تمركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضمن المناطق الأقل سلامًا في العالم. حيث يضم أكثر الدول انخفاضا في معدل السلام.
هكذا كشف تقرير السلام العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام “IEP”، أن أسباب انخفاض معدل السلام بشكل عام في السنوات الماضية ترجع إلى مجموعة عوامل. منها زيادة المظاهرات العنيفة وتزايد أعداد اللاجئين وتصاعد التوترات السياسية في أوروبا والولايات المتحدة وآثار جائحة COVID-19.
وبينما صنف التقرير أفغانستان باعتبارها الدولة الأقل سلامًا في العالم للسنة الخامسة على التوالي. جاءت اليمن في المرتبة الثانية ضمن أقل البلدان سلاما على مستوى العالم. بينما انخفضت نسبة الوَفَيات الناجمة عن الإرهاب بنسبة 1.2% فقط في 2021 نتيجة تراجع تنظيم “داعش” في العراق وسوريا.
وشهد السودان أكبر تدهور أمني في الشرق الأوسط. وهو رابع أقل البلدان سلمًا في المنطقة. وذلك بالتزامن مع السنة الثالثة من انتقاله الديمقراطي. ولكن يعوقه فشل الحكومة في تنفيذ الإصلاحات القانونية المنصوص عليها في الميثاق الدستوري.
وجاءت أبرز الدول التي تعاني نزاعات في الشرق الأوسط بحسب التقرير على النحو التالي:
العراق
مثلت أحداث اقتحام البرلمان العراقي في أغسطس/آب الماضي والتي خلفت أكثر من 30 قتيلا إنذارا خطرا لما يمكن أن تقود إليه أزمة الانسداد السياسي.
ويواجه العراق واحدة من أسوأ أزماته السياسية. حيث مر 12 شهرا على إجراء الانتخابات البرلمانية دون تشكيل حكومة حتى الآن. نتيجة عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين لأسباب تتعلق بصعوبات نظام المحاصصة الطائفية. بالإضافة إلى تدخل القوى الأجنبية على رأسها إيران. وعدم تمكن أي فريق من حسم القرار.
ويلعب لجوء القوى السياسية إلى استخدام العنف وفرض قوة الشارع دورا في احتمالية وقوع العراق في حرب أهلية.
ففي خضم التوترات حشد كل من الإطار التنسيقي والتيار الصدري أنصارهما في الشارع. مما عطل مرور بعض القرارات. كما تبادل الطرفان توجيه الاتهامات بالتسبب في سوء الأوضاع السياسية. ويرفض كلاهما تقديم تنازلات. حيث يتمسك الصدريون بمطالبهم بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة خالية من مشاركة أي من الكيانات السياسية القائمة. بينما يتمسك التنسيقيون بمرشحهم لرئاسة الوزراء “محمد شياع السوداني” باعتبارهم القوة الأكبر في البرلمان بعد استقالة كتلة التيار الصدري المؤلفة من 73 نائبا.
ويشكل الصراع السياسي على السلطة في العراق تهديدا حقيقيا لأمن البلاد. التي بالفعل تواجه تحديات كبيرة في تعافيها من الحرب ضد تنظيم داعش التي استمرت نحو 4 سنوات. ولا يزال أكثر من مليوني شخص نازحين داخليًا وما يقرب من 9 ملايين في حاجة إلى المساعدة الإنسانية بعد الحرب.
ولا يزال هناك رهان على رئيس الوزراء في حكومة تسيير الأعمال “مصطفى الكاظمي” لإنجاح جولات الحوار الوطني لأجل الخروج من الأزمة.
اليمن
يعول على المجلس الرئاسي بقيادة “رشاد العليمي” إنقاذ اليمن من الأزمة السياسية التي عصفت به على مدار 9 سنوات.
ووفق تقارير الأمم المتحدة فإن الصراع في اليمن أنتج أكبر أزمة إنسانية في العالم. حيث يحتاج 24.1 مليون شخص أي 80٪ من السكان إلى المساعدات الإنسانية والحماية. ويعاني 19 مليونا انعدام الأمن الغذائي. كما عانى اليمن من أكبر حالات تفشي الكوليرا المسجلة على الإطلاق. مع 2.5 مليون حالة مشتبه بها ونحو 4 آلاف حالة وفاة منذ عام 2016.
كما أدى الصراع إلى نزوح أكثر من مليون شخص. كذلك يقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أكثر من 370 ألف شخص لقوا حتفهم نتيجة الحرب.
وتتعلق الأزمة في اليمن بمفهوم الشرعية والديمقراطية. حيث يسيطر الحوثيون على نحو 25% من البلاد بما فيها العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الذي تمر منه الواردات والمساعدات للبلاد. أي يقع تحت حكمهم قرابة 15 مليون نسمة. وهو ما يمثل نصف عدد اليمنيين. فيما تسيطر الحكومة على مناطق يعيش فيها نحو 12 مليونا بنسبة 40%. وبقية المناطق يقطن فيها قرابة 3 ملايين نسمة يمثلون 10% من السكان وهي تحت نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتحكم العلاقة بين المجلس القيادي والحوثيين في الوقت الراهن الهدنة الموقعة في إبريل/نيسان الماضي للمرة الأولى والتي يجرى تمديدها، وكان آخر تمديد في 3 أغسطس/آب الماضي لمدة شهرين. والتي لا تعني نهاية الحرب وإنما خفض مؤقت للتصعيد. إضافة إلى عدم الثقة بالحوثيين لاستمرارهم في الانتهاكات العسكرية للهدنة على عدة جبهات. مما أسفر عن مقتل 300 شخص. ومما يبرز مدى سوء الأوضاع أن الهدنة أتاحت لآلاف اليمنيين الوصول إلى الخدمات الطبية لأول مرة منذ سنوات. وهي تمثل أفضل الحلول المتاحة لحين الوصول إلى حل سياسي يلائم جميع الأطراف.
ليبيا
يمكن اعتبار تصريح السفير الأمريكي لدى ليبيا “ريتشارد نورلاند” أحد المدركات الرئيسية للأزمة الراهنة. حيث أكد أن رئيسي الحكومتين المتنافستين على السلطة في ليبيا “فتحي باشاغا” و”عبد الحميد الدبيبة” لا يستطيعان إدارة البلاد. إذ يفتقد كل منهما بعض مقومات الشرعية. فبالنسبة للدبيبة انتهت فترة سلطته بمنح مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح الثقة لباشاغا رئيسا لحكومة الاستقرار في فبراير/شباط الماضي. ولكنه ما زال يتمسك بمنصبه كرئيس للحكومة لحين إجراء الانتخابات.
رغم نيل باشاغا -رثقة مجلس النواب و”المجلس الأعلى للدولة” والدعم العربي والغربي- إلا أنه فشل في دخول العاصمة طرابلس -المقر الرئيسي لممارسة المهام الحكومية- نحو 3 مرات. وذلك بسبب التداعيات الأمنية لهذه الخطوة. مما دفعه إلى إقرار مباشرة حكومته عملها من مدينتي بنغازي وسرت. وهو ما يضع المواطنين أمام سيناريو الحكومتين المتوازيتين السابق بما يتضمنه من انقسام سياسي وقرارات متضاربة وانعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين.
ويهدد الصراع القائم على السلطة مخرجات مؤتمري برلين 1 و2 وقرارات مجلس الأمن. ويمثل إهدارا مباشرا لسنوات من المفاوضات وعشرات الاتفاقات الموقعة بين أطراف النزاع السياسي والعسكري. نتيجة التلكؤ والتواطؤ الواضح بين القائمين على السلطة في سبيل تمرير قراراتهم والبقاء في المشهد واستمرار دور القوى الخارجية في توظيف التوترات السياسية في تعظيم مكاسبهم.
السودان
لا تختلف الأزمة السياسية في السودان عن مثيلاتها في الشرق الأوسط من حيث طبيعة إدراك وآلية تطبيق مفاهيم الشرعية والديمقراطية وانسيابية تداول السلطة والابتعاد عن استخدام القوة للبقاء في الحكم والطبيعة القبلية للنزاعات. حيث وقع السودان في أزمة عميقة عقب قيام رئيس المجلس السيادي الانتقالي “عبد الفتاح البرهان” بحل مجلس السيادة والحكومة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. مما تسبب في احتجاجات واسعة وكذلك رفض دولي وأممي. وأدى إلى انشقاق واسع داخل قوى الحرية والتغيير. كما علق الاتحاد الإفريقي مشاركة السودان في جميع الأنشطة حتى استعادة القيادة المدنية السلطة.
وشكلت الأحداث تهديدا للجانب الأمني الذي أقرته اتفاقية جوبا للسلام المبرمة مع الجماعات المسلحة في أكتوبر/تشرين الأول 2020 فيما يخص نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. باعتبار أن معظم المجموعات الموقعة في الأصل هي جزء من قوى الحرية والتغيير. حيث شهدت ولاية النيل الأزرق أحداث عنف ضارية أودت بحياة ما يزيد على 80 شخصا في يوليو/تموز الماضي. كما ارتفعت وتيرة العنف في إقليم دارفور بسبب التنافس بين الحركات المسلحة التي تسعى لكسب نفوذ أكبر. لا سيما في أبريل/نيسان الماضي. مما أسفر عن مقتل 200 شخص.
وإزاء تعقد الوضع السياسي في السودان تعهد “البرهان” بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية ترتضيها الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية.
وتقف السودان أمام الآلية الثلاثية (يونيتامس “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان” والاتحاد الإفريقي والإيجاد: الهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا) ومبادرة أهل السودان ومقترح مشروع الدستور المؤقت كحلول للخروج من الأزمة.
مستقبل النزاعات
يتوقف مستقبل النزاعات في الدول التي ينخفض بها معدل السلام على النطاق الداخلي وكذلك الخارجي.
بالنسبة للأول: مدى قدرة الأنظمة على معالجة الأوضاع السياسية المتوترة والتكيف مع المشكلات الاقتصادية المتصاعدة التي تهدد مستقبل بعض الحكومات. وقدرة الدول على فرض سلطتها وهيمنتها الأمنية على حساب الجماعات المسلحة غير النظامية.
في عام 2023 ستواجه جميع دول المنطقة ضغوطًا إضافية من تغير المناخ وارتفاع الأسعار على خلفية النمو الاقتصادي غير المتكافئ. كذلك يمكن أن تزيد درجات الحرارة الشديدة والجفاف المستمر ومخاطر نقص المياه والغذاء من أعباء النظام السياسي.
وبالنسبة للمؤثرات الخارجية تترقب الدول الدور الإيراني وعلاقته بالمنطقة. حتى إذا نجحت الدبلوماسية في معالجة الأسئلة الشائكة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. فمن المرجح أن تظل مجموعة من الأسئلة الأمنية الإقليمية دون حل وستزيد من حالة عدم اليقين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
أيضا كمنطقة تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا يظل الشرق الأوسط على خطوط تقاطع المنافسة على النفوذ بين القوى العالمية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. وتحت تأثير المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا. فضلاً عن طموحات القوى الناشئة مثل الهند التي عملت على بناء العلاقات في جميع أنحاء المنطقة بطرق جديدة.