تستعد لجنة التسعير التلقائي للوقود لإعلان أسعار البنزين والسولار والمازوت الجديدة بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل وسط ترقب الشارع المصري. وتخوف من تطبيق أية زيادات جديدة تنعكس بالارتفاع على أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية. ووبالطبع فإن المواطنين يرغبون في خفض أولي في أسعار المحروقات خلال 2022. ارتكازًا على ما ينشر ويذاع عن تراجعات عالمية في أسعار الطاقة استادا على تخفيضات خام برنت.
وباعتبار مصر من الدول التي تستورد من 25 إلى 30% من احتياجاتها النفطية فإن سعر خام برنت يؤثر في تسعيرة الوقود محليًا. في ظل اتباع الحكومة برنامجًا لهيكلة تسعيرة الوقود كل 3 أشهر. ومع استعداد لجنة تسعير الوقود لإعلان خريطة أسعار الربع الأخير من العام الجاري فإن أسعار النفط وحركة سعر الصرف هما المُتحكمان في السيناريوهات الخاصة بتحديد خريطة سعر الوقود في مصر.
وشهدت المعطيات التي ترتكز عليها لجنة تسعير الوقود في تحديد أسعار المنتجات البترولية -النفط العالمي وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار- عددًا من المتغيرات والتقلبات خلال الفترة من يونيو/حزيران حتى نهاية سبتمبر/أيلول الجاري. والتي ستؤثر بشكل مباشر في قرار اللجنة المزمع صدوره خلال أيام. ما يفتح المجال للتكهن بما سينتهي إليه قرار الحكومة. سواء بالتثبيت أو إجراء خفض أولي هذا العام. ومدى تأثير تراجعات النفط العالمية إلى مستوى دون الـ85 دولارًا في قرار اللجنة.
زيادة يوليو
وخلال يوليو/تموز الماضي رفعت “لجنة التسعير” أسعار المواد البترولية بقيمة تتراوح بين 50 قرشا وجنيه للتر. حيث تم زيادة سعر البنزين 95 بقيمة جنيه للتر ليصل إلى 10.75 جنيه بدلا من 9.75 جنيه. وسعر البنزين 92 بقيمة 50 قرشا للتر. ليصل إلى 9.25 جنيه بدلا من 8.75 جنيه. كما زاد سعر البنزين 80 إلى 8 جنيهات بدلا من 7.50 جنيه. وزاد سعر السولار بقيمة 50 قرشا للتر ليصل إلى 7.25 جنيه بدلا من 6.75 جنيه. وذلك في محاولة لتقليص حجم الدعم الموجه إلى قطاع الطاقة والمواد البترولية.
كما تم زيادة سعر طن المازوت المورد لباقي الصناعات 400 جنيه للطن ليصبح سعر الطن 5000 جنيه للطن وثبات أسعار المازوت المورد للصناعات الغذائية والكهرباء.
وكان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أصدر قرارا يقضي بتطبيق آلية التسعير التلقائي للمنتجات البترولية. اعتبارا من نهاية يونيو/حزيران 2019. حيث تقوم الآلية على وضع معادلة سعرية تشمل أسعار البترول العالمية وسعر صرف الجنيه أمام الدولار. بالإضافة إلى أعباء التشغيل داخل مصر. بحيث تسمح بارتفاع وانخفاض سعر المنتج حسب التغير في عناصر التكلفة. بما يسهم في خفض تكلفة دعم الطاقة في الموازنة العامة للدولة.
النفط العالمي والفائدة يُرجحان الخفض
وخلال سبتمبر/أيلول الجاري هبطت أسعار النفط عالميًا إلى أدنى مستوياتها منذ بداية العام. متأثرة بارتفاع الدولار ومخاوف من أن تؤدي الزيادات الحادة في معدلات الفائدة على مستوى العالم إلى ركود والإضرار بالطلب على الوقود.
وهبطت العقود الآجلة لخام برنت 1.27 دولار أو 1.5 % لتسجل نحو 84.87 دولار للبرميل. وهو معدل أقل بكثير من مستوى الأسعار السائدة منذ بداية 2022. ويأتي ذلك في صالح الحكومة المصرية التي تستورد بين 25 و30% من الوقود من الخارج.
وهنا تباينت آراء محللي وخبراء الطاقة حول تفكير الحكومة بشأن تسعيرة الوقود المنتظر الإعلان عنها خلال أسبوع. وذهب البعض إلى احتمالية إجراء خفض لأول مرة في أسعار البنزين بالسوق خلال 2022.
الخبير البترولي رمضان أبو العلا شرح لـ”مصر 360″ مُحددات تقييم أسعار الوقود في مصر. موضحًا أن هناك عاملين يدعمان الحكومة لإجراء خفض في أسعار البنزين وباقي أنواع الوقود خلال الربع الأخير من 2022. وهما أسعار النفط التي تراجعت بنسبة كبيرة إلى ما دون 85 دولارًا خلال سبتمبر/أيلول الجاري. وكذلك قرارات البنك المركزي الخاصة بتثبيت أسعار الفائدة مرتين متتاليتين.
تأثيرات الربع الأخير
فاتورة استيراد الوقود من الخارج تراجعت تدريجيًا الفترة الماضية نتيجة انخفاض الطلب على مستوى خام برنت. ومن ثم توفير جزء من قيمة دعم المواد البترولية. وهذا عامل محوري تُقيم على أساسه لجنة تسعير الوقود منحنى الأسعار التي ستتخذ الحكومة بشأنه قرارها الخاص بالأسعار.
لجنة السياسات النقدية كذلك لجأت في آخر اجتماعين لها إلى تثبيت أسعار الفائدة بالسوق -رغم التحركات العالمية. ما يعني أن الدولة لا ترغب رسميًا في إجراء خفض في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار. وهو العامل الثاني المُحدد والمتحكم في مستوى أسعار بيع المواد البترولية في السوق -وفق أبو العلا.
ولفت إلى أن تلك المُحددات تُرجح كفة تخفيض أسعار البنزين والسولار خلال الربع الأخير من 2022؛ بعد أن حركت الحكومة أسعار المحروقات أكثر من مرة العام الجاري. والتي أثرت بالسلب في مستوى أسعار النقل والسلع والمنتجات المحلية.
وقالت مصادر بهيئة البترول لـ”مصر 360″ إن حركة أسعار خام برنت بدأت في الهدوء نسبيًا وتراجعت الأسعار لما دون 90 دولارًا الفترة الماضية. بجانب هدوء التقلبات العالمية -حرب روسيا وأوكرانيا- ما يعني أن الـ3 أشهر المقبلة ربما ستشهد تحسنًا إضافيًا على مستوى أسعار الطاقة.
وتابع أن لجنة تسعير الوقود تُقيم المُحددات المؤثرة في تسعيرة الوقود قبل اتخاذ قرار للربع الأخير من 2022. وإن كانت هناك بعض التكهنات المتعلقة بإجراء خفض في حدود من 7 لـ10% على بعض أنواع المحروقات تعويضًا عن الزيادات التي حدثت خلال العام.
حركة الدولار
من جانبه رجح الخبير البترول عمر مصطفى أن تثبت الحكومة أسعار البنزين والسولار خلال الـ3 أشهر المقبلة عندما تجتمع لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية وتتخذ قرارًا جديدًا بشأن الأسعار الربع الأخير من 2022.
وتابع لـ”مصر 360″ أن الوفر الذي تحقق في فاتورة استيراد الوقود خلال شهر سبتمبر/أيلول بدعم تراجع أسعار خام برنت تعارض معه انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق طوال الـ 3 أشهر الماضية. والتي وصلت بالدولار إلى 19.53 جنيه. وبالتالي قد تكون الأولوية لدى الحكومة هي تثبيت الأسعار.
الاتجاه إلى تخفيض أسعار البنزين صعب خلال الفترة الحالية. فلا بد أن تحدث حالة استقرار في كل من أسعار النفط عالميًا وكذلك سعر صرف الجنيه لنشهد خفضا في أسعار البنزين محليًا.
وأوضح أن لجنة تسعير الوقود ستدرس المتغيرات التى حدثت على صعيد منظومة التسعير والإنتاج خلال الشهور الثلاثة الماضية لاتخاذ قرارها بشأن الأسعار التي سيتم تطبيقها محليا خلال 3 شهور المقبلة. وإن كان القرار سينصب على الأرجح في صالح التثبيت وليس التخفيض بفضل حركة الدولار وارتفاعه الفترة الماضية وتجاوزه 19 جنيهًا.
وتوقع استقرار سعر برميل البترول العالمي خلال الفترة المقبلة قرب 80 دولارًا. وذلك حال عدم حدوث أي ظروف غير طبيعية لها تأثير كبير في الأسواق. وأوضح أن السعر العادل لبرميل النفط في حدود 60 دولارا. وأنه إذا انخفض عن هذا المستوى بأكثر من 5 دولارات يمثل خسارة للمنتجين. والعكس يمثل خسارة للمستهلكين.
أين مكاسب الغاز؟
وتساءل عدد من المواطنين: “لماذا لم يعوض الغاز الطبيعي الفجوة الحالية في أسعار المنتجات البترولية وعلى رأسها البنزين؟”.
وذلك باعتبار أن الدولة تمكنت الفترة الماضية من تصدير كميات من الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج.
هنا يرى الخبراء أنه من المفترض أن يتم توجيه جزء من قيمة الغاز المصدَّر لتوفير البنزين والسولار بسعر ملائم للفئات الأقل دخلاً. خاصة خلال الفترة الراهنة التي شهدت تحريك أسعار عدد من أنواع الوقود.
وشهد الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي حالة استقرار ووصل خلال العام المالي 2021/2022 إلى نحو 6.7 مليار قدم مكعب يوميًا. بينما ارتفعت صادرات مصر من الغاز المسال بنحو 44% خلال العام المالي المنقضي بفضل محطتي إسالة الغاز “إدكو ودمياط”. وتعول عليه الحكومة كثيرًا في توفير عملة دولارية جيدة للموازنة العامة للدولة خلال الفترة الراهنة.
يقول رمضان أبو العلا: “مكاسب الغاز تندرج تحت بند البترول والغاز في الموازنة العامة. وبالتالي أي مكاسب يحققها الغاز المسال يعود بالنفع على القطاع ككل. ومن ثم لا بد أن تعوض تلك المكاسب تغيرات وتقلبات سوق النفط والمواد البترولية التي تستوردها مصر”.
هيكلة الدعم وإنتاج البنزين
في عام 2014/2015 بدأت الحكومة -ممثلة في وزارة البترول- خطة ترشيد دعم الطاقة. وذلك بتطبيق زيادات متتالية في أسعار الوقود ومنها البنزين.
وقد أعلنت حينها خطة لإلغاء الدعم وتحرير سعر الطاقة بحلول 2021. ومحاسبة المواطن بسعر التكلفة. على أن يتم ربط سعر بيع المنتجات البترولية بالأسعار عالميًا عبر لجنة تسعير الوقود التلقائي التي شُكلت لهذا الغرض.
ويقول مدحت يوسف -نائب رئيس هيئة البترول السابق: “قبل اعتماد برنامج رفع الدعم عن الوقود -الفترة 2010-2015- كانت الدولة تعاني من عجز واضح في توفير الوقود. ومنه البنزين والسولار. ومن ثم كان لذلك تأثير في مختلف الأنشطة اليومية للمواطن. ولذا اتجهت الدولة إلى تطوير القطاع وإقامة مشروعات إنتاج وتكرير جديدة لتلبية احتياجات السوق من المنتجات البترولية”.
لكن إلى الآن لم تصل الدولة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية. رغم عمليات البحث والتنقيب المكثفة التي تمت السنوات الماضية -حسب “يوسف”.
ورغم التوسع في خطط الإنتاج والتكرير فإن حجم إنتاج الوقود لا يزال غير كاف لسد كامل احتياجات السوق. لذا تعمل مصر على تأمين احتياجاتها من المشتقات النفطية. التي ترهق الموازنة العامة للبلاد بأعباء كثيرة. وسعت إلى زيادة إنتاج البنزين محليًا من نحو 3.9 مليون طن في عام 2014 إلى 6 ملايين طن خلال 2021 بنسبة زيادة 59%.
في الوقت الذي تستهلك فيه الدولة ما يزيد على 6.7 مليون طن بنزين سنويًا. أي إن الدولة تلجأ إلى الاستيراد الخارجي لتأمين جانب من احتياجاتها. واستوردت مصر كميات من البنزين في عام 2018 بواقع 1.8 مليار دولار قبل أن ينخفض إلى 613 مليون دولار في 2020.
وبالتالي لا تزال هناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب. لذا تحاول الدولة سد الفجوة عبر الاستيراد. وهو ما يجعلها عرضة للتأثر بتقلبات الأسعار العالمية من النفط الخام. ومن ثم تحريك أسعار الوقود للجمهور المستهلك ومنها البنزين والمازوت.