تواجه المنطقة العربية أزمة حادة في الموارد المائية، ما دعى البعض إلى تسميتها بمثلث العطش، كما تفتقر إلى مصادر كافية للمياه، ويبلغ نصيبها من مخزون المياه العالمي 7% أما بالنسبة للأمطار، فهي لا تتجاوز 2% من المعدل العالمي، وبذلك ينخفض ما يسمى بـ”معدل الكفاية المائية”.
وبحسب الإحصائيات الأممية بلغت حصة الفرد الواحد من المياه العذبة حوالي 500 متر مكعب في عام 2011، بينما كانت 2000 متر مكعب في سنة 1960.
وتعرف الأمم المتحدة الأمن المائي بأنه قدرة السكان على الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه الجيدة المقبولة للحفاظ على سبل العيش ورفاهية الإنسان والتنمية. كذلك تواجه دول الشرق الأوسط تحديات تهدد أمنها المائي. فبين 17 دولة تعاني الإجهاد المائي في العالم، هناك 11 دولة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منها الجزائر والبحرين والكويت والأردن والعراق، ويزداد الوضع سوءًا بتأثيرات النزاعات وتغير المناخ والصعوبات الاقتصادية.
اقرأ أيضا.. إجهاد المياه.. مصر تقترب من حد الندرة
ووفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) يموت 1.5 مليون طفل سنويا بسبب ندرة المياه أو الأمراض الناجمة عن تلوثها أو نقص الصرف الصحي. كما يتعرض 9.4 مليون شخص لخطر نقص المياه، وهو ما كان مسئولا عن بعض النزاعات الداخلية.
كما تسببت الأزمة في ترسيخ ظاهرة لاجئي المياه، نتيجة الإجهاد المائي الذي ضرب شمال العراق في عام 2005، ما تسبب في نزوح ما يزيد عن 100 ألف شخص.
وشهد الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة صراعات حول الموارد المائية، لعدة أسباب على رأسها أن حوالي 60% من موارد المياه السطحية في المنطقة عابرة للحدود. كما تتقاسم جميع البلدان طبقة مياه جوفية واحدة. ونظرا لعدم وجود صيغة تفاهمية وغياب تفعيل مبادئ التكامل الإقليمي. كذلك اتجاه بعض الدول إلى استخدام القوة في الاستيلاء على المياه دون مراعاة لحقوق الدول الأخرى.
أزمة نهر الأردن
ومن أبرز النزاعات حول المياه، يعتبر حوض نهر الأردن من القضايا المركزية فيما كان يسمى في الأدبيات السياسية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يتقاسمه 5 دول: لبنان وسوريا والأردن وفلسطين وإسرائيل. لكن في النهاية تحتكر إسرائيل الجزء الأكبر من مياهه.
العراق
تفاقمت أزمة المياه في العراق مؤخرا، بسبب سياسة السدود التركية، التي أدت إلى انخفاض مخزون المياه في البحيرات والسدود العراقية بأكثر من 70% من طاقتها الإجمالية. إذ تتوزع السدود التركية على 14 سدا عبر نهر الفرات، أبرزها سد أتاتورك. بالإضافة إلى 8 سدود أخرى على نهر دجلة، أبرزها سد إليسو. كذلك قطعت السدود التركية تدفق نهر الفرات إلى العراق بنسبة 60%، ما أدى إلى فقدان ما لا يقل عن 7 ملايين شخص إمكانية الوصول إلى المياه.
بالإضافة إلى ذلك تستمر إيران في بناء السدود لتحويل روافد نهر دجلة إلى أراضيها، من بينها 5 سدود على نهر كارون.
النيل
تواجه كل من مصر والسودان تحديات تتعلق بقيام إثيوبيا -منتهكة كافة المواثيق التاريخية والدولية- ببناء سد النهضة على نهر النيل، الذي يمد مصر بنحو 55.5 مليار متر مكعب من المياه، أي 79.3% من الموارد المائية، بينما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب.
أسباب الأزمة
تلعب العديد من العوامل في تشكيل أزمة الأمن المائي في الشرق الأوسط، منها أسباب سياسية، ورغبة في توظيف ملف المياه. كذلك أسباب اقتصادية منها عجز الاستثمارات في موارد المياه. بالإضافة إلى عوامل الهدر. كما يستهلك قطاع الزراعة 85% من إجمالي المياه العذبة في الشرق الأوسط.
ويقدر معدل موارد المياه المتجددة سنويا في العالم العربي بنحو 350 مليار متر مكعب، منها 35% مصدرها الأنهار، وتساهم الأنهار بحوالي 70% من موارد المياه العذبة في لبنان والأردن. بينما تعتمد عمان والمملكة العربية السعودية وسوريا والإمارات واليمن على المياه السطحية والأمطار الموسمية والمياه الجوفية.
وفقدت العديد من الأنهار في الشرق الأوسط ما يقرب من نصف تدفقها السنوي في الخمسين عامًا الماضية، ومن الأمثلة على ذلك بحيرة أورميا في إيران. التي تقلصت مساحتها إلى النصف، بينما يفقد نهر الأردن المياه بفعل التبخر.
المناخ
أصبح التغير المناخي الهاجس الأكبر وراء مختلف الأزمات العالمية. وتنتظر المنطقة أكبر خسائر اقتصادية متوقعة من ندرة المياه. إذ يؤدي تغير المناخ إلى هطول أمطار أقل وتدهور جودة احتياطيات المياه العذبة بسبب انتقال المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية العذبة وزيادة تركيزات التلوث.
كما تعمل درجات الحرارة المرتفعة على زيادة معدل تبخر الماء، ما يزيد من مواسم الجفاف، واحتمالية حدوث التصحر، وبالتالي تقليل معدل إعادة تغذية الخزان الجوفي.
بالإضافة إلى ذلك سجلت عدة دول عربية درجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية. كذلك يعمل التغير المناخي تدريجيا على ارتفاع مستوى سطح البحر، وبالتالي رفع معدل حدوث الفيضانات والسيول، كما يحدث في اليمن والسودان.
الهدر
يلعب الهدر دورا كبيرا في تعميق أزمة المياه، حيث لا يتم استخدام ما يقرب من 82% من المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل أمثل. كذلك يزيد غياب ثقافة ترشيد استهلاك المياه من حجم الفاقد، حيث تشير التقديرات إلى أن معدل خسائر احتياطي المياه العذبة خلال 2009 قارب حجم البحر الميت.
كما يمكن أن تؤثر مياه الصرف غير المعالجة على النظم البيئية. إذ تشير التقديرات إلى أن نسبة الفاقد في المياه المستخدمة في النشاط الزراعي تتراوح بين 25 و30% بسبب أنظمة الري التقليدية. كما قدرت مصر نسبة الفاقد من المياه الصالحة للشرب بنحو 27.1%.
النزاعات
كشف تقرير صادر عن جامعة ديوك الأمريكية، أنه منذ عام 2011، تعرضت مرافق البنية التحتية للموارد المائية في خضم الصراعات الدائرة في غزة واليمن وسوريا وليبيا إلى 180 حادثة على الأقل. ما أثر على إنتاجية المياه. كذلك انخفض إمداد المياه الصالحة للشرب من حوالي 149 إلى 101 قناة لتوزيع المياه في ليبيا بسبب تعرضها للقصف.
الزيادة السكانية
يتأثر الطلب على المياه بمجموعة من العوامل، مثل حجم الأسرة، وبعد الأسر عن مصدر المياه، ومدى انتظام الوصول إلى المياه، وأنماط الاستهلاك. كما أدى النمو السكاني إلى زيادة الطلب على المياه العذبة. كذلك ارتفع عدد السكان بين عامي 1970 و2001 من 173 مليونًا إلى 386 مليون. بينما انخفض متوسط المياه العذبة بأكثر من النصف ما يقارب 1.640 متر مكعب للفرد سنويًا. وفي الوقت الحالي، ينمو عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 2% سنويًا (أو ما يقرب من 7 ملايين شخص سنويًا)، بما لا يتناسب مع الجهود المبذولة لتغطية العجز المائي.
سوء إدارة المياه الجوفية
وفقا لتقرير الأمم المتحدة حول تنمية المياه في العالم 2021، تمثل المياه الجوفية المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة لـ54% من سكان دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وعلى مدار الثلاثين عامًا الماضية، انخفض منسوب المياه الجوفية في الإمارات بمعدل متر واحد سنويًا. ومن المتوقع أن تستنفد الإمارات مواردها في حوالي 50 عامًا، كما في اليمن وغزة، تم الإفراط في استخدام المياه الجوفية لتلبية الاحتياجات الزراعية. حيث زاد المزارعون اليمنيون من عمق الآبار بنحو 50 مترا خلال الـ12 عاما الماضية. بينما انخفضت كمية المياه التي يمكنهم الوصول إليها بمقدار الثلثين، وأدى ذلك إلى اندلاع مواجهات عنيفة في محاولة للحصول على المياه.
مستقبل الأزمة
من المتوقع أن تزيد درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 2.0 إلى 3.3 درجة مئوية بين عامي 2040 و2059. كما سيقل هطول الأمطار بنسبة 20% إلى 40%، مع ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 19 إلى 58 سم بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.
ويصنف العراق كدولة ذات مخاطر عالية فيما يتعلق بندرة المياه. ومن المتوقع بحلول عام 2040، أن يجف نهرا دجلة والفرات تماما، اللذين يشكلان العمود الفقري لإمدادات المياه العذبة، وسيعاني العراق بالتالي من العطش والجفاف.
وبحلول عام 2050 سيهدد الإجهاد المائي والتصحر بدرجة قاسية ما يقرب من 100 دولة حول العالم، من بينهم مصر. كما ستؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة الطلب على المياه للمحاصيل بنسبة 5-8% بحلول عام 2070.
ومن هنا يتبين أن الآثار السياسية والاقتصادية والأمنية المترتبة في حالة عدم احتواء ومحاصرة أزمة المياه في الشرق الأوسط، ستكون سببا رئيسيا للنزاعات داخل الدولة الواحدة وبين الدول. كما ستستخدم كسلاح لتأجيج الصراع في الدول غير المستقرة.
وتمثل الأزمة إنذار خطر للأنظمة السياسية كما حدث في مظاهرات المياه في إيران، وبالتالي فإن الأمن المائي يفرض نفسه على أجندة البرامج الانتخابية، باعتباره محدد لمدى قيام الحكومة بمهامها. واقتصاديا، يتطلب علاج ندرة المياه ميزانية مرهقة على المستوى الوطني لتغطية برامج التحلية والتكامل المائي الإقليمي، والبحث عن بدائل، وكذلك مستوى دخل مرتفع بالنسبة للأفراد.