بينما تتصاعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تندلع حرب من نوع آخر بين إسرائيل وإيران، تنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بعدما أخذ صداها يؤثر في أزمات الشرق الأوسط التي تتقاطع فيها مصالح طهران وتل أبيب. كلا الطرفان ينكر انخراطه عسكريا في الحرب المشتعلة بين موسكو وكييف، إلا أن الشواهد والتقارير الاستخباراتية الدولية، تؤكد عكس ذلك.
ووفق تقارير غربية وأمريكية بدأت روسيا في استخدام الطائرة المسيّرة الإيرانية الصنع “شاهد -136” بعد أن تلقت أعدادا كبيرة منها من طهران، رغم تحذير واشنطن للإيرانيين من تصدير السلاح.
اقرأ أيضا.. كارثة بوتين الأوكرانية.. فشل استراتيجي وتكتيكات خاطئة ومذبحة تلوح
وتستطيع الطائرات المسيَّرة (شاهد-136) استهداف أنظمة الرادار والمدفعية في وقتٍ واحد، ويمكن أن تكون أكثر فاعلية عند استخدامها مع أنظمة مضادة للتشويش. وعلاوةً على ذلك، ونظرا لأن هذه المسيرات صغيرة الحجم نسبيا وتحلق على ارتفاعاتٍ منخفضة، يجعل هذا من الصعب على أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية اكتشاف حركتها. كما صممت هذه الطائرات المسيَّرة الانتحارية في المقام الأول لضرب الأهداف الأرضية، بطريقة التدمير الذاتي.
وفي مقابلة صحفية مؤخرا، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من إسرائيل توفير أنظمة دفاع جوي، معتبرا الدولة العبرية “واحدة من خمس دول تمتلك التكنولوجيا” لمساعدة الأوكرانيين ضد هجوم جوي.
وقال “زيلينسكي” إن “طائرات مسيرة إيرانية استخدمت أيضا في هجمات روسية على البنية التحتية للطاقة في بضع مدن أوكرانية”. فيما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن طهران “تستعد لتسليم أول صواريخها البالستية قصيرة المدى إلى موسكو خلال الحرب”.
وأعلن وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، أنه أرسل خطة قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران إلى الرئيس فولوديمير زيلينسكي. كما أضاف: “إيران مسئولة مسئولية كاملة عن تدمير أوكرانيا”.
وقال في مؤتمر صحفي: “طُلب من إسرائيل تقديم مساعدة دفاع جوي لأوكرانيا والتعاون الضروري للتعامل مع الطائرات الإيرانية بدون طيار”.
في مقابل ذلك تصف إيران الحديث عن تزويدها روسيا بالطائرات المسيرة بـ”الادعاءات”. إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في بيان صحفي، إن “الادعاءات بشأن إرسال أسلحة بما في ذلك طائرات مسيرة لاستخدامها في الحرب الأوكرانية غير صحيحة. كما أنها تعتمد على معلومات خاطئة ومغرضة ومسيسة”.
تغيير المعادلات
أمام التقارير الخاصة بتزايد استخدام روسيا للطائرات الإيرانية المسيرة وغيرها من الأسلحة في هجومها المستمر على أوكرانيا، تتصاعد الأصوات في تل أبيب بضرورة تدخل إسرائيل بشكل أوسع في الحرب الأوكرانية.
وكتب وزير شئون الشتات الإسرائيلي نحمان شاي، تغريدة على تويتر قال خلالها: “قيل إن إيران تساعد روسيا بصواريخ باليستية. انتهت السجالات حول موقف إسرائيل وأين يجب أن تقف في هذا الصراع، جاء الوقت الذي علينا فيه أن نقدم الدعم العسكري لأوكرانيا ما دامت الولايات المتحدة وحلف الناتو يفعلان ذلك”.
ورغم إدراك إسرائيل خطورة التوسع في استخدام المسيرات الإيرانية من جانب روسيا في أوكرانيا، إلا أن تل أبيب مقيدة بالمعادلة الخاصة بالتنسيق مع موسكو فيما يخص الأوضاع في سوريا، والمتمثلة في آلية منع الاشتباك مع روسيا، وتسمح للجيش الإسرائيلي بمهاجمة أهداف إيرانية في سوريا”.
تعاط حذر
المخاوف المتعلقة بالحفاظ على آلية التنسيق المشترك من جانب إسرائيل، جعلتها تطور من تعاملها مع الأزمة الأوكرانية ولكن بشكل حذر. فبعدما تمسكت منذ اندلاع الحرب برفض تقديم أي مساعدات عسكرية تتجاوز السترات والخوذات لأوكرانيا، كشفت تقارير إسرائيلية مؤخرا، بأن تل أبيب باتت أكثر تورطا مما كانت عليه في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث إنها تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف حول الطائرات الإيرانية بدون طيار، وفق تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية.
وأوضح التقرير العبري، أن “إسرائيل تسمح أيضا لشركات التكنولوجيا بالعمل في أوكرانيا ضد الطائرات بدون طيار. كما أنها تغض الطرف عن نوايا بعض الدول في نقل الأسلحة الإسرائيلية إلى الأراضي الأوكرانية”.
وشدد التقرير على ضرورة أن تسمح تل أبيب باستخدام تقنياتها المضادة للصواريخ والطائرات بدون طيار في أوكرانيا.
التحركات الإسرائيلية الأخيرة على صعيد الحرب الأوكرانية، تأتي في ظل تحسب، لانتقال طائرات دون طيار “كاميكازي” (الانتحارية) الإيرانية، لحزب الله اللبناني ووكلاء إيرانيين آخرين في المنطقة.
العلاقات الروسية الإسرائيلية
حملت العبارات الصادرة مؤخرا عن الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي أقوى رسالة تحذير إلى الإسرائيليين منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.
وبدا أن الملفات الخلافية التي تراكمت خلال الأشهر الماضية بين موسكو وتل أبيب وصلت إلى لحظة حرجة في علاقات الطرفين، مع بروز دعوات في إسرائيل إلى تعزيز تسليح أوكرانيا في مواجهة انخراط السلاح الإيراني في الحرب بعد اتساع استخدام المسيّرات الإيرانية، وتقارير عن استعداد طهران لتزويد موسكو بقدرات صاروخية متعددة الأغراض.
وقال مدفيديف الذي حولته الحرب مع أوكرانيا إلى واحد من أبرز الصقور في النخب السياسية الروسية، إن احتمال تصدير أسلحة إسرائيلية لأوكرانيا، سيشكل تحولا حاسما في العلاقات، مشيرا إلى أنها “إذا فعلت ذلك فستدمر جميع العلاقات مع روسيا”.
سد العجز الروسي
ويلفت اللواء دكتور سيد غنيم الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية الملكية ببروكسل، إلى تقدير موقف استخباراتي صدر حديثا وتم مشاركته بين المخابرات الأمريكية والأوكرانية، بشأن استعداد إيران لشحن الدفعة الأولى من صواريخ طرازي (فاتح 110 – ذو الفقار) إلى روسيا، حيث يبلغ مدى الصاروخين (300 كيلومتر – 700 كيلومتر).
ويشير غنيم في منشور على حسابه الرسمي بموقع “فيسبوك” للعجز الحاد الذي تعاني منه روسيا في الذخائر الذكية بعيدة المدى مع قرب نفاد الاحتياطي منها، مما تطلب سرعة الاستعواض بأي شكل.
ويرى “غنيم” أن تكثيف قصف النيران الروسية على المدن الأوكرانية يهدف إلى تعويض تقصير القوات البرية الروسية على الأرض في عدم القدرة على التحول للهجوم أو حتى التمسك بالدفاعات في الأراضي المضمومة لروسيا حديثا. كما لفت في الوقت ذاته إلى أن التوسع في القصف النيراني الدقيق يأتي كاستراتيچية مكررة للچنرال سيرجي سوروڤكين القائد العام الجديد للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبما يتسق مع ما نفذه في حلب عام 2019، حيث كان يتولى قيادة القوات الروسية هناك.
عقوبات أمريكية
أمريكا من ناحيتها تعهدت بعدم الوقوف مكتوفة الأيدي أمام التحالف الروسي الإيراني، وانتقال المسيرات الإيرانية إلى موسكو.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل خلال إفادة يومية للصحفيين، إن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ خطوات “عملية وحازمة” لتجعل من الصعب على إيران بيع طائرات مسيرة وصواريخ لروسيا. كما أضاف أن واشنطن لديها من الأدوات ما يمكنها من محاسبة كل من موسكو وطهران.
وعزف “باتيل” عن تقديم مزيد من التفاصيل حول هذه الخطوات لكنه أشار إلى أن واشنطن فرضت بالفعل عقوبات وقيودا على صادرات البلدين. وأضاف أن تعزيز التحالف بين روسيا وإيران ظاهرة يجب على العالم أن ينظر إليها باعتبارها “تهديدا بالغا”.
في الخلاصة يمكن القول، إن توسع روسيا في الاعتماد على المسيرات والصورايخ البالستية الإيرانية، من شأنه أن يغير شكل المنطقة، ويزيد من إمكانية التصعيد في بعض الملفات التي تتواجد بها طهران عبر وكلائها مثل الأزمة اليمنية. خاصة أن توطيد العلاقات العسكرية الإيرانية مع روسيا، سينعكس على توسيع إيران نطاق صادراتها الدفاعية، التي من المرجَّح أن تنمو في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى ذلك تجد طهران في الحرب الأوكرانية بيئة قتالية متطورة ستوفر لها فرصة كافية لاختبار أسلحتها ومن ثم تطويرها إمكانياتها وتلافي عيوبها.
كذلك ستكون مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني في مرمى التأثيرات السلبية للتحالف العسكري بين موسكو وطهران، الآخذ في الاتساع، حيث إن من شأن هذا التحالف أن يخلط أوراق اللعبة بالكامل.