على وقع الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها العالم، شهدت عدة دول احتجاجات الأسبوع الجاري، في وقت لم يشهد الاقتصاد العالمي المتعثر أي تعافي يذكر، بل ارتفعت التوقعات حول اتساع نطاق الأزمة، لتشمل استمرار الارتفاع في معدلات التضخم والغلاء.
يأتي هذا أيضا في ظل توقعات بأن تضرب الأزمة الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب وشرق أسيا، إلى حدود التسبب في انعدام الأمن الغذائي، ما يمكن اعتباره أحد أهم محركات الاحتجاج عالميا.
اقرأ أيضا.. غلاء وبطالة وضعف تعليم.. ثلثا الشباب العربي عاجزون عن توفير نفقاتهم
جمدوا الأسعار.. لا تجمدوا المواطنين
البداية كانت في بريطانيا، حيث نزل الآلاف لشوارع العاصمة لندن السبت الماضي، احتجاجا على أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، ولوح بعضهم بفواتير الخدمات وأحرقها البعض الآخر. وكانت الحكومة أقرت الموازنة العامة في ظل أزمة اقتصادية ضمن جوانبها ارتفاع التضخم، وهبوط الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته. الأمر أدى لتخفيض القوة الشرائية للمواطن. بينما طالب صندوق النقد الدولي بريطانيا بإعادة النظر في الموازنة المصغرة التي قلصت النفقات إلى حدود بعيدة.
رفع المتظاهرون شعارات: “ادعموا الإضرابات وجمدوا الأسعار، لا تجمدوا المواطنين، افرضوا ضرائب على الأثرياء”. وقال أحد المحتجين: “سيكون الشتاء قاسيا على العديد من الأسر التي تواجه صعوبات في دفع فواتيرها سيظهر القسوة الحقيقية لحكومتنا”.
وتأتي الاحتجاجات في لندن بالتزامن مع تولي ليز تراس رئاسة الحكومة، والتي اتخذت قرارات من بينها تخفيضات كبرى للضرائب للشريحة الأغنى، ما اعتبر انحيازا طبقيا دال على غياب العدالة الضريبية، وأثار مزيداً من الغضب، ويظهر التململ من الحكومة الجديدة متمثلا فى نتائج بحسب استطلاع معهد “يوغوف” الذي أوضح أن أكثر من نصف الذين استطلعت آراؤهم يرون أن “رئيسة الوزراء ليز تراس يجب أن تستقيل”.
فرنسا وألمانيا.. احتجاج على وقع أزمة الطاقة
فرنسا هي الأخرى شهدت مسيرات حاشدة تطالب بزيادة الأجور وعدم رفع سن التقاعد. ونزل للشوارع آلاف المتظاهرين، ضمن حركة احتجاجية عادت للنشاط، من ضمنها تظاهرات وإضرابات. تركزت مطالبها حول رفع الأجور وعدم تناسبها مع ارتفاع تكاليف المعيشة. كما شارك في الاحتجاج الحركات والاتحادات العمالية والطلابية، نظرا لمحاولات الحكومة إقرار نظام تقاعد يطيل فترات العمل، ويرفع سن التقاعد.
ويتزامن هذا مع احتجاجات مقررة في ألمانيا حول الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. حيث سينظم الألمان عدة مظاهرات في برلين ومدن ألمانية أخرى، خلال أيام للمطالبة بحل مشكلة الغلاء وإنهاء الحرب في أوكرانيا.
الأسبوع الماضي شهد مشاركة آلاف الألمان في مظاهرات “يوم الجمعة من أجل المستقبل”. كما رفعت شعارات تخص مطالبات اقتصادية وقضية المناخ ووقف الحرب. بينما تظاهر الآلاف يوم الأربعاء 28 سبتمبر/آيلول في التشيك، ملقين باللوم على الحكومة، التي قالوا إنها السبب في أزمة الطاقة.
وحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، هتف المتظاهرون الذين كانوا يرفعون الأعلام التشيكية: “استقيلوا، استقيلوا”. بينما يتوقع أن تفجر أزمة الطاقة الوضع في أوروبا خاصة فيما يتعلق بفواتير الخدمات وأسعار الغذاء والخبز.
أما في المكسيك تظاهر يوم 28 سبتمبر/آيلول الآلاف لإحياء ذكرى اختفاء 43 طالبا، في حادثة وصفت بأنها “جريمة دولة” تورطت فيها المؤسسة العسكرية وجهات أخرى في البلاد. كما تظاهر آلاف الأشخاص مجددا في كتالونيا من أجل انفصال الإقليم، في الذكرى الخامسة للاستفتاء حول الانفصال عن إسبانيا.
إيران.. الانتفاضة مستمرة وتوسع حركة التضامن الدولية
رغم إعلانات الحكومة الإيرانية عودة الهدوء “نهاية الاضطرابات”، إلا أن التظاهرات تتسع خاصة بين الطلاب، حيث برز الحراك الطلابي بصورة لافتة، وشهدت الأيام الأخيرة تحركات طلابية أشعلتها وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني في منتصف سبتمبر بعدما اعتقلتها شرطة الأخلاق في طهران.
وشهدت جامعة خوارزمي، وكرج غرب طهران، وجامعة الزهراء احتجاجات، ورفع الطلاب شعارات رافضة للقمع والقتل ومطالبة بالحرية وأخذت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن شكلا عنيفا وحادا منها إطلاق الذخيرة الحية، وتواترت أنباء عن اعتقال آلاف المتظاهرين، وعقيدين من الحرس الثوري، فيما يجتمع البرلمان الإيراني لمناقشة الاحتجاجات، بينما طالبت مريم رجوي زعيمة المعارضة الإيرانية باستمرار التظاهر لإسقاط سلطة الملالي وذكرت أن كل المظلومين من السنة والشيعة والموظفين والمزارعين هم قوام الانتفاضة، وناشدت العمال بمساندة الانتفاضة بسلاح الإضراب، في إشارة إلى الحركة الاحتجاجية العام الماضي والتي شهدت ارتفاعا لأصداء الحركة العمالية وتوسع احتجاجاتها.
وسجلت منذ 19 سبتمبر/آيلول بعض مناطق إيران إضرابات للتجار والمحال ونشرت مقاطع فيديو للإضراب وكان مركز التعاون لأحزاب كردستان الإيرانية قد دعا الأهالي إلى الإضراب، احتجاجًا على الطائرات المسيرة والهجمات الصاروخية التي يشنها الحرس الثوري الإيراني على المقرات المدنية لهذه الأحزاب في إقليم كردستان العراق.
بينما دعا مير حسين موسوي، أحد قادة “احتجاجات 2009” في بيان من مقر الإقامة الجبرية بطهران، القوات المسلحة الإيرانية إلى “الوقوف بجانب الحقيقة والشعب” خلال الاحتجاجات العامة التي تشهدها إيران هذه الأيام”. وكتب موسوي إلى القوات المسلحة: “لا يحق لأحد أن يقف في مواجهة أبناء شعبه كعميل معصوب العينين، وينسى عهده مع شعبه”. وفي ختام هذه الرسالة كتب موسوي: “أتمنى أن تنجحوا في الوقوف إلى جانب الحق، إلى جانب الشعب”.
توسع حركة التضامن عالميا
وشهدت عدة مدن في العالم مظاهرات تضامنية واسعة مع المحتجين في إيران، منها مظاهرة في العاصمة الإنجليزية لندن والتي كانت كبيرة نسبيا غير مظاهرات أخرى اتدلعت في اليابان وإسبانيا وفرنسا وأمريكا وأستراليا وفرنسا وألمانيا وذكرت تقارير إخبارية وقوع احتجاجا تضامنيا في شمال سوريا، وشهدت نحو 150 مدينة حول العالم، مظاهرات تضامنية، بينما أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، في تغريدة على في تويتر أن 54 دولة حول العالم وقعت على اتفاقية تقترحها تشيلي وإسبانيا تحث إيران على التوقف عن استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين.
بينما شهدت أفغانستان احتجاجات نسائية محدودة تطالب بضمان حقوق النساء في التعليم، وضمنان الحقوق الاقتصادية، وكان ضمن الهتافات “خبز وعمل وحرية” و”العدل العدل، سئمنا الجهل” كما تضامنت أفغانيات مع مظاهرة إيران التي تدخل أسبوعها الثالث وتلعب فيها النساء دورا مركزيا.
وفرضت طالبان التي عادت لحكم البلاد منذ عام، عددا من الإجراءات منها فرض ارتداء مذيعات التلفزيون النقاب على الشاشة، ولكن عدداً منهن تحدين القرار في البداية وظهرن بوجوه مكشوفة.
مظاهرات القارة الإفريقية
وفى السودان تستمر الاحتجاجات على وقع أزمات متشابكة بعد ما يعرف بـ”انقلاب البرهان” في أكتوبر/تشرين أول 2021. كما شارك آلاف من السودانين يوم 29 سبتمبر/آيلول في مظاهرات تطالب بالحكم المدني. ويمر السودان بأزمة اقتصادية عميقة، وتشير تقارير دولية إلى أن أكثر من ثلث السودانين مهددين بالجوع.
وشهدت تونس خلال الأسبوع الماضي تظاهرات في مناطق بالعاصمة والولايات، إثر غياب بعض السلع التموينية. وخرجت مظاهرات ليلية احتجاجا على ارتفاع الأسعار والفقر واختفاء السلع الغذائية وطالب المتظاهرون بتقديم حلول تساعد المواطن على تحمل تبعات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
بوركينا فاسو تظاهرات ما قبل الانقلاب العسكري
شهد بوركينا فاسو تظاهرات مطالبةً باستقالة رئيس البلاد داميبا يوم 29 سبتمبر الماضي، وبعد أقل من 24 ساعة من التظاهرات، نفذ مجموعة من ضباط الجيش انقلاب، وتم إقالة رئيس المجلس العسكري الحاكم وإغلاق حدود البلاد، وأعلن في بيانٍ متلفز، مساء الجمعة الماضية، إقالة داميبا، الذي تولى السلطة إثر انقلاب جرى نهاية كانون الثاني/يناير 2022.