في أكتوبر/تشرين الأول 1979، اهتزت إيران جراء استيلاء محتجين على السفارة الأمريكية في طهران. حيث احتجزوا أكثر من 50 أمريكيًا كرهائن، مطالبين بتسليم الشاه -الذي سافر إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج الطبي من سرطان الغدد الليمفاوية- مقابل الإفراج عن الرهائن.
وبينما رفضت الولايات المتحدة الطلب، غادر الشاه إلى بنما ثم إلى القاهرة، حيث مُنح اللجوء من قبل الرئيس أنور السادات. تاركا بلاده لثورة لم تكن متوقعة، بقيادة “روح الله الخميني”، وهو عالم دين منفي يبلغ من العمر ثمانين عاماً. عاد مدعوماً من مظاهرات شعبية طافت شوارع إيران. لتصير بعدها جمهورية إسلامية يقودها رجال الدين.
رحل الشاه، وصار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية هو صاحب السلطة الأعلى، متمتّعا بعدد هائل من الصلاحيات التنفيذية. بقي الخميني في منصبه حتى رحيله في يونيو/ حزيران 1989. عندما تم انتخاب “علي خامنئي” مرشدا في اليوم التالي بأكثرية آراء “مجلس الخبراء”. ليحكم قرابة 39 عاما حتى الآن.
الآن، تعود الهمسات بين آيات الله في طهران حول صحة الرجل البالغ من العمر 83 عاما. وتبدأ التساؤلات حول من يكون خليفته. وسط تكهنات بأن يتم تصعيد نجله، وسط صراعات محتملة بين مراكز القوى في البلاد. وفق تحليل للدكتور راز تسيمت، الخبير في شؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS. والذي يشير إلى أنه “يمكن الافتراض أن مراكز القوى الأخرى، مثل الحرس الثوري، وربما خامنئي نفسه. ستسعى للعب دور في تحديد خليفته، حفاظًا على مصالحها”.
أقرأ أيضا: ليس الغلاء وحده.. احتجاجات إيران تأكل نظامها الديني
كيف يتم اختيار المرشد الأعلى؟
في أغسطس/ آب 1983، تأسَّس “مجلس خبراء القيادة”. ووفقاً للمادة 107 من الدستور الإيراني، يتولى أعضاء هذا المجلس -المنتخَبون من الشعب مهمة تعيين المرشد- والذين يختارون قائدهم الأعلى بعد التشاور بشأن كل الفقهاء الجامعِين للشروط المذكورة فـي المادتين 105 و109.
ويجب أن يكون اختيار المرشد مستنداً إلى أن يكون الأعلم بالأحكام والمسائل الفقهية والقضايا السياسيّة والاجتماعيّة، وأن يحوز تأييد الرأي العام. وقد حدّدت المادة 109 الشروط الواجب توافرها في المرشد كي يتولى مهمات منصبه. وهي أن “يمتلك رؤية سياسية وكفاءتين اجتماعية وإدارية. وأن يمتلك حسن التدبير والشجاعة، وأن تكون لديه القدرة الكافية على القيادة”.
ويجمع “الولي الفقيه” بين المرجعية الدينية والإدارة السياسية، كما أنه المرشد والموجِّه للنظام السياسي ولإدارة شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأيضا -رسميا- يتساوى مرشد الثورة مع كل المواطنين أمام القانون.
وقد حدَّدت المادة 110 من الدستور الإيراني وظائف المرشد وصلاحياته؟ فهو “يرسم السياسات العامة للنظام بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام”. كما أنه يصدر الأمر بالاستفتاء العام، وينظّم العلاقات بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية”.
ووفقاً للمادة ذاتها، فإن المرشد “يقود القوات المسلحة، ويعتبر قائدها الأعلى. ويعيِّن رئيس السلطة القضائية، ورئيس الإذاعة والتلفزيون، ورئيس أركان القيادة المشتركة للجيش، والقائد العام لقوات حرس الثورة”.
ويناط بالمرشد أيضاً “توقيع حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب، ويحق له أيضاً عزله إذا اقتضت مصلحة البلاد ذلك”. لكن، هذا الأمر لا يتم إلا بعد صدور حكم عن المحكمة العليا، يقضي بتخلفه عن وظائفه القانونية، أو بعد إصدار البرلمان قراراً بعدم كفاءته السياسية. وفقاً لما تنص عليه المادة 89.
أيضا، يحق للمرشد أن يُصدر العفو العام، أو أن يصدر قراراً بتخفيف العقوبات عن المحكوم عليهم “في إطار الموازين الإسلامية”. وبناءً على مقترح من رئيس السلطة القضائية.
جدل على خلافة خامنئي
في الأسابيع الأخيرة، استؤنف الجدل العام في إيران، بشأن إمكانية نقل السلطة بعد وفاة المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى نجله مجتبى. وسط انتقادات لفكرة زراعة الابن كخليفة محتمل.
في 9 أغسطس/ آب، تحدث زعيم المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي -الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ فبراير/ شباط 2011- محذرا من “مؤامرة” من جانب أنصار النظام لتمهيد الطريق لترشيح مجتبى خلفًا لوالده. واستند في تحذيره من “توريث” أعلى منصب في البلاد، إلى ما تقوله بعض الأوساط عن تولي “أبناء قائد الشيعة بعد وفاته”.
وأشار موسوي -في مقال نشره موقع “كلمة” الناطق باسمه- إلى الشائعات التي يتم تداولها منذ سنوات، حول استمالة مجتبى كخليفة محتمل. وتساءل عما إذا كانت السلالات الملكية -الإيرانية- القديمة قد عادت إلى السلطة؟ و”لماذا لا ينكر كبار مسؤولي النظام هذه الشائعات إذا كانت هناك ليس فيها حقيقة؟”
أيضا، هناك تقارير تناولت ترقية مجتبى إلى المرتبة الأعلى لدى رجال الدين الشيعة “آية الله”.
وردا على ذلك هاجمت صحيفة “كيهان” المتشددة -التي يعين المرشد رئيس تحريرها ويوجه خط التحرير فيها- الزعيم المعارض. ووصفته بــ “الماسوني” و”عميل إسرائيل”، لكن، لم تقدم الصحيفة أية ردود أو تفسيرات لقضية الخلافة.
وجاء في مقال لحسين شريعتمداري -وهو ممثل خامنئي في الصحيفة المتشددة- إن “الخطوة الأخيرة للمهندس موسوي كانت مهمة وقام بها كعضو في منظمة الماسونية الخطيرة. تاريخ صلاحية موسوي قد انتهى للماسونيين. ولهذا السبب، يستخدمونه في أدنى القضايا، أي الدفاع عن إسرائيل ودعم داعش”.
يقول تسيمت: أثارت إمكانية نقل السلطة إلى نجل خامنئي انتقادات علنية شديدة. على أساس أنها تتعارض مع المبادئ الأساسية للثورة الإسلامية. في هذه المرحلة، من السابق لأوانه تقييم ما إذا كان هذا السيناريو يُنظر إليه بجدية بالفعل.
وأضاف: مع ذلك، في ظل عدم وجود مرشح توافقي مناسب لخلافة خامنئي. لا يمكن استبعاد أن وفاة المرشد الأعلى الحالي قد تمهد الطريق للانتقال إلى نموذج حكم بديل، بما في ذلك حكم الأسرة الحاكمة.
اقرأ أيضا: محارب أيديولجي قادر على مواجهة أمريكا.. هكذا تسوق إيران لرئيسي “مرشدًا جديدًا”
من هو مجتبى؟
على مر السنين، أشارت مصادر في المعارضة الإيرانية إلى مجتبى -الابن الثاني للمرشد خامنئي- كشخص يتمتع بنفوذ كبير. ومنخرط في قضايا حساسة، ويشارك في مشاورات غير رسمية في مكتب والده.
إضافة إلى ذلك، يُعتبر مجتبى، البالغ من العمر 53 عامًا، على علاقة جيدة بالنخبة الأمنية والاستخباراتية. خاصة مع الرئيس السابق لجهاز استخبارات الحرس الثوري، حسين طيب، الذي تمت إقالته في يونيو/ حزيران 2022.
يلفت تسيمت إلى أن هذه التقارير” شكّلت أساس التقييمات، فيما يتعلق بإمكانية أن يخلف مجتبى والده عندما يأتي اليوم”.
ومع ذلك، فقد أثار تعليق موسوي اهتمامًا كبيرًا، لا سيما في التحضير للاجتماع الدوري لمجلس الخبراء في أوائل سبتمبر/ أيلول.
وبعد أسابيع قليلة من نشر مقال موسوي، أفاد موقع رسا نيوز -التابع للمؤسسة الدينية الشيعية في مدينة قم- ببدء تسجيل الطلاب في ندوة بتوجيه من مجتبى خامنئي في مدرسة قم. أثار الخبر اهتمامًا خاصًا، بسبب استخدام لقب “آية الله”، ما قد يشير إلى ترقيته من “حجة الإسلام” -مرتبة أقل من مرتبة آية الله- إلى مكانة أعلى.
يضيف المحلل الإسرائيلي: “على الرغم من الإشارة إلى مجتبى على أنه “آية الله” في العديد من التقارير التي نُشرت في السنوات الأخيرة في وسائل الإعلام الإيرانية. فإن استخدام هذا العنوان على موقع إلكتروني مرتبط بالمؤسسة الدينية قد يشير إلى نية محتملة لتنميته كمرشد جديد”.
وأشار كذلك إلى أنه “يمكن العثور على تأكيد آخر محتمل لتعيين مجتبى كخليفة في الرد على تصريحات موسوي. التي أدلى بها مهدي تاج زاده، وهو إمام صلاة الجمعة في مدينة بهارستان في محافظة أصفهان، في خطبة في أوائل سبتمبر/ أيلول. حيث أشاد رجل الدين المتشدد بابن خامنئي، وقدمه كمرشح محتمل يستوفي المعايير التي يتطلبها القانون ليكون زعيمًا”.
فقد وصف تاج زادة مجتبى بأنه “شوكة في خاصرة أعداء الإسلام والغرب”. وادعى أنه إذا قرر مجلس الخبراء تعيينه مرشدًا أعلى، فلن يشير ذلك إلى نظام سلالة حاكمة جديدة.
انتقادات حادة
في السنوات الأخيرة، توفي العديد من رجال الدين، الذين تم تحديدهم سابقًا كمرشحين محتملين لخلافة خامنئي. بمن فيهم الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني 2017، والرئيس السابق للقضاء محمود هاشمي شهرودي 2018. وكبير رجال الدين محمد تقي مصباح يزدي 2021.
في غضون ذلك، تم رفع اسم الرئيس الحالي -والرئيس السابق للسلطة القضائية- إبراهيم رئيسي، كواحد من المرشحين لخلافة خامنئي.
يقول تسيمت: كان انتخابه رئيساً في يونيو/ حزيران 2021 بمثابة مرحلة أخرى في تدريبه المحتمل على قيادة الجمهورية الإسلامية. بعد أن تركته قائمة المرشحين النهائيين، التي وافق عليها مجلس صيانة الدستور.
لذلك، أثار احتمال خلافة نجل خامنئي لوالده انتقادات شديدة في أرجاء إيران. فقد أشار مقال بعنوان “ضد حكم الأسرة”، نشرته صحيفة “هام ميهان” الإصلاحية في 1 أغسطس/ آب. إلى أن “دراسة تصريحات الزعيم الإيراني على مر السنين، تشير إلى معارضته الثابتة لانتقال السلطة عن طريق الميراث”.
وتضمن المقال مجموعة من تصريحات خامنئي، أعرب فيها عن رفضه لهذا الخيار. وأشار إلى إلغاء الحكم الملكي، باعتباره أحد الإنجازات البارزة للثورة الإسلامية.
أيضا، أعرب رجل الدين رشيد داوود عن معارضته الشديدة لنقل السلطة إلى نجل خامنئي. وفي مقابلة مع موقع “أنصاف” الإخباري في 7 سبتمبر/ أيلول، زعم أن انتقال السلطة بالميراث “يتعارض تمامًا مع المبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية ومفهوم ولاية الفقيه”. وأكد أنه “حتى لو لم يكن هناك مانع قانوني لتعيين نجل القائد خلفا له، وحتى لو كان مجتبى يتمتع بالمؤهلات المطلوبة لأداء هذا الدور، فإنه لا يتفق مع جوهر الجمهورية الإسلامية وروح الدستور”.
زرع الشكوك
على الخلفية نفسها، أشار البيان الختامي لاجتماع مجلس الخبراء إلى مسألة خلافة خامنئي. وعلى الرغم من أن البيان لم يشر على وجه التحديد إلى احتمال تعيين مجتبى خلفًا له. إلا أنه أشار إلى الجهود التي يبذلها أعداء إيران لإضعاف مكانة القائد، من خلال “زرع الشكوك” في المؤسسة القيادية، وأكد أن اختيار المرشد يتم فقط وفقًا لمؤهلات المرشحين”.
يشير الباحث الإسرائيلي إلى أنه “في هذه المرحلة، من السابق لأوانه تقييم من الذي قد يخلف القائد الحالي. وما إذا كانت إمكانية تدريب مجتبى، كخليفة محتمل لوالده، يتم النظر فيها بجدية بالفعل.
وأضاف: في غياب مرشح توافقي مناسب، ليس من المستحيل أن يظهر اسم مجتبى كمرشح لخلافة والده. يأتي ذلك على خلفية تنامي استبداد النظام، وتزايد الانخراط السياسي للحرس الثوري، وتحوله إلى قوة مركزية في النظام السياسي. وقمع الفصائل المتنافسة من النخبة الحاكمة لتحصين المحافظين. إضافة إلى الهيمنة في جميع المؤسسات الحكومية.
لذلك، في ضوء هذه التطورات، لا يمكن استبعاد احتمال أن وفاة خامنئي قد يمهد الطريق للانتقال إلى نموذج حكم بديل، بما في ذلك نظرية الأسرة الحاكمة.