في معاناة منظمة يحرمن آلاف النساء في لبنان من حضانة أطفالهن بعد الطلاق، نجحت بعد القصص المأساوية في التسرب والخروج إلى النور ليرى العالم ويعرف ما تعانيه المرأة اللبنانية من قوانين تتشبع بالتميز والقهر، بينما ظلت آلاف القصص الأخرى خلف الأبواب ترافق أصحابها ولا يعرف عنها شيء.
يوجد في لبنان 15 قانونا للأحوال الشخصية، حيث تتعدد وتتفاوت وفقا للمذاهب والطوائف الدينية، وفي هذا البلد قد تسجن الأم لمدة عامين وتغرم 200 ألف ليرة إذا رفضت التخلي عن حضانة طفلها، وفقاً للمادة 496 من قانون العقوبات.
وتنص المادة المذكورة من قانون العقوبات على أن:” الأب والأم وكل شخص آخر لا يمتـثل أمر القاضي فيرفض أو يؤخر احضار قاصر لم يتم الثامنة عشرة من عمره يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين وبالغرامة من خمسين ألف الى 200 ألف ليرة”.
في الـ6 من أكتوبر من العام الماضي، وقبل أن تبلغ عامها الثلاثين، رحلت الناشطة اللبنانية نادين جوني أثر حادث سير، قبل أن تنطفئ نارها باحتضان طفلها من جديد.
وخاضت “نادين” معارك جسورة في مواجهة قوانين المحاكم الجعفرية (المؤسسة القضائية الشرعية التي تحتكم إليها الطائفة الشيعية)، لتعديل سن الحضانة وشروطها بعد أن حرمتها هذه القوانين من حضانة ابنها عقب طلاقها.
وكانت “نادين” واحدة ممن قدن الحملة المطالبة برفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، والتي رفعت شعار (حضانتي ضد المحكمة الجعفرية) وتركزت مطالبها في رفع سن الحضانة لسبع سنوات للطفل وتسع سنوات للطفلة، ثم حضانة مشتركة بين الأبوين حتى بلوغ الطفلة أو الطفل سن الـ16 عامًا.
وفي أكتوبر من عام 2018 صدر حكم بحبس اللبنانية ريتا شقير 3 أشهر، بعدما رفض ابنها آدم ذي الست سنوات مصاحبة مأمور تنفيذ للذهاب لوالده تنفيذاً لحكم حضانة لصالحه.
وقالت المحكمة في حكمها الصادر، أن الأم مسؤولة عن إقناع ابنها بالذهاب لوالده. وكان طليقها قد حصل على حضانة ابنهم بعد طلاقهم في 2015.
لكن الحظ كان على لقاء مع ريتا وطفلها الذي رفض فراقها، حيث هزت تلك القضية الرأي العام بلبنان وقاد النشطاء حملة للضغط على القضاء اللبناني لوقف تنفيذ الحكم وترك الطفل معها.
وبالفعل وقع اتفاق بحضور ورعاية رئيس دائرة التنفيذ في بلدة جويا القاضي ريشار السمرا، والمحاميين ممثل الطليق وطليقته، على أن يكون الطفل مع الأم خمسة أيام في الأسبوع، ومع والده يومين فقط. وبناء عليه، تقرر وقف تنفيذ القرار.
اعتتراض على قرار المحكمة الروحية
في اعتصام دام لأيام صاحبه إضراب عن الطعام أمام الصرح البطريركي في بكرك، سجلت الأم دوللي الخبار، الأستاذة الجامعية اعتراضها على قرار المحكمة الروحية بنزع حضانة ولدَيْها منها لصالح الوالد، بذريعة عدم قدرتها على تربية طفليها لأسباب نفسية!
قرار المحكمة الابتدائية المارونية الموحدة الصادر في 15 يناير من عام 2019، منح الوالد “حق حراسة الولدين القاصرين”. كما أقر “ثبوت بطلان الزواج” (الطلاق لدى الطوائف المسيحيّة) بداعي عدم قدرة الخباز” على تحمل واجبات الزواج الأساسية لأسباب ذات طبيعة نفسيّة، استناداً إلى القانون 818 الفقرة 3″.
قرار المحكمة جاء بعد ثلاث سنوات من دعوى الطلاق، ووفق دوللي فإن القرار صدر بسبب تقرير صادر عن طبيبة نفسيّة لم أرها ولم أتعرف عليها ولم تقابلني”!
قضية رأي عام
يونيو من عام 2018 تحولت قضية ميساء منصور إلى قضية رأي عام بعدما اقتحمت قوات الأمن اللبناني منزلها لانتزاع طفلها فارس والذي يبلغ من العمر 9 سنوات، لتسلميه للأب تطيقا لقرار المحكمة الشرعي السنية التي أسقطت حقها في الحضانة بالمخالفة للقانون ودون وجه حق أو سبب معلن.
قوانين الأحوال الشخصية في لبنان
15 قانوناً للأحوال الشخصية مرتبطة بقضية الحضانة.. فإن طلقت المرأة اللبنانية تعاقب بحرمانها من حضانة أطفالها وإن ترملت، يحرّم عليها الزواج مرّة أخرى في حال أرادت الاحتفاظ بحضانة أطفالها، وبخلاف ذلك تُعتبر غير مؤهلة لتربية أطفالها وبالتالي لا يحق لها الحصول على الحضانة.
ويمنح قانون الأحوال الشخصية الخاص بالطائفة الشيعية بلبنان حضانة الأطفال للأب في سن مبكرة؛ إذ يعطي الأم حق حضانة أطفالها حتى سن 6 سنوات للأنثى وسنتان للذكر.
وتسمح الطائفتان السنية والإنجيلية للأم بفترة حضانة لأطفالها (ذكور وإناث) حتى سن الثانية عشرة. و14 عاما للذكر و15 عاما للأنثى وفقا لقانون الروم الأرثوذكس.
وفي عام 2015، ذكر تقريرٌ لمنظمة حقوق الإنسان الدولية هيومن رايتس ووتش، أطلق عليه اسم “لا حماية ولا مساواة،” جميع أشكال التمييز التي تواجه المرأة في لبنان، بما في ذلك الأمهات.
إذ ذكر التقرير على سبيل المثال، “تصطدم النساء المنتميات إلى مختلف الطوائف بعقبات قانونية وغير قانونية لدى مبادرتها على إنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة.
المحاكم الجعفرية ” الشيعية” أكثر تشددا
تستند المراجع الدينية لدى الشيعة بأحقية الأم بحضانة الأبن لمدة سنتين فقط على الآية القرآنية التي تقول: “والوالداتُ يُرضِعنَ أولادهنَّ حولينِ كاملينِ”. وتمنح البنت سنوات إضافية، حتى السابعة، كون الأم أولى بتنشئتها.
لا يطبق ها سوى في لبنان، ففي العراق على سبيل المثال، حيث المرجع الشيعي علي السيستاني، يحق للأم حضانة أطفالها من الجنسين حتى سن العاشرة. كذلك ينص القانون في إيران، على الحضانة حتى سنّ السابعة للولد، والتاسعة للبنت.
في تصريح سابق، قال مهدي الأمين رج الدين اللبناني، إن هناك إمكانية تخليص للحوزة والفقهاء من حرجهم ومراعاة البعد الإنساني في قانون الأحوال الشخصية، في أن تعتمد المحاكم الشرعية قبل عقد القران على نوع من الاتفاقية الملزمة للطرفين بما أن العقد شريعة المتعاقدين طالما أنه لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال، ويتم فيه الاتفاق على أساسيات العلاقة بينهما وخصوصا في حال تم الانفصال.
اعتراضا على تلك القوانين
فيما يتعلق بالحضانة، تؤكد القوانين الدينية الشيعية والسُنية والدرزية بشكلٍ عام أنه في حال حدوث طلاق، ينبغي أن يحدد عمر الطفل، وليس مصلحته الفضلى، مع من يقيم. كما يمكن للقضاة السُنة، على أساس فردي، النظر في مصلحة الطفل الفضلى في تحديد الحضانة، وكذلك القضاة المسيحيين.
وطرحت المنظمة في تقريرها حلا لأزمة حضانة الأمها للأطفال قالت: “إن إقرار قانون مدني يضمن المساواة في الحقوق لجميع اللبنانيين أياً كان جنسهم أو ديانتهم. وقد انصبت الجهود الحالية على جعله اختيارياً، بمعنى آخر أن يقوم بموازاة القوانين الطائفية”.
قوانين متحيزة
من جانبها ترى رئيسة منظمة “كفى” زويا جريديني” ، إن قوانين الأحوال الشخصية في لبنان في مجملها لا تكفل المساواة، إذ يستخدم تعبير ‘ناشز’ عند كلّ الطوائف اللبنانية، لوصف المرأة التي تترك بيتها وتغادر زوجها حتى وإن كانت تعنف، ويحق للقاضي أن يعتبرها ‘فاسقة’ ويحرمها من حضانة أطفالها وفقا للقوانين. وتضيف: لابد من وجود قانون موحد مدني للأحوال الشخصية، فنحن مواطنات في هذه الدولة، ولسنا رعايا طوائف”.
وتجدر الإشارة إلى أن إقرار قانون مدني بموازاة قوانين الأحوال الشخصية الطائفية لن يكون كافياً للقضاء على أشكال التمييز في الأحوال الشخصية الناشئ عن قوانين الأحوال الشخصية القائمة. ويقتضي أن يقترن العمل في سبيل تبني قانون مدني اختياري بإقرار إصلاحات جوهرية على القوانين الطائفية القائمة كما يتعين على مؤسسات الدولة أن تمارس الرقابة على المحاكم والقوانين الطائفية.”