسات على زيادة المشاركة في القوى العاملة وتقليص ضغوط الأسعار. ويمكن أن تسهم سياسات سوق العمل في تسهيل إعادة توزيع العمال المسرحين.
وانتهت الدراسة إلى ضرورة تعزيز الإمدادات العالمية من السلع الأولية. ويمكن أن يقطع التنسيق العالمي شوطا كبيرا في زيادة إمدادات الغذاء والطاقة. بالإضافة إلى تقوية شبكات التجارة العالمية وتخفيف الاختناقات في سلاسل الإمداد. وفيما يتعلق بسلع الطاقة يجب على واضعي السياسات تسريع التحول إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون واتخاذ تدابير للحد من استهلاك الطاقة.