كتب- عبد الوهاب شعبان
عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي تشير تعليقات قطاع من المصريين إلى خلل في موازين حياتهم اليومية، يقابلها على الجانب الآخر غياب التفاؤل في نظرة الشباب للمستقبل، يفرضه واقع فاتورة إصلاح اقتصادي تعتمدها الحكومة، بينما الإعلام يعلي من شأن الإعلانات التجارية الاستهلاكية، ويجهض أحلام الطبقة المتوسطة غير القادرة على مجاراة بورصة الاستهلاك المرتفعة.
احتلت مصر أخيرًا المرتبة 129 في مؤشر السعادة العالمي الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، من بين 146 دولة حول العالم. فيما اعتلت “فنلندا” قائمة الدول الأكثر سعادة.
يعتمد مؤشر السعادة العالمي في تصنيف البلدان على عوامل متعددة، من بينها: الناتج المحلي الإجمالي للفرد. بالإضافة إلى الدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر الصحي المتوقع. فضلًا عن حرية اتخاذ خيارات الحياة، وتصورات الفساد، عبر تقييم عناصر محددة للرفاهية. وكذا تقييم الحياة بواسطة استطلاعات رأي.
بينما تشير تصريحات صادرة عن دوائر حكومية، إلى أن البلا تواجه حربًا لإشاعة الإحباط واليأس في أوساط المجتمع، تقف وراءها قنوات معادية لمصر، وتتزعمها جماعات تركز على السلبيات فقط، فإن خبراء اجتماع يحملون وسائل الإعلام المحسوبة على الدولة، مسئولية تفشي شعور عام لدى المصريين بعدم الرضا. إذ تبث محتوى إعلاني يتجاوز سقف طموحات الطبقة المتوسطة، ويلح على أفرادها ليل نهار إزاء قدرة استهلاكية تتراجع باستمرار بسبب غلاء الأسعار المتدافع بفعل الأزمة الاقتصادية.
الضيق موجود.. ولكن
كشأن أي مجتمع، هناك حالة من الضيق تسود قطاعًا واسعًا من المصريين. لكن توصيف حالة الضيق تلك بأنها “ظاهرة عامة” أمر مبالغ فيه، ويحتاج إلى مؤشرات ومقاييس قبل إطلاقه، حسبما يفيد الدكتور حسن الخولي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الذي يضيف أن هذا لا يعني أن المجتمع المصري معافى من الأمراض النفسية الناتجة عن الإحساس بعدم الأمان. خاصة المرتبط بأزمات عالمية كالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، إلى جانب ظهور الأوبئة مثل “كورونا” وما تبعه، والأثر الاقتصادي الضاغط على معظم المجتمعات، على حد قوله.
يقول “الخولي” إن تراجع الموارد الاقتصادية قياسًا على زيادة عدد السكان، وإعلانات “الفيلات” المقدرة بالملايين، والمكررة يوميًا على مجتمع يعاني في توفير احتياجاته الأساسية، خلق استفزازًا شعبيًا. وهو يمثل عدم موضوعية في الطرح الاقتصادي، لا تتناسب مع انخفاض دخل الفرد، وعدم كفاية الحماية الاجتماعية، وكلها أمور تعزز النظرة التشاؤمية للمستقبل.
وقد سجّل متوسط دخل الفرد السنوي خلال عام 2021 ما يقدر بـ 25.1 ألف جنيه، مقارنة بـ 23.5 ألف جنيه خلال عام 2020، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. في حين أن متوسط دخل الأسرة بشكل كامل يصل إلى 60.599 ألف جنيه سنويًا.
دور الإعلام
يشير الخولي، في حديثه لـ”مصر360″، إلى ضرورة قياس حالة الرأي العام، مع فرض رقابة على منصات التواصل التي تبث روح التشاؤم، ومراجعة دور الإعلام الذي هو من وجهة نظره أكبر مسببات الأزمة، بسبب سياسته التي تفضل المسعى التجاري الربحي المحبط لطموحات الناس، على حساب رفع درجة الوعي اللازم لمواجهة الأزمات الراهنة.
مثلًا، ظهر الإعلامي عمرو أديب في إحدى حلقات برنامجه المذاع على فضائية “MBC مصر”، ينذر المصريين بأن القادم “مخيف”، ويحذر من موجة غلاء حادة، ووضع اقتصادي مربك على مستوى العالم.
لا يستبعد أستاذ علم الاجتماع الربط بين حالة الضيق العام -حسب وصفه- ومنحنى الجرائم الغريبة الآخذ في التصاعد في الفترة الأخيرة. وهو يؤكد أن المجتمعات عندما تزداد توترًا تظهر الجريمة، وترتفع معدلات الطلاق المدفوعة بضغوط نفسية واقتصادية واجتماعية، وتتداخل لتصنع جوًا مشوبًا بزعزعة الاستقرار على مستوى الأسر والدولة.
وحسب رؤيته، فإن تحقيق السلم الاجتماعي وصناعة الأمل وإشباع رغبات الطبقات الفقيرة عبر حزم حماية اجتماعية ليس أمرًا مستحيلًا إذ شاركت الدولة عبر مشروعاتها التي تخدم هذه الأهداف، رؤى ومسئولية وطنية من رجال الأعمال تدعم البعد الاجتماعي للمواطنين. إذ أن تقليل أثر الأزمة الاقتصادية على قطاعات محدودي الدخل، والعمل على مشروع تقارب اجتماعي بين الطبقات يصل بها إلى مرحلة الرضا الاجتماعي، أمر ليس من الرفاهية بل الضرورة.
اقرأ أيضًا: باب الخروج.. سياسات الإصلاح الصحي الشامل والمبادرات الرأسية
حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن أكثر الفئات العمرية انتحارًا خلال السنوات الثلاث الماضية هم الشباب ما بين العقدين الثاني والثالث. في حين أن عام 2021 شهد 2584 حالة انتحار، وفق إحصائية رسمية صادرة عن مكتب النائب العام.
صناعة الإحباط
يعتقد الدكتور عبد الحميد زيد، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم، بأن الإحباط يمكن تصديره وصناعته لاستهداف المجتمعات. ويعتقد أن هذا يتم في الوقت الراهن عبر حملات إعلامية ممنهجة من قنوات لها نسب مشاهدة عالية، يمكنها أن تتسبب في بث روح اليأس بين المواطنين، اتكاءً على ظروف الغلاء الراهنة وارتفاع الأسعار وانخفاض دخل الفرد. رغم أنها أمور ناتجة عن أزمة عالمية ومتكررة في معظم الدول حاليًا.
لكن، ذلك لا ينفي أن الإحباط ينتج عن يأس من تحول الإنسان إلى وضع أفضل مما هو عليه، وانعدام أمل في تحسن مستوى المعيشة، ويرجع ذلك حسب رؤية أستاذ علم الاجتماع إلى أسباب موضوعية ونفسية واقتصادية، مؤكدًا أن هذا الشعور قد لا يكون منطقيًا.
وبينما يرفض أستاذ علم الاجتماع حصر عوامل الإحباط لدى المصريين في جانبي السياسة والاقتصاد فقط، يلفت إلى أن ثمة إحباط قد يسيطر على المهتمين برياضة كرة القدم ومشجعي الأندية الجماهيرية مثلًا، حال تعثر فريقهم لفترة طويلة، معرجًا إلى أن الثقافة العامة للمواطنين هي التي تحدد مستقبلهم، وأسلوب حياتهم في تقرير المرغوب فيه من عدمه.
والإحباط -من وجهة النظر هذه- لا يعالج، لأن الشعور بالرضا أمر ذاتي ينبع من داخل الإنسان. لكن ذلك لا يعني التوقف عن توعية المواطنين بالحقائق والمشكلات المجتمعية، على حد قول أستاذ علم الاجتماع، باعتبار أن المكاشفة من شأنها تخفيف حدة الضغوط، وتعريف المواطن بالظروف المرتبطة بالوضع الاقتصادي الحالي.
كيف نصنع الأمل؟
ترى الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع أن هناك ضعفا عاما في الشعور بالأمان، مصحوب بانخفاض الأمل في حل المشكلات المتراكمة على قطاعات كبيرة من المواطنين. وهي ترجع ذلك إلى عدة أمور من بينها “أزمة كورونا” وتراجع قطاع السياحة وموجة الغلاء، التي فتحت نوافذ تسلل منها الإحباط إلى نفوس المصريين. ومع ذلك، تشير إلى أن الوضع المحلي لا يختلف كثيرًا عن العالمي في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة دوليًا.
وفقًا لآخر تقديرات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2020، فإن نحو نصف المواطنين الذين يعيشون في المناطق الريفية بصعيد مصر يقعون تحت خط الفقر في العام المالي 2020/2019، مقابل 29.7% على مستوى البلاد.
رغم ذلك، ترى الدكتورة هدى زكريا أن الضغوط النفسية التي يعانيها المصريون حاليًا قابلة للعلاج إذا تضافرت جهود المتخصصين في طرح أوراق عمل لحصار موجات الإحباط التي تهب في أحيان كثيرة بشكل مبالغ فيه من خارج البلاد.
وقد ارتفعت قيمة الدعم الغذائي للأسرة -حسب بيان الحكومة المصرية- لتصل إلى متوسط 2000 جنيه سنويًا، مقابل 860 جنيهًا عام 2015.
تقر الدكتورة هالة يسري أستاذ علم الاجتماع بشعور الإحباط المتصاعد بين المصريين. لكنها ترجعه إلى الانسياق وراء انطباعات رواد وسائل التواصل الاجتماعي. وهي تشير إلى أن البطالة هي السبب الأبرز في شعور اليأس لدى الشباب. لكنها تستدرك فتقول: “في النهاية هم يريدون حلولًا مفصلة لمشاكلهم، دون أثر لجهد منظم، مع تقليل سقف الطموح في بداية الحياة العملية، حتى يصلوا لمراحل النضج”.
كما تؤكد على ضرورة أن تلعب الدولة دورًا مهمًا في علاج الظواهر النفسية بشكل عام، عبر تنسيق مع منظمات المجتمع المدني، ووضع استراتيجية علمية وعملية لمواجهة المناخ التشاؤمي.