“لا تخف لأني أنا معك لا تخف أنا أعينك”، بهذه الكلمات حاول الأقباط بث الأمل في نفوس بعضهم البعض، حيث لم يتوقع الأقباط حول العالم أن يحتفلوا بأعيادهم عن طريق شاشات التلفاز أو عبر مواقع الأنترنت، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمكافحة كورونا .

sss

أسبوع الآلام هو أحد أقدس الأيام التي تحتفل به الكنائس المصرية على مدار العام؛ حيث تستمر الصلوات داخلها في كل الأوقات، ويحرص الأقباط على التواجد باستمرار للصلاة وإحياء مناسبات هذا الأسبوع المقدس.

ويبدأ أسبوع الآلام مساء يوم أحد السعف (أحد الشعانين)، وهو تذكار دخول السيد المسيح مدينة أورشليم؛ حيث استقبله أهالي المدينة بالورود والسعف، ثم خميس العهد، الجمعة العظيمة، وقداس عيد القيامة السبت 18 إبريل .

وقد أعلنت وزارة الصحة المصرية، أمس الجمعة، تسجيل 171 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد وتسع حالات وفاة، بينما ارتفعت حالات الشفاء إلى 646.

لأول مرة

أعلنت الكنائس المصرية الثلاث الكبرى الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، إلغاء احتفالاتها بـأسبوع الآلام وعيد القيامة، التى بدأت في 12 أبريل، وتنتهى بعيد القيامة حسب الاعتقاد المسيحى فى 19 أبريل، بحسب تقويم الكنائس الشرقية.

ومع استمرار الإغلاق، قررت الكنائس التبرع بـ6 ملايين جنيه لصالح صندوق تحيا مصر، للمساهمة فى توفير أجهزة التنفس الصناعى والمستلزمات الطبية الوقائية، ويعد إلغاء احتفالات الأسبوع المقدس، سابقة تاريخية فى عهد الكنائس، خصوصاً أنه أعظم الأعياد المسيحية وأكبرها لدى الأقباط، ويجرى فيه استذكار قصة آلام المسيح وقيامته من بين الأموات، بعد ثلاثة أيام من صلبه وموته، كما هو مسطور فى العهد الجديد، حسب الاعتقاد المسيحى.

وأعلن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، استمرار تعليق جميع الصلوات فى الكنائس، بما فيها صلوات الأسبوع المقدس الذى يشمل أسبوع الآلام وعيد القيامة، وتأجيل طقس إعداد زيت الميرون المقدس -أحد أسرار الكنيسة السبع- الذى كان من المقرر إعداده الأسبوع الجارى، وهو حدث كنسى له أهميته التاريخية والرعوية ويقوم به البابا مع جميع مطارنة وأساقفة المجمع المقدس.

من جانبه، قال القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة، إن قرارات أسبوع الآلام تاريخية وغير مسبوقة، وستسرى على الأقباط والكهنة، فلن تقام بالكنائس أى صلوات حتى للكهنة، والأمر مقتصر على الرهبان فى الأديرة القبطية، والكنيسة لم تسمح للكهنة بإقامة القداسات أو الصلوات وبثها عبر وسائل الإعلام، أو وسائل التواصل الاجتماعى، كما فعلت بعض الكنائس الغربية.

واتخذ الفاتيكان ومعظم الكنائس الكاثوليكية فى الخارج، قرارات بقصر صلوات تلك الاحتفالات على الكهنة فقط بدون حضور المسيحيين الذين سيتابعون الاحتفالات والصلوات من منازلهم فى إطار الإجراءات المتبعة للوقاية من فيروس كورونا، وذلك لأول مرة فى التاريخ على مستوى العالم.

تحتل فكرة “القيامة” مكانة بارزة فى الفكر المسيحى إذ يعتبر الإيمان بقيامة المسيح أساسًا للإيمان بالعقيدة كلها، ومن ثم فإن كل ما ارتبط بهذا المعنى من طقوس وعبادات وممارسات له طبيعة خاصة، فصوم القيامة هو الصوم الكبير لمدة 55 يومًا، وعيد القيامة أيضًا من الأعياد الكبرى أما الأسابيع التى تسبق العيد فلكل يوم فيها له معنى ومكانة خصوصا أنها ترمز لقصص أساسية فى العقيدة المسيحية، تروى من خلالها الكنائس تعاليم مقدسة تحفظ بها الإيمان.

“لم نشعر بفرحة العيد”

“لم نشعر بفرحة العيد”، هكذا عبر الكثير من الأقباط بمصر عن حزنهم بضياع فرحة العيد، وطقواسه، بسبب أزمة كورونا، حيث سيطر الحزن على جميع البيوت، فأغلب الأسر لم تخبز حلويات العيد أو تزين منازلها ككل عالم، “لأول مرة نعايش ظروفًا كهذه، ونصلي بالمنزل”، هكذا عبرت “ماجي”، ربة منزل .

وروت ماجي لـ مصر 360، معاناتها في الاحتفال بعيد القيامة المجيد في ظل كورونا، موضحة أنها لم تعش مثل هذه الظروف من قبل، “حتي في الأحداث الارهابية وتفجير الكنائس كنا بنحتفل”، مشيرة إلى أنها وأسرتها وأغلبية الأسر المسيحية في جميع المحافظات يقيمون الصلوات في المنزل ويتبعون صلاة البابا تواضروس عبر شاشات التلفاز”.

“عقمنا السعف وفرحنا”، فرحة مختزلة لـ “جورجت يوسف”، البالغة من العمر 27 عامًا، وتقيم بمنطقة شبرا مصر، موضحة أن قبل أحد السعف بيوم ذهبت لشراء السعف وجريد النخل وقامت بتعقيمه بالكحول الطبي وصنعت منه أشكال مبهحجة لها ولأسرتها .

 اقرأ ايضًا: من وباء كورونا لوباء الإرهاب.. هل يستهدف “داعش” الكنائس المصرية مجددا؟

القديسة كورونا

أحيت العديد من الأسر القبطية، خلال الأيام القليلة الماضية، سيرة إحدى قديسات وشهيدات المسيحية، وتدعى القديسة “كورونا”، بسبب تشابه اسمها مع فيروس «كوفيد- 19» إذ لم تكن معروفة بشكل واسع رغم أنها «شفيعة الأوبئة».

ومنذ تفشي الوباء، بدأ الأقباط على مواقع التواصل الإجتماعي، يتداولون سيرة القديسة “كورونا” كشفيعة الأوبئة والأمراض المعدية، ومع تطابق اسمها مع اسم الفيروس، رفع الأقباط دعواتهم أن تشفع القديسة ليرفع الله هذا الوباء عن العالم.

وتعد القديسة كورونا من أشهر القديسات في تاريخ الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وكانت عرفت المسيح حين كانت مارة وقت تعذيب الشهيد” مار بقطر” عام 177 م، وأبصرت وقتها كم لاقى من عذابات شديدة، بحسب المراجع المسيحية .

صلوات أونلاين

مع بداية أسبوع الآلالم، بدأت مجموعات الكنائس المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” توجيه الأقباط لإرشادات الالتزام بأداء صلوت أسبوع الآلام، في المنزل وفق جدول منظم.

وقام كل كاهن وأمين خدمة بإنشاء غرفة مغلقة، عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي من “واتس آب وماسنجر فيس بوك”، جامعًا الخدام والمخدومين بها للتواصل معهم، ومتابعة حالتهم الروحية.

كما اهتم الرعاة بعمل برنامجًا يوميًا للأقباط ليأتي في هيئة وصفة لتقوية حياتهم الإيمانية وروشتة لمعالجة الضعف الروحي، والتي تنشر بشكل غير معلن عبر غرفهم المغلقة .

 اقرأ ايضًا: فراق بدون وداع.. رسائل ضحايا كورونا لأحبائهم !

وقام الأقباط من داخل منازلهم بتزين الجدران بالكساء الأسود طوال فترة صلوات أسبوع الآلام، وأضاءوا الشموع في أيديهم كما تعودوا، ووقفوا بخشوع أمام صلبانهم وأيقوناتهم، كما لو كانوا في الكنيسة، يرفعون صلواتهم وطلباتهم أملا من الله أن يرفع هذا البلاء عن العالم.

ويترأس قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، مساء اليوم، صلوات أبو غلمسيس من كنيسة التجلي بدير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، وتستمر الصلوات حتى الساعات الأولي من صباح الأحد ويليها القداس الإلهي.

بينما دشن نشطاء موقع التواصل الاجتماعي من الشباب القبطي، بعض التحديات لتقوية بعضهم البعض وبث الأمل ورفع البلاء، وأبرزها هو “تحدي التسبيح”، والذي أطلقه مرنمو الكنيسة، ويعتمد التحدي على قيام أحد المرنمين بتصوير نفسه أثناء القيام بترتيل إحدى الترانيم المعروفة، وتحدي 10 أخرين من المرنمين لعمل نفس الأمر .

وفي المقابل، لجأ عدد كبير من أساقفة الكنيسة القبطية إلى الأديرة للاعتكاف والصلوات والتضرع الى الله.