مع بداية فترة ولايته، بدا الرئيس الأمريكي جو بايدن مصمما على عكس عادة سلفه ترامب. والمتمثلة في التقرب حكام الشرق الأوسط، خاصة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. والذي يعده الكثيرون الحاكم الفعلي للمملكة.
في فبراير/شباط 2021، ألقى بايدن اللوم في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على ولي العهد السعودي. ورفع السرية عن تقرير استخباراتي أمريكي ربط الاغتيال به مباشرة. بعد أكثر من عام، يخطط الرئيس للسفر إلى المملكة في أول زيارة للشرق الأوسط خلال رئاسته. لتمثل الزيارة ما يمكن القول إنه “خيبة أمل كبرى” بالنسبة لأولئك الذين رأوا في بايدن نصيرًا لحقوق الإنسان.
ترى الكاتبة داليا داسا كاي، في مقالها المنشور في Foreign Affairs أن المشكلة لا تكمن فقط في أن الزيارة الأمريكية إلى الرياض ستوضح بوضوح حل وسط بشأن المبادئ. وهو أيضًا أن بايدن “ربما لن يربح أي شيء ذي معنى في المقابل”.
تقول: “سيكون المساعدة في أسعار النفط المحلية أمرًا رائعًا، ولكن نظرًا لسوق النفط الضيق في خضم حرب أوكرانيا. فليس من الواضح ما إذا كان بإمكان السعوديين فعل الكثير، حتى لو أرادوا ذلك. ولا يبدو أن حدوث تقدم كبير في تطبيع العلاقات الإسرائيلية– السعودية وشيك. كما أنه ليس من الواقعي توقع أن تؤدي هذه الرحلة إلى قلب العلاقات الوثيقة للسعوديين مع كل من الصين وروسيا.
وتؤكد: إذا تابع خططه لزيارة الرياض، فسيعقد بايدن صفقة سيئة: مبادلة الضرر شبه المؤكد بالسمعة. مقابل مجرد إمكانية تحقيق انتصارات متواضعة. إنها زيارة لم يكن يجب التخطيط لها أبدًا.
اقرأ أيضا: “السلطة المطلقة”.. محمد بن سلمان: لا يحق لأحد التدخل في شؤون المملكة
ولي العهد لا يكترث لبايدن
في مارس/أذار الماضي، أجرى ولي العهد السعودي لقاء مع محرر مجلةThe Atlantic الأمريكية. حول وجه المملكة الذي تغير في السنوات السبع الماضية. رافضًا انتقاده تحت أي بند. ورفع شعار “لا يحق لأحد التدخل في شؤون المملكة الداخلية”.
ورغم أن عملية قتل خاشقجي أضرت بالعلاقات مع الولايات المتحدة. لم يبد الأمير الشاب مكترثًا برأي بايدن، أو رؤية الإدارة الأمريكية الحالية. أجاب على سؤال وود: هل تريد أن يعرف عنك جو بايدن شيئًا قد لا يعرفه عنك؟ ببساطة شديدة وكلمة واحدة: “هذا لا يهمني”. وأوضح: هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أمريكا، فليفعل ذلك إذن.
وقال: أنا لستُ أمريكيًّا، لذا لا أعرف إذا كان لدي الحق في الحديث عن المصالح الأمريكية أم لا. ولكنني أعتقد أن أي دولة في العالم لديها مصالح أساسية: اقتصادية، وسياسية، وأمنية. وهذا هو الأساس الرئيسي الذي تقوم عليه السياسة الخارجية لأي دولة.
الإجابة نفسها، أعادها الأمير -بشكل ما- عندما ردد الصحفي أن الولايات المتحدة لا تعطي السعودية الثناء الكافي بعد الإصلاحات المتعلقة بأوضاع النساء. قال: نحن لا نقوم بذلك لينسب إلينا الفضل. هذا لا يهمنا، وما نقوم به هو من أجلنا نحن السعوديون. فإذا نظرتم إلى الأمر من منظور صحيح، فشكرًا لكم، أما إذا كنتم لا تهتمون كثيرًا، فهذا شأنكم.
عند الحديث عن “الآخرين” الذين ذكرهم الأمير كشركاء محتملين بدلًا من أمريكا. سأل محرر المجلة: هل أنتَ مرتاح مع الصين بطريقة لم تكن مرتاحًا لها في الماضي؟ هنا، رد الأمير بجملة صارمة: ليس لأحد الحق في التدخل في شؤننا الداخلية.
أضاف ولي العهد: نحن لدينا علاقة طويلة وتاريخية مع أمريكا، وبالنسبة لنا في السعودية هدفنا هو الحفاظ عليها وتعزيزها. لدينا مصالح سياسية، ومصالح اقتصادية، ومصالح أمنية، ومصالح دفاعية، ومصالح تجارية. لدينا العديد من المصالح، ولدينا فرصة كبيرة لتعزيز كل هذه المصالح، وأيضًا لدينا فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات. وإذا سألتنا في المملكة، فنحن نريد تعزيزها في جميع المجالات.
ماذا تحمل رحلة بايدن للشرق الأوسط؟
يعتبر الجزء الأول من رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط هو الأقل إثارة للجدل. فكل رئيس أمريكي يذهب إلى الشرق الأوسط لابد وأن يزور إسرائيل. وسيكون من الصعب تخيل بايدن يرفض دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لزيارة أقرب حليف إقليمي للولايات المتحدة.
رغم ذلك، ترى داليا أن اللحظة الحالية ليست مثالية. حيث تتصاعد المشاعر بعد شهور من العنف المتصاعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين -بما في ذلك مقتل الصحفية الفلسطينية/ الأمريكية شيرين أبو عقله في مايو/أيار- ما لم يتطرق بايدن إلى الأدلة المتزايدة على أن الجيش الإسرائيلي مسؤول عن القتل. ويضغط على إسرائيل للمساءلة، فإن زيارته يمكن أن تؤجج التوترات بدلا من تهدئتها.
تقول داليا: من المحتمل أن تتوقع إسرائيل أن تشير الزيارة الأولى من بايدن كرئيس إلى التزام لا لبس فيه بأمنها. وتحويل الانتباه بعيدًا عن المظالم الفلسطينية، ونحو التحديات التي تمثلها إيران. توقف من بايدن من غير المرجح أن يرضي أحدا.
مع ذلك، ترى الكاتبة في Foreign Affairs أن الخطأ الحقيقي، هو إضافة السعودية إلى خط سير الرحلة. نظرًا لارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، فمن المؤكد أن زيادة إنتاج النفط تتصدر قائمة رغبات بايدن للزيارة.
في الولايات المتحدة، وصلت تكلفة جالون البنزين إلى مستوى قياسي. بلغ 4.67 دولار في الأسبوع الأول من شهر يونيو/حزيران. لذلك كان تطورًا مرحبًا به، عندما أعلنت أوبك وحلفاؤها “أوبك +”، في 2 يونيو/حزيران. أنها ستزيد إنتاج النفط في يوليو/تموز، وأغسطس/آب. تلفت داليا إلى أنه “ليس من الواضح ما إذا كان هذا القرار سيكون له أكثر من تأثير متواضع على الأسعار في المضخة في الولايات المتحدة. ولا أن بايدن يمكنه تقديم تنازلات إضافية من شأنها أن تفيد الأمريكيين”.
اقرأ أيضا: ما بعد أمريكا.. البحث عن الفرص والمخاطر في الشرق الأوسط
ترويض النفط لصالح المملكة
حصد السعوديون مكاسب كبيرة من ارتفاع أسعار النفط. في الربع الأول من هذا العام، سجلت شركة أرامكو السعودية -شركة النفط الحكومية- قفزة بنسبة 82% في الأرباح مقارنة بالعام الماضي. مع ارتفاع الدخل ربع السنوي من 22 مليار دولار إلى 40 مليار دولار.
وخلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، أوضح الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي. أنه “لا يوجد شيء آخر يمكن أن تفعله المملكة لترويض أسواق النفط”. وأضاف: “هناك طاقة كافية في السوق. علينا التأكد من أنه بينما ننتقل إلى مستقبل الطاقة المتجددة، أن هناك طاقة كافية في السوق. لقد فعلت المملكة كل ما في وسعها”.
جاء ذاك خلال رد الأمير فيصل على سؤال حول ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة. التي تضغط على السعودية وأعضاء آخرين في “أوبك +” لضخ النفط بشكل أسرع.
كما يرى السعوديون ارتفاع أسعار النفط نتيجة عوامل أخرى غير مساهمتهم في العرض، مثل الاستثمار غير الكافي في طاقة التكرير، وأنهم غير مهتمين بالإفراج عن المزيد من الإمدادات. ليتواكب حديث بن فرحان، مع تصريحات وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان. الذي قال في مقابلة خلال هذا الشهر، إن أزمة التكرير هي المسئولة عن ارتفاع أسعار الوقود.
تؤكد داليا: سيكون للسعوديين وغيرهم من أعضاء “أوبك +” مصالحهم الخاصة في نهاية المطاف عند النظر في الزيادات المستقبلية في إنتاج النفط بما في ذلك حوافزهم الخاصة -بغض النظر عن الضغط الأمريكي- لتجنب انخفاض الطلب العالمي على النفط. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن ينفصل السعوديون عن الروس، الذين يشاركون في رئاسة مجموعة “أوبك +”، للرد على الضغط الأمريكي إلى أجل غير مسمى.
لا يمكن توقع المزيد من الرياض
ترى الباحثة الأمريكية أنه في ضوء هذا الواقع، لا يجب أن يتوقع بايدن من زيارة الرياض استخراج المزيد من الإمدادات. وأنه “من غير المرجح أن يكون محمد بن سلمان مهتمًا بتقديم أي خدمات لبايدن. خاصةً عندما يرى أن الحزب الجمهوري، صديق السعودية، من المحتمل أن يتولى رئاسة الكونجرس العام المقبل. وربما حتى عودة أكبر حليف سياسي له، دونالد ترامب، في عام 2024”.
لا ترجح داليا أيضًا أن التوقف في الرياض سيساعد كثيرًا في تطبيع العلاقات الإسرائيلية- السعودية. تقول: صحيح أن محمد بن سلمان حريص على علاقات أفضل مع إسرائيل. ويدعم اتفاقات إبراهيم، واتفاقيات التطبيع بين إسرائيل، والإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان. التي توسطت فيها خلال إدارة ترامب. لكن القضية الفلسطينية لا تزال تقيد حتى بن سلمان.
تضيف: أيضًا، مقتل الصحفية الفلسطينية/ الأمريكية شيرين أبو عقله مؤخرًا، لا يؤدي إلا إلى زيادة تكاليف التواصل مع إسرائيل. لا يزال صدى القضية الفلسطينية يتردد بين الجمهور العربي. والموقف السعودي الرسمي -انسجاما مع مبادرة السلام العربية لعام 2002- يواصل ربط التطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية.
في الوقت نفسه، قد تعتبر إدارة بايدن تنازلا صغيرًا من محمد بن سلمان بمثابة فوز في السياسة الخارجية. فوفقًا لتقارير الصحف العبرية، يستعد بايدن للإعلان عن اتفاق سعودي، للسماح لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق فوق مجالها الجوي. وهو ما يسعى إليه الإسرائيليون كخطوة نحو التطبيع.
مع هذا، من منظور المصالح الأمريكية، فإن “مثل هذه الصفقة المتواضعة لن تبرر زيارة رئاسية”. وهو الأمر الذي يهدد مصداقية الرئيس الأمريكي، الذي يدعي أنه يضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
تقول داليا: “في الواقع، الزيارة الرئاسية إلى الرياض ليست ضرورية في هذا الوقت لتسهيل التطبيع الكامل بين إسرائيل والسعودية. ناهيك عن خطوة أصغر، مثل اتفاق بشأن المجال الجوي. تنتهج الدول العربية هذه السياسات، لأن ذلك يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية. لا تحتاج إدارة بايدن إلى الاستمرار في الممارسة -التي بدأت خلال إدارة ترامب- لتلطيف هذه الاتفاقيات بامتيازات.