في الوقت الذي تتدافع فيه القوى العالمية لممارسة نفوذ لها في أفغانستان عقب عودة حركة طالبان للسيطرة على البلاد. فضلا عن بروز قطر وتركيا كوسيطين يعملان على تسهيل الأمور -بخلاف الإمارات المنافسة على دور هناك- يطفو على السطح تساؤلات متعلقة بإمكانية دخول مصر المنافسة في ظل امتلاكها ما يؤهلها له حال أعادت القاهرة اكتشاف مواطن قوتها وصياغة دورها الإقليمي.
وتمتلك مصر من مقومات القوة الناعمة ما يؤهلها لدور إقليمي أوسع حال ما أحسن صانع القرار توظيف تلك المقومات. المتمثلة في التاريخ كرصيد حضاري والموقع الذي يمثل الثقل الديموغرافي في قلب الأمة العربية والإسلامية. والأهم من ذلك كله المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر بما يمنحها مكانة إسلامية خاصة.
وفي الحالة الأفغانية -إذا قررت مصر لعب دور يعزز مكانتها الإقليمية وامتلاكها مزيدا من الأوراق التي تساعدها على إدارة ملفاتها وأزماتها وكذلك مصالحها في الإقليم بشكل أكثر كفاءة- فإن مؤسسة الأزهر بما تملكه من رصيد في العالم الإسلامي يمتد لأكثر من ألف عام يجعلها بوابة يمكن عبرها نفاذ مصر إلى المشهد الأفغاني بسلاسة.
وأرسل الأزهر بعثة تعليمية إلى أفغانستان عام 2007 بهدف نشر تعاليم الإسلام الصحيح في بلد كانت الجماعات المسلحة تستخدم الدين فيه مبررا للقتال.
وعادت البعثة المؤلفة من 23 شخصا إلى مصر بعد أن تقطعت بهم السبل لفترة وجيزة في كابول عندما اجتاحت طالبان العاصمة الأفغانية. وكان أعضاء البعثة يُستبدلون كل ثلاث سنوات تقريبا.
وكان الأزهر يستضيف نحو 700 تلميذ من الذكور في معهده التعليمي في كابول الذي أسس عام 2009. وعلى مدار سنوات نال آلاف الطلاب منحا لاستكمال دراستهم في كليات جامعة الأزهر في القاهرة. وكان أعضاء البعثة يلقون محاضرات وخطبا في عدة محافل وكانوا يظهرون في كثير من وسائل الإعلام الأفغانية.
مؤهلات تعزز موقف الأزهر كرأس حربة لدور مصري
المتابع لجولات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الخارجية ولقاءاته مع زعماء العالم يدرك فورا حجم التأثير والتقدير الذي يكنه المسلمون عموما -وفي آسيا خصوصا للأزهر وإمامه. ما يجعلهما من أبرز أدوات القوة الناعمة التي تستطيع مصر الاعتماد عليها للتأثير فى محيطها الإقليمي والدولي.
وفي الحالة الأفغانية عززت سياسة الحياد التي اتبعها الأزهر تجاه الأطراف كافة هناك. وإصراره على نشر تعاليم الإسلام الوسطي دون الانخراط في صراعات جانبية من مكانة المؤسسة في الأوساط الأفغانية. بما فيها الحكام الجدد -حركة طالبان بكل أجنحتها.
إلى جانب ذلك يعد الموقف التاريخي لمشيخة الأزهر وإمامها “الطيب” برفض فكرة التعميم في إصدار الأحكام الشرعية المتعلقة بالتكفير من أبرز العوامل التي تعزز دور الأزهر ليكون رأس حربة لدور مصري إذا ما قرر صانع القرار تلك الخطوة.
ففي الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول 2014 أصدر الأزهر بيانا رفض فيه تكفير تنظيم “داعش” الإرهابي قال فيه “لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2015 قال شيخ الأزهر خلال لقائه بطلاب جامعة القاهرة إنه “لكي تكفّر شخصا يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن”. مشددا أن “داعش لا أستطيع أن أكفرها. ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض. فداعش تؤمن أن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالا. فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألوم عليه الآن”.
دور الأزهر في نفوذ القاهرة إقليميا
كما يعزز وضع أفغانستان فرص مؤسسة الأزهر وشيخها للعب دور مصري. من شأنه استعادة نفوذ القاهرة في قضايا الإقليم. فأفغانستان في هذا الإطار دولة حبيسة ومحاطة من جميع الاتجاهات بمن هم أكبر وأقوى منها.
الاتجاه الشمالي في الحالة الأفغانية يمثل النقطة التي يمكن أن يلتقي فيها تأثير مؤسسة الأزهر وشيخها بالمصالح الأفغانية. حيث توجد ثلاث دول هي تركمانستان وطاجيكستان وأوزباكستان. وثلاثتهم يُنظر فيهم إلى المشيخة بقدر كبير من الإجلال. ويحظى فيهم شيخ الأزهر خلال زياراته باستقبال خاص على المستويين الرسمي والشعبي. ربما لا يحظى به قادة دول كبيرة في المنطقة.
في هذا السياق يرى الدكتور ناجح إبراهيم -المفكر الإسلامي والخبير في شئون الحركات الإسلامية- أن مؤسسة الأزهر “السنية” تمتلك مقومات تجعلها مؤهلة للعب دور واسع في القضية الأفغانية عموما. وتعظيم الدور المصري في مناطق الصراع والنفوذ المختلفة.
ويشير “إبراهيم” لـ”مصر 360″ إلى أن التركيبة الحالية في أفغانستان خاصة بعد سيطرة طالبان على الحكم تعزز دور الأزهر وإمامه. خاصة أن الحركة لم تعد بالتشدد الذي كانت عليه سابقا. وباتت أكثر براجماتية واكتسبت المزيد من الخبرة. متابعا: “على سبيل المثال المتابع لواقعة اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري هناك ربما يستنتج أن تلك العملية تمت بعلم ورضا الحركة وهو ما اتضح في عدم اتخاذها أي ردة فعل”.
براجماتية طالبان وفرصة الأزهر في أفغانستان
ويلفت “إبراهيم” إلى أن البراجماتية التي اكتسبتها طالبان تجعلها في حاجة إلى أطراف ذات موثوقية بالنسبة لهم. وهو ما يجعل الأزهر مؤهلا لهذا الدور بدرجة كبيرة. خاصة في ظل عدم تورطه في التوسع في عمليات التكفير والمغالاة فيها. بالإضافة إلى السمعة الطيبة التي يتمتع بها شيخ الأزهر في العالم الإسلامي. وكذلك كون الأزهر يمتلك علاقات قوية في المحيط المؤثر في أفغانستان مثل باكستان.
الأمر نفسه يؤكده اللواء محمد عبد الواحد -الخبير في شئون الأمن القومي والعلاقات الدولية- بقوله إن التركيبة الحالية سواء على المستوى الشعبي أو الغالبية العظمى من أجنحة حركة طالبان تقبل بدور مصري. وكذلك دور واسع للأزهر. مضيفا لـ”مصر360″ أن الشعب الأفغاني يفضل الأزهر دون غيره. خاصة في ظل ما لعبته المؤسسة من دور لترسيخ الدين المعتدل هناك. كما أن هناك أعداد ليست بالقليلة تتحدث اللغة العربية باللهجة المصرية. متوقعا أن يحظى الدور المصري بترحيب عن غيره كالتركي والإيراني. للقناعة الخاصة بأن القاهرة لن يكون لها مصالح. وأن ما يهمها فقط هو حفظ الأمن في تلك المنطقة.
معالجة مصرية تحتاج إلى إعادة صياغة
منذ سيطرة حركة طالبان على الوضع في أفغانستان في أغسطس/آب من العام الماضي وفرار الرئيس الأفغاني أشرف غني انقسم التعاطي المصري مع الأزمة لمستويين. أولهما متعلق بمخاوف القاهرة من تحول أفغانستان مجددا إلى بؤرة كثيفة للأصولية والتطرف والإرهاب ومن ثم تهديد مصر وباقي المنطقة العربية.
وضمن نظرة أوسع لطبيعة الصراعات بين القوى العالمية كانت هناك رؤية مصرية تستند إلى نظرية المؤامرة التي ترى أن ما يحدث في أفغانستان يأتي بناء على ترتيب أمريكي أفغاني. حيث رأت الولايات المتحدة أن تطلق “الغول” الأصولي الأفغاني على كل من الصين وروسيا لكي تعوق تقدم الأولى وتضغط على الثانية حتى تقدم تنازلات للولايات المتحدة.
الوجه الآخر للرؤية المصرية بشأن التعاطي مع ما حدث في أفغانستان يمتد إلى الدول العربية الخليجية. حيث ترى أن “الغول الأصولي” الذي أطلقته واشنطن مستهدفا لها. ومن ثم تلجأ إلى الولايات المتحدة التي تستغلها وتحصل على أموالها مقابل سلاح لن يستخدم.
وهنا يرى الخبير في شئون الحركات الإسلامية ناجح إبراهيم أهمية لعب مصر دور يسمح لها بوجود فعال في تلك المنطقة. نظرا لأهميتها وكذلك لأن كل انسحاب مصري من الأزمات الكبرى يتيح الفرصة لمنافسيها إقليميا وعلى رأسهم تركيا- لكسب مساحات أكبر.
الأزهر.. قوة ناعمة مصرية غير مستغلة
من جانبه يرى اللواء محمد عبد الواحد أنه لا بد من إرادة سياسية بشأن لعب مصر دور إقليمي أوسع. تتشارك فيه أدوات القوة الناعمة المصرية -الأزهر والدبلوماسية والجهات السيادية- بشكل يمكنها في الحالة الأفغانية من لعب دور في حفظ الأمن والاستقرار. وتقديم الخبرات المصرية في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وهو ما تحتاج إليه كابول في هذا التوقيت.
في الخلاصة يمكن القول إن أمام مصر فرصة جيدة لإعادة صياغة أدوراها في الإقليم بما يتناسب مع حجمها وإمكانياتها وما تملكه من مقومات تاريخية وجغرافية وحضارية تمكنها من منافسة القوى الإقليمية الأخرى التي لا تعتمد سوى على القدرة المالية تجعلها في كثير من الأحيان وسيطا غير محايد أو ساعيا للاستحواذ على مصالح.
وفي مقدمة المقومات التي تملكها مصر في إطار منظومة قوتها الناعمة مؤسسة الأزهر. التي تمتلك حضورا ونفوذا كبيرا سواء في آسيا أو أفريقيا. بما يحتم على صانع القرار المصري إعادة توظيف دور المشيخة ليكون مكملا وداعما لأدوار الدولة المصرية المحتملة في الإقليم.