بات اللجوء لمجلس الأمن الخيار الأول للحكومة المصرية حاليًا لإلزام إثيوبيا بمواصلة التفاوض والوفاء بالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي للتوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة، لكنها تمتلك حلولًا أخرى لتعزيز حصتها من المياه عبر الكونغو وجنوب السودان.
تراهن مصر على اتخاذ المجلس إجراءات رادعة ضد إثيوبيا بإجبارها على وقف ملء السد، لحين الاتفاق مع دولتي المصب، خاصة في ظل التعنت الإثيوبي السابق ضد الوساطة الأمريكية، ورفض توصياتها بالتوقف عن عمليات تخزين المياه لحين التوصل لاتفاق.
يقول محللون إن الفرصة متاحة أمام السودان ومصر للتوجيه الصاع صاعين بتدويل القضية وتحميل إثيوبيا مسئولية الأضرار البيئية والاقتصادية والاجتماعية وفق القانون الدولي، واستغلال رفض أديس بابا الانصياع لاتفاقها مع أمريكا حول قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي، في الحصول على صوتها في قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي للجانب الإثيوبي.
يمكن للملف المصري الاستعانة بخبراء دوليين لا يضعون مجالا للشك بوجود عيوب في عمليات إنشاء السد ومخاطره، خاصة خبراء المركز الدولي للمياه الذين طالبوا بالتدخل الدولي في ملف السد، ومعهد “ماساتشوستس الدولي للتكنولوجيا” الذي أكد خبراؤه في ورش عمل قبل أيام أن تصميم سد النهضة يحتاج لبناء “سد سرج” لمنع تسرب المياه المخزنة خلفه من ناحية الطرف الشمالي الغربي التي تهدد بحدوث شقوق وانهيارات.
اقرأ أيضًا:
تستطيع مصر توظيف حضور ثلاثة مراقبين من الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا والمفوضية الأوروبية في كشف المماطلة الإثيوبية على أرض الواقع، وإثبات أن القاهرة موقفها متطابق مع القانون الدولي والأعراف السائدة في أحواض الأنهار، خاصة أن إثيوبيا تريد التنصل من الالتزام بشروط محددة واضحة لملء السد.
كما يمكن للقاهرة استغلال صبرها الطويل في المفاوضات لإثبات حسن النية رغم أنها الأكثر تضررًا من السد، حيث خاضت تسعة أعوام من الجلوس على طاولة المفاوضات، بدءا من مايو 2011 حينما أعلنت إثيوبيا رغبتها في إطلاع مصر على مخططات سد النهضة لدراسة تأثيراته على مصر والسودان، ونظمت تبعاً لذلك زيارات متبادلة بين الوزراء المختصين بالملف في البلدين، واتفقت على تشكيل لجنة دولية لدراسة آثاره.
سند قانونى
وتقول الدكتورة نورهان موسى، أستاذة القانون الدولي، إن مصر لديها السند القانوني الكامل للتوجه لمجلس الأمن وفرض كلمتها، فالاتفاقيات والبروتكولات التي تمت في وقت تحت الاحتلال التي تزعم إثيوبيا بها غير ملتزمة بها بحجة أنها لم تكن دولة ذات سيادة حينها، لتلزمها بتعهداتها وملزمة لها مبادئ القانوني الدولي واتفاقية فيينا.
ويستند خطاب مصر إلى مجلس الأمن إلى المادة ٣٥ من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين.
ودخلت مصر في المفاوضات رغم أن وضع حجر أساس السد من الأساس كان غير قانوني فإثيوبيا وضعت حجر الأساس للبناء في أبريل 2011 وكانت مصر حينها غارقة في تداعيات ثورة يناير، ثم أخطرت دولتي المصب في نهاية الشهر التالي بما يخالف القانون الدولي الذي يشترط أن يكون التفاوض بين دول حوض المجرى سابقا للبناء وليس بعده.
السيسي والسد
استمر الوضع كما هو عليه حتى وصول الرئيس السيسي للحكم، وإدراك القيادة المصرية وجود مماطلات من الجانب الإثيوبي في الجوانب الفنية؛ ما دفع الدولة المصرية إلى ضرورة وضع إطار قانوني جديد، يكون ملزمًا لكافة الأطراف، وهو” اتفاق إعلان المبادئ”، والذي تم توقيعه في مارس 2015.
حتى أواخر عام 2017، ظلت المفاوضات تركز على الجوانب الفنية فقط مع استمرار مصر في الحفاظ على مبدأ حسن النية حتى تأكد لها عبثية التفاوض، فاتجهت إلى طلب دخول البنك الدولي للمفاوضات.
وفى أغسطس من عام 2018؛ سلمت وزارة الريّ رؤيتها لقواعد الملء والتشغيل للجانب الإثيوبي الذي واجهه بالرفض، ما دفع الرئيس السيسي القضية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019، وشدد خلالها على تأييد مصر التنمية بحوض النيل لكن مع اقتناع كامل بأن النيل يمثل الحياة للمصريين.
وعرضت الولايات المتحدة رعاية المفاوضات بين الأطراف الثلاثة كوسيط وجرت 4 جلسات للتفاوض على النقاط الخلافية بشأن قواعد الملء والتشغيل للسد، لكن إثيوبيا تهربت من الجلسة الأخيرة للتوقيع.
وتوضح نورهان موسى، لـ”360″، أن طول فترة المفاوضات التي استمرت لتسعة أعوام لم تكن هدرًا للوقت ولكنها تعطي مصر القدرة على إثبات “حسن النية” وأن مصر لا ترفض بناء السد ولا التنمية ولكن قواعد الملء والتشغيل التي تضر مصالحها، وأنها ترغب في حل الأزمة سلميًا حتى في ظل التعنت الإثيوبي والتصريحات الصادرة عن أديس بابا تحمل سوء نية وتكشف تعمد الإضرار بالمصالح” المصرية ـ السودانية”.
وتبدي موسى تأكدها من التوصل لاتفاق من مجلس الأمن ملزم لإثيوبيا خاصة أن دول أوروبا تعرف جيدا أن الإضرار بمصر أو الوصول بها للعطش أو المجاعة سيدفع بملايين البشر باتجاه أوروبا كما أن دور مجلس الأمن في الأساس هو الحيلولة دون نشوء نزاعات وحفظ السلم، وسياسة إثيوبيا حاليا تدفع نحو زعزعة الاستقرار في حوض النيل بالكامل.
مبادئ الخرطوم
يقول نادر نور الدين، خبير المياه، إن إثيوبيا تريد الاستناد إلى المادة الخامسة من إعلان مبادئ الخرطوم لعام 2015 الذي يعطيها الحق منفردة كمالكة للسد في تعديل نظم الملء والتشغيل من وقت لآخر وإخطار دولتي المصب بهذه التغيرات وبدون أخذ رأيهم أو إجراء مفاوضات جديدة لهذه التعديلات.
اقرأ أيضًا:
لكن «نور الدين» يعود ويقول إن استبعاد إثيوبيا المكتب الفرنسي بعدما قدم تقريره التمهيدي الأول الذي رفضته إثيوبيا بما يعد مخالفة لإعلان المبادئ، بجانب مخالفة البند العاشر بحتمية اللجوء إلى وسيط دولي عند تعثر المفاوضات وهو ما رفضته إثيوبيا في مباحثات واشنطن والبنك الدولي، بجانب عدم الإقرار برفع الأمر إلى رؤساء الجمهوريات عند تعثر مفاوضات الوفود الفنية وهو ما رفضته أيضًا.
وشدد على أن مصر يمكنها حاليًا سحب اعترافها بإعلان المبادئ بسبب المخالفات الجسيمة للجانب الإثيوبي في الأخذ بكل ما جاء بإعلان المبادئ وليس الأخذ انتقائيا فقط بالبند الخامس واستبعاد باقي البنود، بجانب الاستفادة من الموقف السوداني الذي بات يخشى أطماع إثيوبيا بعد الاشتباكات الأخيرة على الحدود.
مشروعات بديلة للأمن المائي
يقول المهندس أحمد عبد الخالق الشناوي، خبير الري وبناء السدود، إن مصر لديها مشروعات بديلة للأمن المائي من بينها حفر قناة نهر الكونغو لتغذية النيل، مشيرًا إلى أن “لديهَ تصميمات نصف تفصيلية أعدها بالتعاون مع مجموعة خبراء متخصصين في الطاقة المتجددة واقتصاديات المياه”.
ويؤكد “الشناوي” الذي قضي فترات طويلة من حياته في السودان بحكم عمل والدته كمفتش للري فيها، أن المشروع المقترح حال تنفيذه يمكن مصر من تحويل 330 مليار متر مكعب من المياه تعادل 6 أضعاف حصتها تضيع في المحيط، إلى جنوب الصعيد بتكلفة 50 مليار دولار ويمكن عبر تلك المياه استصلاح 60 مليون فدان بالصحراء الغربية بتكلفة استثمارية إجمالية 120 مليار دولار.
ويوضح: “توجد أربع مسارات للمشروع لكن وجود سلاسل جبلية في الطريق أوجد تخوفات لدى الجهات الرسمية المصرية، فوفقا للمشروع سيكون الأول من نوعه في العالم يتم فيه تحويل مصب نهر ليسقط من فوق جبل”.
ويشير إلى “أن الحل الثاني في استثمار أنهار جنوب السودان التي تسقط عليها أمطار لمدة 9 أشهر سنويًا، ومحاطة من الشرق بالهضبة الإثيوبية والغرب بمرتفعات جبال الونزوري ومن الجنوب هضبة البحريات الاستوائية، وكلها تصب أنهار بجنوب السودان الذي يمتاز بأن ميول تربته صفر فتتحول تلك المياه إلى برك ومستنقعات”.
وتحتاج مصر حاليا إلى أسلوب أفضل في إدارة المياه لتقليل الهدر بها عبر استخدام طرق الري الحديثة، والتوسع في استخدام المياه الجوفية، واستثمارات أكبر في تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي لصالح الري والزراعة، من أجل تقليل أثر السد في السنوات الأولى للملء.