بتبخر المطالب، وصلت أزمة عمال مصانع “بشاي للصلب” إلى محطة حصر جلسات التفاوض على محاولة إعادة 1500 من الموقفين منهم، بعد اشتباكات سبتمبر/ أيلول الماضي، على خلفية اعتصام احتجوا به على تدني أوضاعهم المالية. وهو أمر لم يتوقف ضرره عند العمال الذين عوقبوا بتخفيض رواتبهم إلى النصف فقط، بل أضر عملية الإنتاج التي توقفت كليًا في أحد المصانع الرئيسية التابعة للمجموعة “المصرية للحديد الإسفنجي”، وجزئيًا في المصنعين الآخرين “الدولية لدرفلة الصلب”، و”المصرية الأمريكية لدرفلة الصلب”.
الاعتصام والمطالب والاشتباكات
الاعتصام بدأ في 23 أغسطس/ آب الماضي في مقر الشركة الكائنة في مدينة السادات بمحافظة المنوفية. وكان تصعيدًا أعقب رفضًا متكررًا وممطالة إدارية في الاستجابة لورقة مطالب تقدم بها العمال، الذين تجاوز عددهم 2000، طلبوا فيها المساواة بزملائهم في المصانع المناظرة “أركوستيل، والمصريين”، التي يتراوح أجر العامل فيها بين 7 – 15 ألف جنيه، بينما لا تتجاوز رواتبهم 3 آلاف جنيه. ذلك بالإضافة إلى عدة مطالب أخرى، كان أبرزها صرف الأرباح بأثر رجعي عن 7 سنوات، وصرف حافز ثابت بما لا يقل عن 15% من إجمالي المرتب. وشهر كامل على المرتب في الأعياد والمناسبات وعند بداية المدارس، وبدل طبيعة عمل. مع توفير بوليصة تأمين على الحياة.
ومع تعثر المفاوضات في أغسطس، صعّد العمال اعتصامهم بإغلاق جميع بوابات المصنع، باستثناء ثلاث بوابات فقط تسمح بخروج إنتاج الأكسجين للمستشفيات. قبل أن يستجيبوا لمفاوضات تدخلت فيها عدة جهات من بينها أمنية -وفق بعضهم، قبل أن يصعدّوا احتجاجهم مرة أخرى في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، بإيقاف خطي إنتاج خط الصهر والدرفلة. وهو ما لقي تعاملًا أمنيًا عنيفًا في محاولة إعادة تمكين إدارة المصانع من السيطرة على الوضع.
اقرأ أيضًا: مطاردات واشتباكات ليلية.. ماذا يحدث في مصنع بشاى للصلب؟
على إثر الإحداث، أوقفت الإدارة العمال عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، مع صرف نصف الراتب فقط، وأرسلت إخطارات عبر البريد موقعة بإمضاء رئيس مجلس الإدارة، بوقفهم عن العمل، لحين انتهاء التحقيق معهم. وكان اتهمهم في محضر حمل رقم 6464 لسنة 2022 إداري مركز شرطة السادات، بالتحريض على الإضراب وتعطيل العمل وتخريب الشركة ووقف خطوط الإنتاج.
وإلى الآن، ووفق عدة مصادر عمالية، بينهم المهندس خالد الفقي رئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية، لا يزال أكثر من 1500 عامل موقوفين عن العمل، منهم 1000 عامل بمصنع “المصرية للحديد الإسفنجي” وحده، الذي توقف تمامًا عن العمل.
وأخيرًا، أعلنت الإدارة عودة العمل بمصانع الصهر في “المصرية الأمريكية لدرفلة الصلب” الأسبوع المقبل. لكن في ظل غياب أكثر من 150 عاملًا عن مواقعهم.
عقد من الأزمات
تعود أزمات عمال “بشاي للصلب” في بداياتها إلى العام 2011، مع مطالبات بصرف مستحقات متأخرة للعمال، الذين طالبوا وقتها بزيادة رواتبهم من 500 إلى 1500 جينه. وهي مطالب لم يستجب لها حتى اشتعلت الأوضاع بالإضرابات، واحتاجت إلى تدخل البرلمان حينها، وكذا مكتب النائب العام.
ومنذ ذلك الحين، توترت العلاقة بين إدارة المجموعة والعمال، الذين اتهموا رؤسائهم باتباع سياسة ”التقطير” في صرف حوافزهم وأرباحهم. واستمر الوضع طوال السنوات الماضية باستثناء فترة تولي الدكتور يوسف كمال بشاي، المتخصص في هندسة الميكانيكا، التي بدأت في 2017، ولم تكتمل بفعل اختلافه مع توجهات الإدارة وعدم تلبية مطالب العمال.
اقرأ أيضًا: “بشاي للصلب”| عمالة تبكي “عصر يوسف”.. وإدارة تفتقد الثقة
عادت الاضطرابات مجددًا في 2018 مع رفض الإدارة صرف أرباح العمال، الذين تقدموا بشكاوى في وزارة القوة العاملة. وازدادت حدة الأزمة في الفترة الأخيرة مع تدني الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وارتفاعات الأسعار المتتالية التي شهدتها الخدمات والمنتجات الغذائية.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الشركة عن زيادة 400 جنيه في الرواتب البالغة 4000 جنيه، و360 جنيه لأصحاب الرواتب البالغة 7000 جنيه، و300 جنيه للشريحة الأعلى من ذلك. بينما لم تستجب لمطالب العمال وما تم الاتفاق عليه مع لجنة التفاوض بالقوى العاملة ومكتب العمل والنقابة العامة للصناعات المعدنية سابقًا. حيث تم الانتهاء إلى إقرار زيادة بقيمة 1300 جنيه لكل عامل مقابل فك لحام البوابات والسماح بخروج المنتجات من المصنع قبل أيام من عملية فض الاعتصام أمنيًا في سبتمبر.
العودة أولًا ثم التفاوض على المطالب
وقد أكد المهندس خالد الفقي، رئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية، على محاولات تجرى حاليًا لإعادة العمال الموقوفين من قبل الإدارة في وقت قريب. وقال -في تصريحات لـ “مصر 360”- إن وزير القوى العاملة حسن شحاتة تدخل شخصيًا لحل الأزمة، مشيرًا إلى أن رئيس مجلس إدارة المجموعة وعد بعودتهم تدريجيًا.
وفيما يخص أزمة مطالب العمال بتحسين الأجور وأوضاع العمل، قال الفقي “إن الأولوية حاليًا لعودتهم للعمل. ثم معاودة التفاوض على باقي المطالب.
وقال (ه . أ) ضمن العمال المتضررين، في حديثه لـ”مصر 360”: “تقدمنا بشكوى لمكتب العمل بمدينة السادات ضد الإدارة بعد منعنا من دخول الشركة ورفع البصمة الخاصة بالحضور والانصراف. لكن مكتب العمل رفض تلقي شكوانا رغم أنه الجهة المخولة لتلقي مثل هذه الشكاوى. كما رفض قسم شرطة مدينة السادات تحرير محاضر إثبات حالة، وأخطرنا بوجود محاضر ضدنا من صاحب الشركة بالتخريب وتعطيل العمل”.
حجم أعمال “بشاي للصلب”
تأسست “الشركة الدولية لتجارة الصلب” في عام 1948، على يد جابر بشاي، وعملت في تجارة الصلب واستوردته إلى مصر، وبعد وفاته في عام 1960، باشر أبناؤه الأربعة (كمال – جميل – سامي – نبيل) الأعمال التجارية، وقرروا بناء ورشة لإنتاج الصواميل ومسامير البراغي “أي الصواميل”، بالإضافة إلى ورشة للمعالجة الحرارية لتلبية احتياجات الصناعات المحلية.
وفي 1984 بدأت أسرة بشاي مشروعها الأول للمنتجات الطويلة، بالتعاقد مع شركة مورجان للإنشاءات بالولايات المتحدة الأمريكية على خط إنتاج درفلة. ذلك لتوريد 700 ألف طن سنويًا من حديد التسليح. ومع نجاح المشروع توسعت المجموعة بإنتاج أكثر من 1.2 مليون طن سنويًا في عام 1998، وبدأت ببناء خطين من أحدث خطوط سيماك للدرفلة، بقدرة تصل إلى 600 ألف طن سنويًا لكل خط.
وحاليًا، تضم المجموعة شركات المصرية الأمريكية لدرفلة الصلب، وشركة المصانع الدولية لدرفلة الصلب، والشركة المصرية لتشكيل المعادن، بالإضافة لشركة الإسكندرية للنقل البرى المسئولة عن الخدمات اللوجستية ونقل جميع البضائع والمواد الخام.
وتعد مجموعة شركات بشاى للصلب إحدى أكبر شركات القطاع الخاص المنتجة للصلب بطاقة استيعابية للصلب السائل بقيمة تصل إلى ٤ ملايين طن سنويًا.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، سعت شركة “بشاي للصلب” لقرض بقيمة 500 مليون جنيه من بنك مصر -ثاني أكبر بنك حكومي. وذلك لتمويل الاحتياجات التشغيلية للشركة في مصنع الحديد والصلب بالمنطقة الصناعية بمدينة السادات.