سيناريو متشائم ينتظر مستقبل النشاط الزراعي في مصر والعالم ويهدد غذاء الإنسان بفعل التغيرات المناخية. إذ يصل حجم الخسائر المتوقعة إلى مليارات الدولارات في حالة ارتفاع الحرارة بمعدل 1.5 درجة مئوية فقط بحسب دراسات علمية موثقة.
كما تشير الدراسات إلى مدى تأثير الاحتباس الحراري “ازدياد الحرارة مع زيادة ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان” على النُظم البيئية والتنوع الحيوي للنباتات والحيوانات والعمليات البيولوجية. فنقص نسبة الأوكسجين المذاب في مياه البحار يؤدي إلى نفوق الأسماك وإصابتها بمختلف أنواع الأمراض التي تضر الإنسان في النهاية.
اقرأ أيضا.. الأرض لو عطشانة.. المحاصيل الموفرة للمياه هي الحل
في مصر تشير العديد من الأوراق البحثية، التي تمت مناقشتها خلال المؤتمر التاسع والعشرين للاقتصاديين الزراعيين الذي عقد في القاهرة، خلال الفترة من 21 إلى 22 سبتمبر/أيلول الجاري، إلى أن ارتفاع منسوب مياه البحر بنصف متر يهدد بغرق مليون فدان من أراضي الدلتا والوادي. كما يزيد من ملوحة التربة بسبب تسرب مياه البحر للمياه الجوفية ويؤدي إلى تلوثها.
كذلك طالب عدد من الدراسات والأبحاث بتقدير الاستثمارات التي يحتاجها القطاع الزراعي لمواجهة التغيرات المناخية خلال العقود الثلاثة المقبلة. وأهم ما ترتكز عليه تلك الدراسات هو الإسراع في معدلات التقدم التكنولوجي، والاعتماد على ما يسمى بـ”الزراعة الذكية مناخيا” في مواجهة تحديات الجو، وندرة الموارد الأرضية والمائية.
مصدر الري الوحيد
وبحسب دراسة عن “التقدم التقني وتكنولوجيات الزراعة الذكية مناخيا في مواجهة تحديات المياه والزراعة والغذاء والمناخ في مصر” للدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة. فإن نصيب الفرد في مصر كان 0.1 فدان من الأرض الزراعية ومن المياه 560 مترا مكعبا في 2020.
لكن مستقبلا وبحسب الدراسة، تتقلص قاعدة الموارد الطبيعية بفعل الزيادة السكانية. ومع وصول عدد السكان إلى 275 مليون نسمة في 2075. فإن هذا العدد من السكان يستهلكون 55 مليار متر مكعب من المياه للشرب والصناعة. وسيكون المصدر الوحيد لمياه الري هو مياه الصرف الصحي والصناعي المعالجة كما تبين الدراسة.
وتشير الدراسة أيضا إلى أن السدود الإثيوبية والتغيرات المناخية، تعجل بالوصول إلى هذا الوضع قبل عام 2075. خاصة في ظل ثبات إنتاجية الحبوب ونمو عناصر الإنتاج بمعدل 1% سنويا.
انخفاض الإنتاجية
يعتبر الاحتباس الحراري أحد أبرز العوامل التي تسبب انخفاضا في إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية بما يتراوح بين 5 -28% بحسب الدراسة. كما يزيد من معدل الطلب على مياه الري بنسبة 8% نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا بسبب زيادة البخر.
ومن الآثار المحتملة بحسب الدراسة أيضا التي تهدد الزراعة المصرية “الجفاف الممتد” بفعل السدود (سد النهضة كمثال) الذي سيؤثر على تدفقات النيل الأزرق. خاصة في حال ملء أربع بحيرات إثيوبية كما سيؤدي ارتفاع منسوب البحر إلى غرق أراضي الدلتا.
الأمن الغذائي
تمثل ظاهرة التغيرات المناخية تهديدا خطيرا للدول المتقدمة والنامية على حد سواء. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الغذاء بمقدار ضعفين إلى خمسة أضعاف بحلول عام 2050 وفقا للدكتور مصطفى المهدي نجم أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة الأزهر.
المهدي قال إن الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج المحاصيل آخذة في الانكماش بسبب النمو السكاني والتحضر وتدهور التربة. بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على الأمن الغذائي الذي يواجه العديد من البلدان بسبب تغيرات المناخ.
وفي ورقة بحثية مشتركة توقع المهدي، تراجع إنتاج الغذاء بما يتراوح ما بين 3% بحلول عام 2030 و3.8% بحلول عام 2050. كما أشار إلى انخفاض الإنتاجية لمحاصيل الغذاء على مستوى العالم بحوالي 5.24% عالميا وفي مصر بحوالي 6.17%.
بالإضافة إلى ذلك توقعت الدراسة انخفاض الإنتاجية المحصولية لبعض الحبوب، كالأرز بحوالي 8.5% والذرة بحوالي 19% والقمح بحوالي 8.5%. علاوة على تراجع إنتاجية بعض المحاصيل الزيتية. مثل فول الصويا بحوالي 6.7% عام 2030 و13.25% عام 2050.
أما عباد الشمس فمن المتوقع أن تنخفض إنتاجيته بحوالي 2.63% بحلول عام 2030. وحوالي 6% عام 2050.
ارتفاع ملوحة الأرض
يقول ممدوح البدري، باحث أول بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي، إن منسوب مياه البحار ارتفع بداية من عام 1909 إلى 2010 بحوالي 19 سنتيمتر. كما يضيف أن ارتفاع منسوب المياه في البحار، يتسبب في تسرب المياه المالحة للمياه الجوفية، ما يزيد من معدل ملوحة الأراضي الزراعية.
كما أوضح أن ارتفاع مستوى سطح البحر إلى نصف متر، سيتسبب في غرق مليون فدان في الدلتا والوادي. كما تؤدي زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون لنقص عائد الإنتاج الحيواني بسبب ارتفاع الحرارة الذي يؤدي إلى نفوق الحيوانات.
وأشار البدري إلى أن سلاسل الإمداد الزراعي ستتغير من الدول المصدرة والمستوردة، بفعل التغيرات المناخية. كما يؤثر ارتفاع الحرارة على انخفاض إنتاجية القمح في مصر 2021 بنسبة 2.9% والذرة بمعدل 9.8%.
كفاءة استخدام المياه
الدكتور خيري العشماوي، رئيس قسم الاقتصاد الزراعي في المركز القومي للبحوث يقول إن كفاءة استخدام مياه الري في الزراعة يساعد في الحد من هذه التغيرات المناخية. وعلى رأسها تبطين الترع الذي يقلل الفاقد المائي بنسبة 19% والري وذلك باستخدام المواسير بما يوفر 70% والري بالتنقيط الذي نسبة الوفر فيه 150%.
كذلك أكد على أن التحول إلى هذه الأنماط بات ضرورة حيث ستصل نسبة العجز المائي بحلول عام 2030 إلى 29.5 مليار متر مكعب، مما يتطلب تطوير نظم الري التقليدية.
ومن الحلول التي طرحها العشماوي، استغلال مياه محطات الصرف، ومعالجتها. إذ إن تكلفة معالجة متر المياه المكعب تساوي 1.03 جنيه. فكل جنيه يصرف على معالجة مياه الصرف ينتج في المقابل 10 جنيهات.
كذلك أشار إلى أن حجم مساهمة الزراعة في الناتج القومي يبلغ 15.4% بينما لا يتجاوز قيمة الاستثمار الزراعي 3.01%. كما طالب الدولة بتقديم قروض ميسرة وضخ استثمارات كبيرة في القطاع الزراعي وتحديث البنية التحتية للري.
المناخ والإنتاج السمكي
رغم جودة المياه المصرية وملاءمتها من حيث الخواص الطبيعية والميكروبيولوجية للاستزراع السمكي، لكن هناك بعض المتغيرات تؤثر على ارتفاع تكاليف الإنتاج منها غلاء الأعلاف، والتغيرات المناخية والطقس. وكلها تؤثر على جودة وسلامة الأسماك وفقا للدكتور أحمد محمد الباحث في المركز القومي للبحوث.
“أحمد” قال: “تعتمد مصر في استهلاكها من الأسماك على الاستزراع بنسبة 72%. كما رصدت هيئة السلامة الأوروبية في مشروع لها في مصر العام الماضي 2021 وجود عدة مشكلات في أسماك المزارع بنسبة 52%”.
وأضاف: “أهم هذه المشكلات ارتفاع العناصر الثقيلة مثل (الزئبق والرصاص والكادمون) وزيادة الطفيليات بسبب سوء العمليات الإنتاجية. بالإضافة إلى اعتماد أغلب المزارع على مياه الصرف. حيث يجرم قانون الري استخدام مياه النيل في المزارع السمكية. إضافة لسوء النقل ومشكلات الثلج المستخدم في التبريد لكونه غير مطابق للمواصفات”.
الباحث قال إن التغيرات المناخية تؤثر على موسمية العمليات البيولوجية للأسماك، وعلى المخزون السمكي في البحار. إذ إن ارتفاع الحرارة يؤدي إلى هجرة الأسماك بسبب نقص الأكسجين المذاب في الماء. وبحسب أحمد فإن المناطق التي تضم مزارع سمكية بشكل كثيف تشهد ارتفاعا في دراجات الحرارة بمعدل 3% وانخفاض الرطوبة بـ12% ما يتسبب في ضعف مناعة الأسماك وإصابتها بالأمراض.