تقرير هو الأكثر شمولا وإحاطة، عن الصراع المستعر في السودان بين الجيش، وقوات الدعم السريع، منذ منتصف إبريل 2023.
يوثق التقرير الصادر عن مركز التنمية والدعم والإعلام “دام”، جرائم الحرب والانتهاكات المرعبة التي تعرض لها المدنيون في الخرطوم، وأم درمان وكردفان والجزيرة ودارفور وغيرها من ولايات ومدن وقرى السودان، على مدار 18 شهرا من تناحر عسكري، استخدم طرفاه القتل والتعذيب والاحتجاز والنهب والاغتصاب، وبالجملة والتفصيل، كافة الانتهاكات المُجرمة في القوانين الدولية والمحلية. وبالاختصار المؤلم وليس المفيد يدفع أهالي السودان حياتهم ثمنا لهذا الصراع بدءا من الحق الإنساني في الحياة المكفول لكل إنسان، وانتهاء بالحق في البقاء على قيد حياة إنسانية دون لجوء ونزوح واغتصاب وجوع وإذلال.
يرصد التقرير أولا خلفية الصراع الذي اندلع أولا، على شكل اشتباكات مسلحة عنيفة، بدأت داخل العاصمة الخرطوم، وانتقل منها إلى مدن أخرى، وسبقه تنافس بين الطرفين منذ تشكيل مجلس السيادة الذي تولى السلطة لمرحلة انتقالية عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، حيث تولى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، رئاسة مجلس السيادة، بينما تولى قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعرف بـ”حميدتي”، منصب نائب الرئيس.
لقراءة التقرير كاملا :
التنافس تحول إلى احتراب بدءا من 15 إبريل 2023 م، عندما استيقظ السودانيون الذين كانوا يتأهبون للاحتفال بعيد الفطر، على أصوات إطلاق النار، تصحبها تحركات عسكرية مريبة في مدن الخرطوم الثلاث الكبرى “بحري– أم درمان– الخرطوم”
توقعت الأغلبية وقتها، أنه حدث عارض، لكن آمالهم خابت، ومرت الأيام مسرعة، دونما أفق لنهاية الصراع، فبدأ كل قادر على الفرار بالنزوح، إما داخل البلاد لمدن أكثر أمناً، أو خارجها عبر المنافذ البرية.
سرعان ما تفاقمت الأمور، وامتدت الحرب لتشمل كافة أنحاء السودان، وبلغت انتهاكات الحقوق الأساسية للمواطن السوداني أقصى درجات السوء؛ فانتشر القتل العشوائي والقتل على أساس قبلي، أو مناطقي، وأصبحت كل بقعة نزاعا مسلحا ومركزا لاحتجاز المدنيين، ترتكب فيها جرائم التصفية والتعذيب والاغتصاب والتجويع.
تبادل طرفا النزاع القصف الجوي والمدفعي داخل المدن؛ فسقط آلاف الضحايا ودمرت البنى التحتية، وعلق الآلاف داخل الأحياء و المدن؛ نتيجة الحصار التي تسبب في وفاة الكثيرين؛ نتيجة الجوع وانعدام الخدمات الصحية، وما بين القصف والحصار تعرضت بعض النساء للاغتصاب والاستغلال الجنسي، والسخرة، وفقد الأطفال حياتهم نتيجة سوء التغذية وانتشار الأمراض.
من التأسيس للوجع
ومن النظرة الشاملة ينتقل التقرير إلى التفاصيل الموجعة، بعد التأسيس القانوني لمفاهيم الانتهاكات المرتكبة.
يرصد التقرير الانتهاكات الواقعة على المدنيين في السودان في الفترة من 15 إبريل 2023 إلى 1 أغسطس 2024، التي مارسها طرفا الحرب (الجيش وقوات الدعم السريع) وذلك بالاستناد لمرجعيات القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
ويكشف بالأرقام سقوط خمسة آلاف قتيل، و12000 جريح، فضلا عن لجوء مليوني سوداني “خارج البلاد”، ونزوح 10 ملايين “داخل البلد”، فضلا عن وقوع 25 مليون إنسان سوداني في دائرة المجاعة.
الأرقام ترسم ملامح واقع مرعب، أما المسئولون عن رسم هذه الملامح المرعبة، فهم طرفا النزاع “الجيش والدعم السريع” بشكل أساسي، ثم القوات التي انضمت لكل طرف منهما، حيث الجيش السوداني تُقاتل إلى جانبه حركة جيش تحرير السودان جناح منى أركو مناوي، وجيش الحركة الشعبية، بقيادة مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وزير المالية الحالي، إضافة لكتائب الإسلاميين مثل، كتيبة البراء بن مالك، وقوات العمل الخاص وهيئة الإسناد والمقاومة الشعبية المسلحة.
على الجانب المقابل، فإن قوات الدعم السريع انضمت إليها قوات تماذج وهي ميليشيا تقاتل منذ نشوب الحرب، إضافة لحركة شجعان كردفان، وقوات درع السودان، ومجلس الصحوة الثوري، ومجموعات ارتزاق قبلية، وجميعهم شاركوا، وارتكبوا انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
بالعودة للأرقام، يرصد التقرير وقوع 11 مجزرة، كان الجيش مسؤولا عن واحدة منها، راح ضحيتها52 مدنيا في أحياء أقصي جنوب الخرطوم، بينما كان الدعم السريع مسؤولا عن عشرة منها، أكبرها في قرية ود النورة بالجزيرة، وراح ضحيتها 527 مدنيا، أما الأخريات فجرت في الجرافة وإمبدة “أم درمان”، ونيالا، وقرى الشيخ السماني، والحراقة، والعذاب، وفنقوقة، والهلبة وأحياء الحتاتة والمنارة والثورات.
كما يرصد التقرير أيضا المرافق المدنية التي تضررت خلال الصراع، وتشمل مستشفيات كبرى، ومصانع سكر، ومطاحن غلال وأبراج سكنية وكنيستين وسبعة مساجد.
وفضلا عن تلك الأعيان المدنية، تأثرت مناطق أخرى بالغارات الجوية منها مصافي نفط، وخطوط أنابيب، ومستشفيات عامة ومصانع للأعلاف والأدوية والحديد.
وبالقطع انعكس تضرر المصانع ومصافي النفط ومحطات الوقود على أهالي القرى والمدن جوعا، ونقصا في الإمدادات الغذائية والوقود.
المدنيون عانوا إلى جانب المجاعة، انتهاكات أخرى، تتمثل في الاحتجاز غير المشروع، حيث يحتجز طرفا الحرب المدنيين بذريعة انتمائهم للطرف الآخر أو بدعوى التعاون معه.
وتحتجز قوات الدعم السريع آلاف المدنيين بالاشتباه، بدعوى أنهم يتبعون للأجهزة النظامية أو ينتمون لمجموعات قبلية، تقاتل في صفوف الجيش أو ناشطين في العمل الإنساني.
بينما يحتجز الجيش المدنيين على أساس قبلي، ومناطقي وفق انتساب أصولهم لمكونات تقاتل إلى جانب الدعم السريع، إضافة لاستهدافهم مجموعات سياسية رافضة للحرب.
البشاعات
ويبقى الاغتصاب أحد أبشع ملامح الانتهاكات التي مورست ضد النساء والفتيات في مختلف المناطق.
قائمة الانتهاكات تشمل أيضا الحصار، وتجويع المدنيين، والتهجير القسري، وكذا “النهب” حيث تعرضت جميع مناطق الصراع المسلح في السودان للنهب بواسطة قوات الدعم السريع، وهي الاستراتيجية التي تعتمدها لتموين وتمويل استمرار عملياتها العسكرية، لاحقا أصبح هدفا، وليس مجرد تمويل لاستمرار القتال، وذلك بعد انضمام أعداد هائلة من المرتزقة وعصابات النهب لها.
واستهدفت تلك القوات المقار الحكومية، والبنوك وشركات القطاع العام والخاص والأسواق والمراكز التجارية الكبرى في الخرطوم، واستهدف النهب الأموال والذهب والسيارات.
يخلص التقرير المدعوم بالصور والفيديوهات إلى أسباب تفاقم الصراع، وفشل الطرفين في الالتزام باتفاق إعلان المبادئ لحماية المدنيين، الموقع في جدة.
قبل أن ينتقل لرصد خطابات الكراهية المتبادلة، واحتجاز المدنيين كرهائن والتمثيل بجثث القتلى.