يفصلنا مئة يوم علي الانتخابات الأمريكية الرئاسية، المقررة في 3 نوفمبر المقبل، في خضم انتقادات لطريقة إدارة دونالد ترامب لأزمة فيروس كورونا، بجانب استطلاعات للرأي تكشف تقدم المرشح الديمقراطي، جو بايدن، في عدة ولايات مع تراجع الحماس بشكل عام للعملية الانتخابية.
ومع اقتراب الموعد المحدد للانتخابات، تتحدث لغة الأرقام والاستطلاعات، لكن في عام 2016، أي قبل أربع سنوات، كانت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون تتصدر الاستطلاعات لكن في النهاية فاز المرشح الجمهوري “ترامب” وفي 2020 يتقدم الديمقراطي بايدن في الاستطلاعات بفارق نقاط، فهل تميل كافة “ترامب” مرة أخري؟ .
وخلافا لما يعتقده الكثيرون فإن الناخبين الأمريكيين لا يقومون بانتخاب رئيسهم مباشرة، بل يتم حسم الانتخابات عن طريق الهيئات الانتخابية، والتي تتكون من 538 مندوباً، حيث يكون لكل ولاية أمريكية داخل هذا المجمع الانتخابي عدد معين من الأصوات بحسب عدد سكانها وعدد النواب الذين يمثلونها في الكونجرس..
ويحتاج الفائز بمنصب الرئيس من بين المرشحين إلى الحصول على 270 صوتا على الأقل من مجموع أصوات أعضاء الهيئات الانتخابية أو المجمع الانتخابي..
حماس الانتخابات
وبحسب استطلاع للرأي أجرته وكالة أسوشييتد برس ومركز “نورك” لأبحاث العلاقات العامة، بأمريكا، قبل أقل من أربعة أشهر علي الانتخابات الرئاسية، كشفت نتائج الاستطلاع أن 74 % من الناخبين المسجلين في الكشوف الانتخابية، مهتمون بالانتخابات مقابل 32% فقط يشعرون بالإثارة والحماس تجاه المنافسة بين “ترامب” و”بايدن”، خلافًا لاستطلاعات الرأي التي تمت في عام 2016 .
وتشير النتائج إلى أن الناخبون الجمهوريون أكثر حماسًا بشأن الانتخابات مقارنة بالديمقراطيين، بنسبة 40٪ مقابل 30٪، وبالنسبة للإحباط والقلق فقد يكون الديمقراطيون أكثر احباطًا بنسبة 64٪ مقابل 49٪ للجمهوريين، أما الشعور بالقلق، فبنسبة 69٪ مقابل 53٪ للجمهوريين .
“الأمريكيون الأكثر حزنًا”
لكن رغم حماس الناخبين الجمهوريين للانتخابات، تضاربت استطلاعات الرأي بشأن رضا الأمريكيين بشكل عام عن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وتعاملها مع أزمة فيروس كورونا، فنحو 80 بالمئة من المستطلعة آراؤهم، قالوا إن البلاد “تسير في الاتجاه الخاطئ”، بحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية.
تسببت معالجة إدارة “ترامب” لمرض فيروس كورونا، في مزيد من خيبة الأمل لدى الشعب الأمريكي، ما سجل انخفاضا جديدا في الثقة خلال استطلاعات الرأي الأخيرة، ما يرمي بظلاله علي فرص فوز “ترامب” بالانتخابات المقبلة.
وأفاد الاستطلاع الذي أجرته وكالة “أسوشييتد برس” ونشرته صحيفة “الاندبندنت” البريطانية، الاثنين الماضي، بأن نسبة الأميركيين المتشائمين بشأن توجهات بلادهم خلال رئاسة ترامب باتت أكثر من أي وقت مضى مع استفحال أزمة فيروس كورونا ، فضلا عن الاحتجاجات التي خلفت مقتل جوروج فلويد، وهو ما يشير إلى وحشية الشرطة مع الأمريكان من أصول افريقية، وهو ما كشف عن انقسام سياسي عميق في الولايات المتحدة..
وبحسب الاستطلاع، يرى 32 % فقط من المشاركين في الاستطلاع أن ترامب نجح في مواجهة وباء كورونا، فيما قالت كيت بيدنج فيلد، نائبة مدير حملة جو بايدن، للوكالة إن “الأميركيين سئموا وتعبوا من حكومة منقسمة غير قادرة على إنجاز أبسط الأمور”.
وأشار إلى أن استطلاعا للرأي أجرته شبكة “سي إن إن” الأميركية الشهر الماضي أظهر تراجعا في شعبية ترامب حيث أعرب 41 بالمئة من المشاركين عن دعمهم له مقابل 51 بالمئة دعموا بايدن.
علاوة علي ذلك، كشفت نتائج الاستطلاع بأن 14% فقط من الأمريكان يشعرون بالسعادة، وهو ما يوضح أن الشعب الأمريكي هو الأكثر حزنًا منذ 50 عامًا، بحسب الوكالة.
الولايات المتأرجحة
ورغم تأكيد “ترامب” بأن استطلاعات الرأي، السابق ذكرها، “خاطئة”، ألا أن أنه يدرك أنه مقبل على اختبار في نوفمبر وهو في موقع ضعف، ويسعى لإحداث تغيير، فالأيام الـ1300 التي قضاها حتى الآن في البيت الأبيض تبعث على الشك .
والأرقام ليست مطمئنة في الوقت الحاضر للمرشح الجمهوري، إذ يُظهر متوسط استطلاعات الرأي الوطنية الذي يعده موقع “ريل كلير بوليتيكس” الأمريكي المستقل، تقدم بايدن على ترامب منذ أكثر من ستة أسابيع بفارق يتراوح بين 8 و10 نقاط مئوية.
تشير الأرقام أن منذ العام 1980 إلى أن جميع المرشحين الذين كانوا يحققون فارقا بهذا الحجم في مثل هذه المرحلة من الحملة فازوا في الانتخابات، باستثناء واحد هو الديموقراطي مايكل دوكاكيس الذي هزمه جورج بوش عام 1988.
وفي تكساس، الولاية التي لم يتمكن أي ديموقراطي من الفوز بها منذ جيمي كارتر عام 1976 والتي سيكون لها وزن كبير عند فرز الأصوات إذ تتمثّل بـ38 من كبار الناخبين، فالفارق ضئيل بين المرشحين بعدما حقق فيها ترامب انتصارا كاسحا عام 2016
وبحسب استطلاعات الرأي الوطنية التي أجريت في يوليو الجاري، فأن بايدن” يتقدم علي “ترامب” في 23 ولاية من بين 30 ولاية فاز فيها الأخير في الانتخابات الماضية .
وتشير النتائج إلى أن “بايدن” يتقدم علي “ترامب” في ست ولايات متأرجحة، وهما أريزونا وفلوريدا وميشيغان ونورث كارولينا وبنسلفانيا وويسكونسن، والتي اكتسح فيهم المرشح الجمهوري هيلاري كلينتون عام 2016 .
ورغم أن معظم الاستطلاعات تظهر أن بايدن يتقدم حاليًا في جميع الولايات الست الرئيسية المتأرجحة، إلا أن الأزمات المتعلقة بالجائحة وتأثيرها على الحملات والدعاية الانتخابية يجعل من الصعب التوقع من هو رئيس أمريكا القادم.
تأثير الإنجيلين
وبجانب الولايات المتأرجحة ومساهمتها بشكل أو بآخر في حزم الانتخابات الأمريكية، يأتي الإنجيلين، كقوة انتخابية لا يستهان بها، ينتمي حوالي واحد من كل أربعة بالغين أمريكيين إلى طائفة مسيحية إنجيلية وفقًا لدراسة مركز بيو للأبحاث 2014، مما يجعل الإنجيليين أكثر المجموعات الدينية شيوعًا.
وفى انتخابات 2016، حصل “ترامب” على أصوات 81% من البيض الإنجيليين، ووفقًا لاستطلاع لمركز “بيو” للدراسات جرى في الفترة من 4 لـ 15 فبراير 2020، يرى 43٪ أن إدارة “ترامب” ساعدت المسيحيين الإنجيليين، على الرغم من أن حصة مماثلة (44٪) تقول إن الإدارة لم يكن لها تأثير على هذه الفئة، في حين يرى 11٪ فقط أن إدارة “ترامب” أضرت بالمسيحيين الإنجيليين.
بينما أظهر استطلاع للرأي من معهد أبحاث الدين العام، وهو منظمة غير ربحية، تراجعًا مزدوجًا في دعم “ترامب” بين الإنجيليين البيض والكاثوليك في الفترة من مارس إلى أبريل 2020.
ويقول بشير عبد الفتاح، الباحث في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، بأن” لا شك بأن أزمة كورونا قد أضرت بشعبية “ترامب”، حتي بين الإنجيلين أو البيض الأمريكيين، الداعمين له منذ توليه السلطة، فضًلا التداعيات الاقتصادية الضخمة التي التهمت الإنجازات التي استطاع الأخير تحقيقها خلال السنوات الثلاث الأولى من ولايته يبقي الفوز شاق”.
وهو ما يؤكده، مسح أجرته صحيفة نيويورك تايمز ومعهد سيينا، أن المرشح الديمقراطي، انتزع أيضا من ترامب أصوات الناخبين الذكور والبيض والأشخاص في منتصف العمر أو أكبر الذين يميلون عادة إلى التصويت للجمهوريين.
ضم الضفة
علي جانب آخر، يظل تأجيل قرار ضم الضفة الغربية، الذي كان من المقرر تنفيذه أول يوليو الجاري، بحسب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من القضايا التي آثرت عليها المنافسة الانتخابية في الولايات المتحدة، بحسب المراقبين، حيث أعلن وزير الاستخبارات الاسرائيلي، إيلي كوهين،إن “ضم المستوطنات لن يتم هذا الشهر، لافتاً إلى أن الفرصة الأخيرة لتنفيذ ذلك ستكون خلال سبتمبر المقبل”.
ويؤكد الباحث في مركز الاهرام الاستراتيجية، علي أن “رغم كل السجالات والجدل الدائر في إسرائيل بسبب ضم الضفة الغربية، ألا أنهم في جوهر الأمر ينتظرون القرار الأميركي ليتحدد الضم شكلاً وتوقيتًا” .
السيناريوهات المتوقعة
في المقابل، يرى استيفين والت، أستاذ الشئون الدولية في كلية جون أف كيندي بجامعة هارفارد، أنه ربما لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية قد يحدث انقسام حول نزاهة الانتخابات, وحول الرئيس الشرعي فإذا فاز جون بايدن ربما يتمسك ترامب بمقاليد السلطة ولا يعترف بالانتخابات وينكر نتائجها.
في حين، ذهب آخرون الي احتمالية تأجيل الانتخابات، كما حدث سابقًا في فرنسا وبريطانيا، لاسيما أن التصويت المباشر للمواطنين جسدياً غير أمن بسبب الجائحة، ألا أن “ترامب” لا يملك صلاحية إلغاء أو تأجيل الانتخابات، فالأمر بيد الكونجرس، وسواء عقدت بالبريد، كما أعلن، فأن التخوفات حول احتمالية اختراق الانتخابات والتأثير علي النتيجة، قد يحدث انقسام داخل المجتمع الأمريكي قد يصل للحرب الأهلية خاصة في ظل الانقسام الحزبي وعدم توحيد الرؤى سواء بين الجمهوريين أو الديمقراطيين، بحسب المراقبين .