أطلق الغزو الروسي لأوكرانيا موجة من القلق بشأن النظام النووي العالمي. إذ يمكن فهم هذه المخاوف في ظل محاولة دولة مسلحة نوويا (روسيا) غزو جارتها غير النووية (أوكرانيا)، مهددة باستخدام الأسلحة النووية للفوز. ما زاد الطين بلة أن تلك الجارة، وافقت على عدم التحول إلى دولة مسلحة نوويا، وإعادة تشغيل الترسانة التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي في نهاية الحرب الباردة مقابل ضمانات أمنية من روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
تحت عنوان “أوكرانيا لن تشعل تدافعا نوويا” قال إيريك بروير، ونيكولاس ميلر، وترستان فولب، في مجلة “فروين بوليسي”، إنه يمكن اعتبار تهديدات روسيا باستخدام الأسلحة النووية لردع التدخل الخارجي في أوكرانيا، رسالة قوية إلى الدول غير النووية مفادها: “أحصل على أسلحة نووية بأسرع ما يمكن، لأن بلدك قد تصبح أوكرانيا التالية”.
مايكل أوهانلون وبروس ريدل من معهد بروكينجز، يقولان إنه إذا لم تساعد واشنطن أوكرانيا في الدفاع عن نفسها والتأكد من أنها لا تزال سليمة إقليميا، فإن توقعات الرئيس الأمريكي الأسبق جون إف كينيدي حول إمكانية حدوث حرب موسعة بين الدول التي امتلكت السلاح النووي، حقيقة.
اقرأ أيضا.. كارثة بوتين الأوكرانية.. فشل استراتيجي وتكتيكات خاطئة ومذبحة تلوح
يشارك في هذه المخاوف أكثر من مجرد خبراء غير حكوميين. فعلى هامش اجتماع للأطراف في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في أغسطس/آب الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين إن غزو روسيا لأوكرانيا أرسل “أسوأ رسالة ممكنة” إلى أي دولة تفكر في الأسلحة النووية من أجل أمنها.
استراتيجيات التحوط النووي
ورغم أن الحرب الروسية أوجدت قلقا نوويا بالفعل، لكن الخطر من تسببها في إطلاق موجة انتشار نووي عالمية كان أقل مما يعتقده الكثيرون. يأتي هذا في ظل أسباب وجيهة للخوف من انتشار الأسلحة النووية والتقنيات ذات الصلة، خاصة بين حلفاء واشنطن وشركائها.
وعلى سبيل المثال بدأ البعض في التشكيك في مصداقية الالتزامات الأمنية الأمريكية، بينما تضاءلت قدرة الولايات المتحدة على إثناء هذه الدول عن التحول إلى الطاقة النووية من خلال تقديم (أو رفض) المساعدة في مجال الطاقة النووية المدنية. حيث أصبحت روسيا والصين أكثر قدرة على المنافسة في تقديم تلك الخدمات. هذه التكنولوجيا جعلت التعاون في مجال منع الانتشار أكثر صعوبة. وبعيدا عن جعل الحرب الأوكرانية أسوأ، لكن الأزمة قد تقدم للولايات المتحدة فرصة حقيقية لوقف أو على الأقل تخفيف الانتشار النووي الأكثر إثارة للقلق حول العالم.
من ناحية أخرى، يريد حلفاء واشنطن غير النوويين البقاء تحت المظلة النووية للولايات المتحدة، حتى لو اتبع البعض ما يسمى بـ”استراتيجيات التحوط النووي” التي تتضمن تطوير قدرات ذرية مدنية يمكن استخدامها يوما ما لأغراض عسكرية. يأتي هذا في الوقت الذي أدى فيه الغزو الروسي لزيادة الطلب على الشراكات الأمنية مع الولايات المتحدة وجعل بعض الدول حذرة من المساعدة النووية المدنية الروسية، ما أعطى واشنطن المزيد من النفوذ.
الأمل الأخير
لكن على الجانب الأخر هناك أربعة أسباب للشك في أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستؤدي إلى زيادة انتشار الأسلحة النووية. أولها أنه رغم التهديدات الروسية التي كانت صريحة بشكل غير عادي، إلا أنها ليست المرة الأولى التي تهدد فيها قوة نووية دولة ضعيفة نسبيا. فخلال الحرب الباردة، كانت ألمانيا الغربية تخشى الغزو السوفييتي، وحاليا تخشى تايوان هجوم الصين. ورغم أن كلتا القوتين غير النوويتين فكرتا في الحصول على رادع خاص بهما، لكنهما تخلتا عن الفكرة في النهاية.
كما أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها دولة هجوما وجوديا بعد تخليها عن برنامج أسلحتها النووية. فعراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي تخليتا عن طموحاتهما في التسلح وتم خلعهما في وقت لاحق بعمل عسكري غربي. كما أنه لا يوجد دليل على أن أي من التجربتين دفعت البلدان الأخرى إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية.
ثانيا يوحي التاريخ بأن الحصول على القنبلة أسهل من ناحية القول لكنه صعب من ناحية الفعل. لقد بذلت واشنطن جهودا كبيرة لمنع ألمانيا الغربية وتايوان ودول أخرى من امتلاك أسلحة نووية، باستخدام مزيج من التأكيدات والتهديدات بالتخلي في حال الاستمرار في المسار النووي.
إيران والعراق وسوريا
بينما وجدت دول الشرق الأوسط صعوبة مماثلة في الحصول على أسلحة نووية. فأخرجت برامج العراق وسوريا عن مسارها بسبب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، في حين عانت إيران طوال ثلاثة عقود من العقوبات والتخريب الاقتصادي مع تقدمها نحو عتبة الأسلحة. باختصار، الطريق إلى امتلاك أسلحة نووية مليء بالعقبات والمخاطر. رغم أن واشنطن يجب أن تعمل على إبقاء هذه الحواجز في مكانها، إلا أن الدول لا يمكنها ببساطة التلويح بعصا سحرية والحصول على أسلحة نووية، لإنه من غير المرجح أن يتغير هذا الوضع بعد الحرب في أوكرانيا.
ثالثا تعتبر الدول التي تتمتع بحماية من الولايات المتحدة وحلفاءها أقل عرضة للعدوان أكثر من أوكرانيا، وبالتالي فهي أقل عرضة للشعور بأنها مضطرة لامتلاك رادع نووي. إذ أن كييف التي تقع في مرمى محتمل لاعتداء نووي، ليست في حماية المظلة النووية للولايات المتحدة مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ومعظم الدول الأوروبية. كما أنها لا تمتلك علاقات أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة كما تفعل تايوان وعدة دول خليجية.
روسيا والناتو
إن الدعم الأمريكي يجعل هذه البلدان أهدافا أقل إغراءً للعدوان أكثر من أوكرانيا؛ إذ أنه ليس من قبيل المصادفة أن تمتنع روسيا عن مهاجمة أعضاء الناتو عمدا، رغم دعمهم الكبير للجهود الحربية الأوكرانية. من ناحيتها توفر الولايات المتحدة هذه الحماية لحلفائها وشركائها حتى لا يحتاجون أسلحة نووية خاصة بهم. لكن لا يضمن هذا صدور قرار من حلفاء الولايات المتحدة بتطوير أسلحة نووية خاصة بهم. لكنه يعني أن بناء ترساناتهم الخاصة سيكون خيارا أخيرا وليس الملاذ الأول. كذلك يعني أن الولايات المتحدة ستتاح لها الفرصة لمحاولة إقناع هذه الدول بعدم السير في المسار النووي.
أخيرا ورغم انتهاك روسيا لضماناتها الأمنية لأوكرانيا والتهديدات باستخدام الأسلحة النووية، الذي قوّض معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية المتوترة بالفعل، يظل من غير المرجح أن تؤدي هذه الإجراءات الروسية إلى خروج جماعي من الاتفاقية. فمن ناحية جزئية يمكن اعتبار الثلاث نقاط السابقة سببا جوهريا لذلك، إذ لا ترى معظم الدول قيمة تذكر في الخروج من المعاهدة وإنتاج أسلحة نووية خاصة بها. وأولئك الذين قد يميلون إلى ذلك من المرجح أن تكون أسبابهم مدفوعة باعتبارات الأمن القومي، وليس الإحباط من أن الدول المسلحة نوويا تسيء استخدام امتيازاتها وتتجاهل التزاماتها بعدم الانتشار.
على حافة السكين
لا يعني أي من هذا أن على واشنطن إعلان النصر عندما يتعلق الأمر بمنع انتشار الأسلحة النووية. لأن سعي حلفاء الولايات المتحدة وشركائها للحصول على أسلحة نووية يظل خطرا حقيقيا. لكن هذا الخطر يسبق الغزو الروسي لأوكرانيا وهو إلى حد كبير نتيجة تعميق المخاوف بشأن مصداقية الولايات المتحدة وسط صعود خصوم أقوياء ينتقمون. بالإضافة إلى تباين وجهات النظر بين واشنطن وحلفائها.
إن التسرع في الحصول على أسلحة نووية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا سيحمل مخاطر كبيرة، ومع ذلك من المحتمل أن يستفز الخصوم، ويفرض عقوبات اقتصادية، ويدفع واشنطن إلى سحب ضماناتها الأمنية. نتيجة لذلك، من المرجح أن يسعى حلفاء وشركاء واشنطن إلى خيار الأسلحة النووية وهي استراتيجية تُعرف باسم “التحوط”.
ويبدو أن بعض البلدان تتبع هذه الاستراتيجية بالفعل. ففي كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، يدعم أكثر من 70% من الجمهور وعدد متزايد من خبراء الأمن القومي تطوير سلاح نووي محلي. وخلال المفاوضات مع واشنطن، سعت سيول منذ فترة طويلة للقدرة على تخصيب وإعادة معالجة الوقود النووي. وفي العام الماضي، ألغت كوريا الجنوبية أيضًا القيود المفروضة على برنامجها الصاروخي التقليدي، ما سمح لها بتطوير صواريخ أكثر تطورًا وأطول مدى لمواجهة كوريا الشمالية وربما الصين. كذلك سعت سيول أيضا إلى تكامل أكبر مع التخطيط النووي الأمريكي، بل وطالبت بإعادة الأسلحة النووية الأمريكية إلى شبه الجزيرة.
المملكة العربية السعودية أحد أهم حلفاء أمريكا في العالم، تحوطت هي الأخرى من رهاناتها، ورفضت التخلي عن التخصيب أو إعادة المعالجة، وحافظت على ترتيب عفا عليه الزمن مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يحد من وصول المفتشين الدوليين. بالإضافة إلى ذلك، هددت علنًا ببناء أسلحة نووية إذا فعلت إيران الشيء نفسه. ووفق تقارير “CNN” وغيرها من المنافذ الإخبارية، تعمل المملكة على تعزيز قدراتها الصاروخية بمساعدة صينية. لكن من ناحية أخرى لا تزال الولايات المتحدة الشريك الدفاعي الأقرب للسعودية، إلا أن العلاقة المتوترة بين الرياض وواشنطن دعت الأولى إلى تنمية علاقات أعمق مع موسكو وبكين.
بالإضافة إلى خيار تطوير قنبلة نووية، فإن التحوط النووي يمنح حلفاء الولايات المتحدة وشركائها نفوذا كبيرة. لكن رغم أن هذه الديناميكية قد تجبر واشنطن على تحمل المزيد من المسؤوليات الدفاعية أو تجهيز حلفائها بشكل أفضل، إلا أنها تخلق أيضا فرصة لتعزيز منع الانتشار النووي.
يجب على واشنطن أن تستفيد من هذه الرغبة في إعادة الطمأنينة لإدارة مخاطر الانتشار النووي. كذلك لن تسعى جميع الدول إلى الحصول على نفس الحماية، وسيتعين على الولايات المتحدة أن تدرس بعناية ما هي على استعداد لتقديمه وأين.
أما بالنسبة لدول مثل كوريا الجنوبية، قد يكون هناك مجالا لمزيد من التخطيط العسكري المتكامل ومناقشة أكثر تفصيلا حول دور الأسلحة النووية في الدفاع.
تهديد السعودية
أما المملكة العربية السعودية، حيث قد لا يكون مد الردع النووي مجديا من الناحية السياسية، ستحتاج واشنطن إلى بذل المزيد لمساعدة الحكومة على تطوير القدرة على الدفاع ضد التهديدات الإقليمية، مثل الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية. كما تسير خطط وزارة الدفاع الأمريكية لتأسيس منشأة في المملكة لتطوير واختبار القدرات المتكاملة للطائرات بدون طيار، خطوة في الاتجاه الصحيح. كما أن زيادة التعاون الإقليمي في مجالات الأمن والدفاع والطاقة ستؤتي ثمارها.
كذلك تقدم ما يسمى بـ”AUKUS” أوم الشراكة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مثالًا آخر على كيفية قيام واشنطن بتقوية التحالفات، وتعزيز القدرات التقليدية للحلفاء، ووضع سابقة إيجابية لمنع انتشار الأسلحة النووية.
في النهاية يمكن القول، إن الطلب المتزايد على الدعم الأمني الأمريكي يمنح واشنطن مزيدا من النفوذ لربط قيود منع الانتشار بأي ضمانات تقدمها.
المساعدة النووية
إن خلق حوافز لمنع الانتشار النووي من خلال ضمانات أمنية أمر صعب للغاية، كما |أنه ينضوي على مخاطر عالية. لكن لحسن الحظ، يمكن للولايات المتحدة أن تعزز هذا النهج بأسلوب آخر أكثر جاذبية بعد نهاية الحرب في أوكرانيا، من خلال ما يعرف بـ”المساعدة النووية المدنية”.
وكمثال سابق، ساعدت الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة الدول على إنشاء برامج نووية غير عسكرية لتقوية التحالفات، ومغازلة شركاء جدد، واكتساب نفوذ. هذه المساعدة كانت آداة مهمة لتعزيز منع انتشار السلاح النووي. إذ أنه يمكن لواشنطن أن تضع قيودا على البرامج النووية المدنية للدول الشريكة، لضمان عدم استخدام تلك التكنولوجيا في صناعة الأسلحة. وإذا بدأ أحد الحلفاء برنامج أسلحة سري، وقتها يهدد المسؤولون الأمريكيون بوقف المساعدة المدنية في الحال.
ومع ذلك، تنازلت واشنطن في نهاية المطاف عن السوق النووية لصالح روسيا والصين. إذ أن 19 من أصل 33 محطة طاقة نووية تجارية تم تصديرها لجميع أنحاء العالم بين عامي 2000 و2020 جاءت من موسكو وبكين. نتيجة لذلك، لم يتضاءل نفوذ الولايات المتحدة فحسب، بل ربما زادت مخاطر انتشار السلاح النووي. خاصة إذا نظرنا إلى الضوابط التي تفرضها البلدان على مشروعات الطاقة النووية والتي تكون أكثر مرونة من الضوابط المطلوبة من الأمريكيين.
“حزم ذرية”
تقدم موسكو وبكين في كثير من الأحيان لحلفاء وشركاء الولايات المتحدة حزم مساعدة ذرية قيّمة جزئيًا لإضعاف تحالفهم مع واشنطن. فعلى سبيل المثال قدمت كلتا القوتين عطاءات لبناء محطات طاقة نووية في المملكة العربية السعودية، ما وضعها في منافسة مباشرة مع عطاءات من الولايات المتحدة ودول أخرى.
وإذا استمرت واشنطن وموسكو وبكين في التنافس والرغبة في الهيمنة على الصادرات النووية المدنية، يمكن للدول الذكية أن تستغل هذه المنافسة لبناء برامجها في ظل اتفاقيات إمداد سخية وربما متساهلة ورخيصة.
كذلك خلق الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة لواشنطن لتقويض الهيمنة الروسية على السوق النووية. خاصة أن موسكو أصبحت مثالا على الإدارة النووية المدنية غير المسؤولة. خاصة عندما قصفت قواتها محطة “زابوروجيا” للطاقة النووية الأوكرانية ثم احتلتها. كما دفعت مخاطر الاعتماد على روسيا للحصول على الطاقة بعض الدول لإعادة المشاريع النووية المدنية إلى الطاولة. أجلت ألمانيا على سبيل المثال، خطتها للتخلص التدريجي من الطاقة النووية، مع الإبقاء على العديد من محطات الطاقة النووية قيد التشغيل بعد أن كان من المقرر إيقاف تشغيلها. كما لجأت حكومات أخرى إلى بناء محطات طاقة نووية جديدة لتعزيز أمن الطاقة بعد أن فقدت الوصول إلى الغاز الروسي.
واشنطن من ناحيتها كانت سريعة في اغتنام تلك الفرص. إذ ضخت موارد إضافية في الجهود المبذولة لدعم إنتاج الوقود النووي، وتطوير المفاعلات المتقدمة، وتعزيز القدرة التنافسية للتصدير، وعلى الأخص من خلال تقديم منح من وكالة التجارة والتنمية الأمريكية إلى الشركات الأمريكية التي تطور برامج الطاقة النووية خارج البلاد.
كانت النتائج الأولية واعدة. في الأشهر الستة الماضية فقط، أعلنت رومانيا اتفاقا مبدئيا مع شركة “NuScale Power” الأمريكية ومقرها ولاية أوريجون لبناء نوع جديد من محطات الطاقة النووية. كما وقعت السويد صفقة مع “ويستنجهاوس” الأمريكية ومقرها بيتسبرج والشركة الفرنسية “فرام آتوم” لتحل محل إمدادات الوقود النووي الروسية.
كما استأجرت أوكرانيا “ويستنجهاوس” الأمريكية للمساعدة في إنهاء اعتمادها على الوقود النووي الروسي. كذلك اختارت بولندا الشركة ذاتها لتطوير أول محطة للطاقة النووية في البلاد.
في غضون ذلك، انسحبت فنلندا من صفقة مع شركة “روساتوم” الروسية المملوكة للدولة لبناء محطات طاقة نووية. بعبارة أخرى، وضعت الحرب الروسية في أوكرانيا الولايات المتحدة في موقع رئيسي لتزويد التكنولوجيا النووية المدنية حول العالم، خاصة في أوروبا.
ضغوط على روسيا
ستعتمد نجاح واشنطن في تنشيط صادراتها النووية المدنية على استعدادها للحفاظ على دعم قوي للشركات النووية الأمريكية في مواجهة المنافسة الشديدة من الشركات الروسية والصينية المملوكة للدولة. لكن من ناحية أخرى تظل بعض الدول بما في ذلك أعضاء في حلف شمال الأطلنطي مثل تركيا والمجر، مدينة بالفضل لروسيا بسبب العقود أو الاستثمارات النووية.
من ناحيتها تواجه روسيا ضغوطا أكبر للتنافس على نفوذ الصادرات النووية المدنية، نظرًا لأن هذه النقطة إحدى ميزاتها النسبية القليلة. قد تكون التكاليف السياسية والمادية للاكتتاب في مشروعات الطاقة النووية مرعبة، لكن المكاسب تعد بأن تكون كبيرة. أحد أهم تلك المطكاسب استعادة موسكو قدرتها على إمداد الحلفاء والشركاء بالتكنولوجيا النووية المدنية.
وكرد فعل أعادت الولايات المتحدة تنظيم استراتيجياتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لتتماشى مع الهدف الشامل في التنافس مع الصين وروسيا. لقد حان الوقت لواشنطن أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة لاستراتيجيتها لمنع انتشار الأسلحة النووية. إذ أن الحرب في أوكرانيا قد تسوء بشكل كارثي من نواحٍ عديدة، بما في ذلك الاستخدام النووي، لكن واشنطن أوجدت أيضا فرصة لمنع انتشار الأسلحة النووية.