لا تحظى العلاقات مع إسرائيل بتأييد شعبي في أغلب الدول العربية، إذ يأتي المصريون في المرتبة الأولى كأكثر الشعوب العربية رفضا للتطبيع، ويحل الأردنيون بعدهم في المركز الثاني. يأتي ذلك رغم مرور أكثر من 40 عاما على اتفاقية السلام التي وقعتها القاهرة وعمّان مع تل أبيب. الأمر يختلف إذا نظرنا إلى العلاقات مع الولايات المتحدة. إذ تختلف نظرة المصريين إلى واشنطن عن نظرائهم في عمّان. فالمصريون مازالو ينظرون إلى واشنطن بنظرة سلبية، كما يفضلون التعاون بشكل أكبر مع روسيا والصين.
اقرأ أيضا.. المنتدى الاقتصادي: العالم في خطر كبير.. وآفاق “مظلمة” معيشيا
وتظهر مؤشر “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني” عدم رضا أغلبية الشعوب العربية، بما فيها الدول الغنية في الخليج، عن أداء وسياسات الحكومات. خاصة فيما يتعلق بالأزمات المعيشية التي تمثل أولوية لدى مواطنين المنطقة العربية بما فيها تلك التي تتمتع بفوائض مالية كبيرة. لكن لا تتساقط ثمار التنمية المحتملة، والتي يروّج لها ضمن السياسات الاقتصادية لا في مصر ولا دول الخليج بشكل يلبي متطلبات الشعوب.
معهد واشنطن أجرى استطلاعا للرأي، قسم على عدة أجزاء خلال عام 2022. كان الجزء الأول في مارس/آذار بينما أجري الثاني في يوليو/تموز، والثالث في أغسطس/آب 2022. كما استند على منهجية المقابلة الشخصية، وركز على قياس اتجاهات الرأي بخصوص العلاقات الدولية والقضايا المعيشية.. في التقرير التالي عرض مشمول بالمقارنة بين نتائج الاستطلاع..
القضايا المعيشة وأزمة الاقتصاد
تركت الحرب الروسية الأوكرانية أثارها الاقتصادية، وتسببت في ارتفاع كبير في أسعار الغذاء، ما ترك ضغوطا على موازنات الدول المتعثرة أساسًا، وعجزت أحيانا في تدبير احتياجات أسواقها.
يكشف استطلاع آذار/مارس أن هناك اتجاه رأي يحمّل روسيا مسؤولة الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء. وتوافق أغلبية الشعوب على أن “التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا هو السبب وراء الارتفاع الأخير”. وكانت النسبة الأكبر المؤيدة لذلك الرأي في أوساط اللبنانيين (70%) في حين وافق أكثر من نصف سكان الخليج على ذلك. كما عبر معظم المواطنين عن خيبة أملهم من إخفاقات الحكومات في مواجهة التحديات الاقتصادية.
المصريون: الوضع الاقتصادي في بلادنا سيئ وسيبقى سيئًا على الأرجح
تواجه بعض المناطق حالات قاسية من الجوع كما في اليمن وسوريا. كما يواجه 64% من أهل غزة حالة من انعدام الأمن الغذائي. ولم تتحسن الأوضاع بعد موجة الجفاف التي اجتاحت المشرق وشمال إفريقيا، وتركت أثارها لتزيد الوضع سوءًا عبر التسبب في تلف بعض المحاصيل. الأمر عمّق أزمة الغذاء، والتي قدرتها منظمة الأغذية والزراعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أنها طالت 141 مليون شخص في العالم العربي.
وبحسب الاستطلاع بدأت التصدعات تظهر مع أزمة الأسعار. إذ حددت مصر سقفا لسعر الخبز، بينما ارتفع سعره في لبنان أكثر من ضعف السعر المسجل منتصف 2020، وخلال استطلاع أغسطس سادت حالة من التشاؤم بشأن الاقتصاد. كما أعرب أغلبية المصريين (85%) عن موافقتهم على التصريح التالي: “الوضع الاقتصادي في بلادنا سيئ بشكل عام وسيبقى سيئًا على الأرجح”.
الإحباط يتمدد: غضب وخيبة أمل تجاه السياسات الرسمية
ويُظهر منحى الاستطلاعات أن نسبة الإحباط في العديد من الدول العربية إزاء كيفية التعاطي مع التحديات الاقتصادية قبل اندلاع الحرب الأوكرانية كانت كبيرة أساسا وتمثلت في حالة غضب كبيرة تجاه السياسات الحكومية.
في أواخر العام الماضي 2021، طُلب من المستطلعين إبداء رأيهم حول كيفية إدارة دولهم “للمشاكل الاقتصادية والمحن اليومية”. كانت النتائج تشير إلى أن أكثرية المستطلعين محبطين من آداء حكوماتهم. وبلغت نسبتهم في البحرين (42%) ومصر (47%) والأردن (54%)، وفي لبنان (96%). وجهات النظر تلك لم تتغير بشكل أساسي منذ الفترة التي طُرح فيها هذا السؤال قبل عامين، باستثناء الإمارات وقطر حيث يرون دولتهم تقوم فعليًا “بالكثير” لمعالجة المشكلات.
وكان من اللافت عدم رضا مواطني البحريين عن سياساة حكوماتهم، ويظهر استطلاع واشنطن أيضا أن نصف السعوديين يرون أن “الوضع الاقتصادي في بلدنا سيئ عمومًا، وسيبقى هكذا على الأرجح” وتعكس الأراء تلك أن خيبات الأمل مستمرة، خاصة في دول الاقتصاديات المتعثرة. مما أجّج الإحباط الذي يجعل نصف السعوديين متشائمين حيال اقتصاد بلادهم. بينما يبدو الإماراتيون منقسمين بين التقييمات الإيجابية والسلبية. فيعتبر 47 في المئة أنه “سيئ بشكل عام”؛ بينما لا يوافق 49 في المئة على ذلك.
الموقف من القوى الدولية
في استطلاع مارس/آذار نظر المصريون إلى العلاقات مع موسكو على أنها أكثر أهمية من العلاقات مع الولايات المتحدة، ذلك رغم معارضاتهم للحرب على أوكرانيا. رغم أن (64 في المئة) يعتبرون أن الحرب تسببت في “ارتفاع أسعار المواد الغذائية” وتتماشى هذه الأرقام إلى حدّ كبير مع نتائج أخرى في استطلاع رأي شمل الأردن وأربع دول من الخليج العربي.
الصين وروسيا
اختار نحو نصف المصريين (46%) روسيا “كالدولة الأفضل لحمايتنا من أعدائنا الخارجيين”. وفي المقابل، حصلت الصين على 26% فقط من الإجابات على هذا السؤال، بينما أصبحت الصين الآن الأولى عند 60% متخطيةً روسيا وأمريكا على السواء. علاوةً على ذلك، وقع الخيار على روسيا للتعاون فى قضايا الامن والحماية.
في حين أتت الولايات المتحدة في مرتبة متأخرة، حاصدةً 12 في المئة. ويؤيد نصف الشعب المصري تقريبًا (43 في المئة) هذا التصريح: “لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة في هذه الأيام، لذا علينا التطلع أكثر إلى روسيا أو الصين كشريكيْن”.
وحصلت أيضًا روسيا على (32%) باعتبارها “الدولة التي ستكون الأكثر تأثيرًا على الأرجح في منطقتنا بعد عشر سنوات من الآن”، متخطيةً الولايات المتحدة (28%) والصين (24%).
موسكو عامل توازن ضد الهيمنة الأمريكية
يعتبر بعض المصريين روسيا “عامل توزان” ضروريًا من أجل التخفيف من “الهيمنة الأمريكية”. ويعتبر البعض حتى الولايات المتحدة كأحد “أعداء مصر الخارجيين”.
في حين أوضحت نتائج الاستطلاع في الأردن، رفضًا شعبيًا كبيرًا “لأعمال روسيا العسكرية” في أوكرانيا، وتحصد روابط الأردن مع الولايات المتحدة تأييدًا أكبر، وبخاصةٍ في المجال الأمني. وتعتبر شريحة كبيرة أن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة إما مهمة للغاية أو مهمة إلى حدّ ما. واختارت الأكثرية (43 %) الولايات المتحدة “كأفضل دولة يمكنها تقديم المساعدة في حمايتنا من الأعداء الخارجيين”. كما ترى أكثرية أصغر أن الولايات المتحدة هي القوة الخارجية “التي يمكنها تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في بلدنا بأفضل طريقة” (37%).
الموقف من إسرائيل واتفاقيات التطبيع: مصر الأكثر رفضا والإمارات الأكثر قبولا
لا تحظى العلاقات مع إسرائيل بشعبية في أوساط الأردنيين، فـ10% فقط تؤيد “إلى حد ما” اتفاقات إبراهيم، وهذه النسبة المتدنية نفسها من الأردنيين تؤيد مقولة “إن الأشخاص الذين يريدون التواصل مع إسرائيل على الصعيدين التجاري أو الرياضي يجب السماح لهم بذلك”. ومن الواضح أن توطيد العلاقات الرسمية في الآونة الأخيرة لم ينعكس على المستوى الشعبي.
بينما في السعودية يوافق 42% من المشاركين في استطلاع آب/أغسطس على أنه “يجب السماح للأشخاص بالتواصل مع إسرائيل”. وتضاعفت هذه النسبة مباشرة بعد إعلان “اتفاقات إبراهيم” خريف عام 2020؛ ولكن هناك 26% تعارض ذلك “بشدة”.
تراجع مصري عن تأييد اتفاقيات التطبيع
في مصر تراجعت نسبة من يوافقون على التواصل مع إسرائيل إلى 10%، وشهد الرأي العام المصري تحولًا سلبيًا للغاية إزاء “التطبيع”. واعتبرت نسبة 13% اتفاقات إبراهيم ذات أثرًا إيجابيًا بعد أن كانت 25% بعيْد الإعلان عن هذه الاتفاقات، ويؤكّد التراجع نتائج سجّلها استطلاع أُجري في نوفمبر 2021.
وعارض المصريون خلال استطلاع مارس/آذار بشكل كبير (85%) التصريح التالي: “يجب السماح للأشخاص بالتواصل مع إسرائيل على الصعيديْن التجاري أو الرياضي”. ولم تتغير هذه النسب منذ نوفمبر/تشرين ثاني 2020، ولا تزال اتجاهات الرأي تجاه التطبيع سلبية على الرغم من توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية الرسمية مؤخرا.
ويوضح استطلاع أغسطس أن المصريين ما زالوا يرفضون السماح بأي علاقات رياضية أو تجارية مع الإسرائيليين، واعتبر 14% فقط أن اتفاقيات السلام إيجابية. ما يعني أن الشعب لا يؤيد سياسات حكومته. وتتناقض هذه المواقف مع مواقف 40% تقريبًا من سكان الخليج، الذين يدعمون العلاقات التجارية والرياضية مع إسرائيل.
ويتضح بشكل عام أن اتجاهات الرأى العام العربي منشغلة بالأزمة الاقتصادية، كما أن هناك رفضا لسياسات حكوماتها بشأن مواجهة التحديات الاقتصادية. كذلك فيما يخص التطبيع. وهناك ميل للعداء لإسرائيل مازال قائما خصوصا في مصر مع مراهنة على تنويع وإعادة صياغة العلاقات الدولية وعدم الاعتماد على أمريكا في كثير من القضايا الأمنية والدفاعية. وتوطيد العلاقات مع روسيا والصين هو الاتجاه الغالب، ويهدد المنطقة شبح الأزمة الاقتصادية وضمنها أزمة توفير الغذاء.