يوم بعد الآخر تقترب مصر من الموعد المحدد لاستضافة الدورة 27 لمؤتمر الأطراف COP27 التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ والذي سيعقد بين 7 و18 نوفمبر/تشرين ثان 2022 في شرم الشيخ. ويبدو واضحا سعي الدولة بكل الطرق لإخراج الحدث على المستوى التنظيمي والصورة الذهنية بأفضل ما يكون.
بيد أن هناك بعض المنغصات التي قد تفرض نفسها على سياسة الدولة خلال تفاعالاتها مع الملفات الدولية خاصة الموقف الحقوقي الذي يقحم نفسه على الحدث الجاري الآن. إذ تتزايد الضغوط الإعلامية والحقوقية الغربية لحشد مجتمع المناخ العالمي لمناصرة حقوق الإنسان في مصر وعدم الاكتفاء بالتظاهر حول حقوق البيئة فقط. بما قد يضع الدولة في حرج ما.
من آخر الأحداث
نشطت الدولة بشدة خلال الأسابيع الماضية ونجحت في استقطاب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي وسفارتي الدانمارك وسويسرا ومؤسسة المناخ الإفريقي داخل مشروع جديد بقيمة 6.2 مليون دولار لدعم استضافة مصر للدورة 27 في نهاية هذا العام.
يشير البيان الذي خرج عقب حفل التوقيع في القاهرة بمبنى وزارة الخارجية إلى تأمين هذه الجهات الخبرات التقنية والمعرفة اللازمة لمصر خلال استضافتها مؤتمر الأطراف 27، وربما لهذا أشاد به السفير أيمن ثروت نائب مدير ادارة البيئة والمناخ والتنمية المستدامة بوزارة الخارجية المصرية .
السفير يرى أن حفل التوقيع دليل حقيقي على الالتزام العالمي تجاه إنجاح CoP27 في مصر والذي يهدف إلى تمهيد الطريق لعصر جديد من العمل وتعبئة الموارد المتاحة لمكافحة تغير المناخ وضمان الانتقال المتوازن إلى السياسات الخضراء.
انتقادات في واد آخر
على الرغم من النجاح المصري الدبلوماسي والسياسي في الملف، إلا أن هناك أشواك قادمة في الطريق لاسيما بعد تصريح سامح شكري وزير الخارجية عن السماح بالتظاهر لنشطاء البيئة، وربما أراد حصر تراخيص التظاهر في النشاط البيئي. لكن القضية حسب الأعراف التنظيمية التي ترسخت خلال العقد الماضي دائما تخرج عن هذا السياق، وتتطرق لحرية الرأي والتعبير والموقف الحقوقي المحلي والعالمي.
حسب نجاد البرعي الحقوقي وعضو مجلس أمناء الحور الوطني لـ”مصر 360″، الدولة حددت أماكن للتظاهر أثناء قمة المناخ، وبالتالي فالنشطاء يذهبون إلى هناك ويتحدثون في ما يشاءون. كما يضيف: “طالما الدولة وافقت على مبدأ التظاهر، فأي شخص أو مجموعة من الناس من حقها أن تقول كل ما تريد”.
التقط طرف هذا الخيط منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعروفة بموقفها المعارض للنظام المصري، إذ أصدرت تقريرًا زعمت فيه بناء على مصادرها أن السلطات المصرية فرضت عقبات تعسفية في التمويل والبحث والتسجيل أمام الجماعات البيئية المحلية ـلم تحدد اسمائهاـ وإن كانت حددت أعدادهم وهوياتهم المهنية. “13 ناشطا وأكاديميا وصحفيا” يشاركون في العمل المناخي داخل مصر، وجميعهم رفضوا الكشف عن هويتهم لأسباب أمنية على حد قول التقرير.
حسب ريتشارد بيرسهاوس، مدير البيئة في هيومن رايتس ووتش فالقيود المصرية ستنتهك الحق في حرية التجمع وتهدد قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالعمل البيئي والمناخي. إذ كيف تحظر على منظمات الداخل التظاهر في الوقت الذي يشارك بالمؤتمر نحو 200 دولة بخلاف عشرات وربما مئات الراقبين والمنظمات غير الحكومية التي تملك اتصالات مع نظيرتها بكل دول العالم بما فيها المنظمات المصرية العاملة في الشان الحقوقي.
ولتأكيد جدية مزاعم التقرير أشارت “رايتس ووتش” إلى عدم رد وزارة البيئة ـ الجهة المعنية بإصدار التصاريح ـ على طلبات المشاركة، أو نشرها حتى الآن قائمة بالذين حصلوا على تصاريح الحضور داخل وخارج مصر .
لكن الخارجية المصرية سارعت بالرد وهاجمت المؤسسة وقالت إن تقريرها مضلل وأكدت أن نشره جاء “بنتائج عكسية” كما أشارت الخارجية إلى أن المنظمات المسجلة لدى الحكومة من حقها التقدم بطلب للحصول على اعتماد للمشاركة في قمة المناخ دون استسال في الرد.
أي منظمات رفضتها الدولة؟
على مدار الأيام الماضية حاول “مصر 360” التواصل مع بعض المنظمات التي أثارت القضية من داخل مصر لاسيما المفوضية المصرية للحقوق والحريات التي صرحت لأحد المواقع الدولية الكبرى بما يفيد بعدم قدرتها على المشاركة في القمة، بسبب ما وصفته بغياب الشفافية في عملية تسجيل المنظمات المدنية المحلية المستقلة الراغبة في الحضور.
لم يستنى لنا الحصول على إجابات من مديرها التنفيذي محمد لطفي، إذ لم يرد على الاتصالات أو الرسائل حتى الآن، بينما تحفظ المسئولين عن الملف في المفوضية عن الرد أو إعطاء أي إيضاحات حول التصريحات، بيد أن ذلك تزامن مع إصدار 12 منظمة حقوقية مصرية بيانا مشتركا دعمته 104 منظمة ومجموعة و 102 فردًا من أكثر من 50 دولة يطالب السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن المحتجزين بسبب ممارستهم السلمية ووضع حد لحجب المواقع الإلكترونية في البلاد ذلك قبل الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف.
المنظمات التي جاء على رأسها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمنتدى المصري لحقوق الإنسان، والمبادرة المصرية لحقوق الإنسان طالبت السلطات المصرية بإنهاء ملاحقة نشطاء ومنظمات المجتمع المدني وضمان عمل الجماعات الحقوقية دون خوف من الانتقام بما يمكن المجتمع المدني من المشاركة بشكل هادف في المناقشات حول تغير المناخ.
من أرشيف القمم السابقة.. من يدير مؤتمر المناخ؟
حسب الأعراف المتبعة تلتزم رئاسة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف المقرر عقده في شرم الشيخ بضمان عملية شفافة وشاملة خلال عمل المؤتمر، وتساعدها في ذلك رئاسة الدورة السابقة التي عقدت في جلاسكو باسكتلندا، إذ تتشارك الرئاسات على المستوى الوزاري ورؤساء الوفود والمستويات التقنية ـ حسب الحاجة ـ في القضايا الحاسمة لإنجاز العمل خلال عام 2022 لإنجاح الدورة السابعة والعشرين.
ويجب أن توفر المشاورات المنتظمة متعددة الأطراف على مستوى رؤساء الوفود فرصة لكل الأطراف للمشاركة، إذ يجب ان يوحّد البرنامج بين أصحاب المصلحة الحكوميين وغيرهم، كما يعزز التعاون فيما بينهم من اجل تحقيق الهدف النهائي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والمساعدة في ضمان الانتقال العادل إلى اقتصاد خالٍ من الاحتباس يخفف من حدة الفقر ويساعد على تأمين مستقبل مستدام.
وبينما السطور السابقة لاتشير لأي التزامات واضحة على الدولة المنظمة، تقول الأحداث أن حركة المناخ العالمية نجحت خلال العقد الماضي على وجه التحديد في إعادة صياغة أزمة تغير المناخ باعتبارها قضية اجتماعية عالمية بدلاً من البقاء في الدوران حول سياقها القديم باعتبارها قضية “بيئية” تناقش في الغرف المغلقة وعلى مستوى اكاديمي أو نخبوي.
حدث تطور شديد خلال مناقشات المناخ بالأمم المتحدة، إذ أصبح المجتمع الدولي يدرك بشكل متزايد أهمية دعم حقوق الإنسان في مكافحة تغير المناخ، لهذا خرج أحد أهم الإعلانات الرئيسية الصادرة عن مؤتمر الأطراف السابق بشأن المناخ ـ إعلان جلاسكو ـ يؤكد على أهمية صيانة حقوق الإنسان كمدخل لاتخاذ إجراءات مناخية فعالة.
يشدد البيان على أهمية حقوق الإنسان ووضع هذه الاشتراطات في قلب جداول أعمال البيئة والتنمية المستدامة بما يضمن المشاركة العادلة والمنصفة والعادلة لمجموعة واسعة من الأفراد في جميع جوانب صنع القرار الحكومي، وهو ما يتعارض مع النهج المصري، إذ لايستسيغ المشاركة بهذا المعنى في عمليات صنع القرار.
أوراق الضغط على مصر
حتى الآن لم يخرج أي تصريح من الجهات المسئولة عن المناخ بالأمم المتحدة للإشارة إلى مشكلة واضحة بالنسبة لها تجاه قضايا حقوق الإنسان في مصر، وإن كان ذلك يشكل لها أزمة خلال انعقاد مؤتمر المناخ في شرم الشيخ، لكن الميديا الغربية والمنظمات الحقوقية تضغط بشدة لربط الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف بحقوق الإنسان والعدالة البيئية.
تحاول الميديا والمنظمات بشكل مضطرد حشد حركة المناخ العالمية لدعم حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في مصر، وتبرر ذلك بالسعي لإنجاح العمل المناخي في الجنوب العالمي، مما يعني أن أيام المؤتمر ستحمل ضغوطا أشد للغاية في هذا الجانب، لاسيما إذا خرجت المظاهرات المرتقبة عن المألوف، وأثارت أزمة مع السلطات الأمنية المصرية .