في مصر 91 حزبًا سياسيًا رسميًا، وما لا يقل عن 25 نقابة مهنية، و18 ألف جمعية أهلية، و596 ممثلًا عن الشعب تحت قبة مجلس النواب، و300 عضو بمجلس الشيوخ. إلا أن حالة من غياب التواصل والفعالية لا تزال ملحوظة بين المواطنين والسلطات التنفيذية في البلاد، سببها تراجع أدوار تلك المؤسسات الوسيطة.
تُعرف المؤسسات الوسيطة في علوم السياسة بأنها “الأحزاب والنقابات والحركات التي تمثل قوى الشعب، وتملك القدرة على التعبير عن مطالبه”. وهي منوط بها تشكيل حلقة وصل فاعلة بين المواطن والمستويات الأعلى من السلطة التنفيذية.
نظام انتخابي عتيق
يقول نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، إن المواطن ومصالحه ومستقبله وأولوياته تتأثر بغياب المؤسسات الوسيطة. وإن قياس غياب هذه المؤسسات سهل إذا نظرنا إلى 82 حزبًا قائمًا لا يتخطى الممثلون بها مليون مصري من أصل 65 مليونًا لهم الحق في ممارسة السياسة والانضمام لأحزاب بين أكثر من 100 مليون نسمة.
ويرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن هناك ضعف حقيقي تعاني منه تلك الكيانات المفترض لها أن تشكل حلقة وصل بين المواطن والمستويات الأعلى في السلطة، لنقل مطالبه وما يطمح إليه. ذلم لما تتعرض له من تضييق واختناق سياسي.
والحقيقة أنه لا يمكن المساواة بين أدوار المؤسسات الوسيطة، وإنما رصد المشترك بينها أسهل. إذ كلها يتعرض للاختناق والتضييق المستمر، على حد قول “ربيع” في حديث لـ”مصر 360″. وهذا التضييق يختلف باختلاف كل مؤسسة والدور المنوط بها، وليس بالضرورة أن تكون كل التضييقات من الداخل. وإنما قد ترتبط بالخارج أحيانًا. لكن في المجمل يكون المتضرر الوحيد هو المواطن المصري.
يضيف: أحد أكبر الأسباب التي أدت إلى ضعف تلك المؤسسات الوسيطة، هو النظام الانتخابي الذي يعود إلى العام 1866، مع انتخاب أول مجلس نواب يعبر عن الأمة.. نحن منذ ذلك الحين وحتى الآن، نعتمد نظامًا لانتخاب ممثلي الشعب لا يعزز من وجود قوى وكتل حزبية تعبر عن جموع الناس، وإنما يقوم على “الأغلبية” التي تتكون في 95% منها من وصول نماذج “فردية” للبرلمان، وليست قوى حزبية منظمة.
“النظام الأغلبي في التمثيل النيابي لايمنح الأحزاب فرصة وإنما يخنقها بالمعنى الحرفي”؛ يقول “ربيع”.
المركزية والمؤسسات الوسيطة
يشير نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أيضًا إلى أن أحد أسباب انحسار الأدوار المطلوبة من الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني برزت خلال السنوات الماضية في “المناخ العام” الذي تشكله “القوانين والتشريعات”. فمنذ العام 1914 ومناخ التشريعات والقوانين في مصر محكوم بالطوارئ أغلب الوقت وليس بالقوانين العادية. الأمر الذي يضع قيودًا على كاهل كل من يتصور في نفسه “حلقة وصل” بين المواطن والسلطات التنفيذية.
“الدولة المركزية تحد من سلطات المؤسسات الوسيطة”، يقول “ربيع”، بينما يلفت إلى أن طبيعة الدولة المصرية منذ نشأتها، تمنح الثقة الكاملة للمؤسسات البيروقراطية العتيدة، فتغلق المجال العام، وتضع الأطر التنظيمية القوية التي تصل إلى حد الشمولية والسلطوية خدمة لهدف لمركزي. ومن ثم لا تكون هناك فرصة أمام أي قوى منظمة لتمثيل المواطنين، وإن وجدت، فإنها تكون خارج الإطار الشرعي مثل جماعة الإخوان المسلمين كنموذج تاريخي.
يقول “ربيع” في الكيفية التي يمكن من خلالها إنعاش المؤسسات الوسيطة وضخ الدماء في شرايين أعضائها، أنه يجب البدء فورًا في دراسة حالة لتلك الكيانات الوسيطة؛ ديمقراطيتها وتمويلها وحوكمتها واختيار قيادتها وجماهيريتها في الشارع ومقدار ضغوط النظام عليها. على أن يبدأ تفعيلها بعد ذلك في الشارع، بمنحها جرعات كبيرة من الحرية في التعبير والمؤتمرات والتفاعل مع الناس. وكذا إتاحة كل وسائل تواصلها مع الجماهير.
وهو يعول على الحوار الوطني أن يتمكن من كسر حالة جمود تلك المؤسسات بمنحها الحرية اللازمة التي تمكنها من القيام بدورها بين الدولة والمواطن.
ضرورة للوطن والمواطن
يربط أمين عام حزب “المحافظين” ومقرر لجنة الدين العام وعجز الموازنة والإصلاح المالي بالحوار الوطني، طلعت خليل، بين ضعف الأحزاب وتهميش دورها، واتخاذ قرارات سياسية واقتصادية خاطئة تؤدي في النهاية إلى زيادة في الديون أو تشوهات في الموازنة أو إسراف في القروض وغيرها. وهو يؤكد على حاجة البلاد قبل المواطن لإيجاد أدوار فاعلة للنقابات والجمعيات الأهلية ومنظمات العمل المدني والأحزاب السياسية. لما سيؤدي إليه ذلك من فك جمود المشهد الحالي، ويوسع المجال أمام الحريات، ويمنح المجال أمام إعلام حر وقوى وتيارات قادرة على تصويب أي قرارات خاطئة.
ويؤكد “خليل” إن إنجاح المحور السياسي في الحوار الوطني هو أساس نجاح أي مساع أخرى في المحورين الاقتصادي والمجتمعي، مشددًا على ضرورة إنهاء حالة الضعف والركود التي عانتها “المؤسسات الوسيطة” فلم تتمكن من تلبية احتياجات المواطن ولم تتمكن من ممارسة دورها بينه وبين الدولة.
الصورة داخل الحوار الوطني
في 11 سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلنت الإمانة الفنية للحوار الوطني عن تشكيل: مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي – حقوق الإنسان والحريات العامة – الأحزاب السياسية – النقابات والمجتمع الأهلي. وهي وثيقة الصلة بالمؤسسات الوسيطة، ومن شأن ذلك أن يدفع العمل والحوار بشأنها.
يرى النائب إيهاب الطماوي، مقرر لجنة الأحزاب السياسية في الحوار الوطني، أن الحياة الحزبية والسياسية في مصر شهدت تطورًا ملحوظًا على مدار السنوات الأخيرة. إذ نهضت “المؤسسات الوسيطة” من أحزاب وجمعيات ومنظمات مجتمع مدني بالعديد من الأدوار خلال الفترة الماضية، وسلكت مسارًا دستوريًا وقانونيًا في استحقاقات انتخابية عدة، أفرزت برلمانًا يمضي نحو عامه الثامن في فصلين تشريعيين مختلفين. ذلك بالإضافة إلى أحزاب باتت تتمتع بتواجد قوي بين قواعدها الشعبية من المواطنين، وتيارات شبابية وحزبية وسياسية شديدة الالتصاق بالشارع ومتطلباته، على حد قوله.
ويضيف أنه منذ العام 2014، تعيش المؤسسات الوسيطة فترة انتعاش وتدفق في الدماء الحزبية والسياسية والبرلمانية. فهناك جرعات تنشيط مستمرة في أروقة الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وهناك لجان برلمانية تختص بشؤون الزراعة والصناعة والمعاشات والتضامن الاجتماعي وغيرها، وهناك أحزاب سياسية كحزب الأغلبية حاليًا، يحرك المبادرات المجتمعية بلا توقف، والقوافل الصحية، وله تواجد ملموس في معارض المدارس ومستلزمات الأعياد ودعم الشباب والمرأة والمسنين وغيرهم.
يؤمن الطماوي بأن البلاد حاليًا في مرحلة استعادة توازن وتأثير وفاعلية المؤسسات الوسيطة من أحزاب وقوى سياسية ومجتمعية، وأن ضامن ذلك حاليًا الحوار الوطني بما يزخر به من عشرات شخصيات السياسة والاقتصاد والاجتماع، ضمن لجان متنوعة تتعلق بالأسرة وشؤون الأحزاب والمحليات والصحة والقضايا السكانية، تعمل كلها على صياغة رؤى وأطروحات وتوصيات ستعرض على الرئيس في هيئة أفكار تنفيذية وتشريعية.