يُذكر عام 2022 باعتباره عام فاصل بالنسبة للصين التي يحكمها شي جين بينج. إذ سيشكل المؤتمر العشرين القادم للحزب الشيوعي الصيني (16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، والذي سيعقد على خلفية التأثير العالمي الدراماتيكي لحرب أوكرانيا، سياسات الصين للعقد القادم.

خلال العقود الأربعة الماضية، زادت الصين من اندماجها مع العالم. ومع ذلك، فإن قيود السفر لـ Covid-19، وانتشار العقيدة الأيديولوجية المتشرنقة محليا، والتشرذم الدولي المتزايد حيث لا يوجد لدى معظم البلدان خيار سوى الانحياز إلى جانب واحد، أوقف هذا الاتجاه فجأة.

كل هذه العناصر تؤثر على تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال والسلع والأفكار، والتي ضمنت النجاح الاقتصادي للصين بعد عام 1978. فهل سيتمكن الرئيس شي جين بينج من تجاوز الحد من الخسائر للاقتصاد الصيني؟

هذا ما حاول المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) الإجابة عليه، مستندًا على آراء باحثيه. إذ لم يعد انفتاح الصين وتكاملها مع الاقتصاد العالمي أمرًا مفروغًا منه؛ واليوم، تعتمد متابعة كلا الأمرين على خيار سياسي متعمد، في بكين وكذلك في بلدان أخرى.

يحتوي إغلاق الباب في الصين على مفتاحين: مفتاح محلي وآخر أجنبي، ولا يستطيع “الرئيس شي” سوى حمل أحدهما فقط. إذ سيؤثر صعود الأرثوذكسية “أي الاتجاه التقليدي المتشدد سياسيا” الأيديولوجية على قدرة الحكم في الصين، وسيؤدي إلى مواجهة أشد مع الديمقراطيات -التي تمثل الحصة الأكبر من اقتصاد العالم. ما سيؤدي إلى زيادة العزلة في الخارج ومحاولات لعزل الصين عن سلاسل التوريد الحرجة.

وقد يستغرق خفض تكاليف العزلة عن طريق بناء سلاسل إمداد بديلة وتطوير التقنيات المحلية وقتًا. وهذا لا يعني أن الصين ستعيد عقارب الساعة إلى الوراء إلى ما قبل عام 1978، عندما بدأ عصر الإصلاحات. ومع ذلك، فإن الزخم لتحقيق التحرير المحلي التدريجي ودمج بكين في المجتمع الدولي آخذ في التلاشي.

هنا تبرز أهمية المؤتمر العشرين القادم للحزب الشيوعي الصيني، إذ لا يقتصر دور الحزب على اختيار النخبة الحاكمة الجديدة فحسب. بل يتعلق أيضًا بتحديد مكانة الصين في العالم.

اقرأ أيضًا: هل يمكن أن نكون الصين؟

توقعات مؤتمر الحزب العشرين

ترى ماريا أديل كاراي، الأستاذة المساعدة في الدراسات الصينية العالمية بجامعة نيويورك في شنجهاي، أنه رغم وجود أعضاء أقوياء في الحزب الشيوعي الصيني غير راضين عن احتكار “الرئيس شي” للسلطة، سيكون من المفاجئ أن يتم تحدي سلطته السياسية في هذه المرحلة. بل سيكون الأقرب تعزيزه إياها بشكل أكبر، ليستمر في منصب الأمين العام للحزب لفترة ثالثة، بعد إلغاء حدود ولايتين من الدستور في عام 2018.

هذا يعني أن النظام يبتعد أكثر عن القيادة الجماعية التي أنشأها الزعيم السابق “دنج شياو بينج”، ويتجه نحو تركيز القيادة حول أهداف “شي” الشخصية، ووجهات نظره حول “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد”.

وينعقد مؤتمر الحزب الشيوعي في وقت غير مستقر، حيث خفض المستهلكون الصينيون إنفاقهم، بينما توشك فقاعة الائتمان المحلية على الانفجار.

تقول “ماريا أديل” إنه يجب على القادة الجدد التعامل مع العواقب المدمرة لجائحة كورونا، وسياسة عدم انتشار الفيروس، والكوارث الطبيعية الأخرى، فضلًا عن الحرب في أوكرانيا. وقد أدت جميعها إلى استنزاف الاقتصاد المحلي الصيني، وتقويض علاقات بكين مع القوى الغربية.

وتتوقع “ماريا” أن يضع الحزب خطة سياسية أكثر واقعية للصين و”العصر الجديد” للحزب الشيوعي الصيني. إذ من المرجح أن يتبع الحزب أطر الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، والتداول المزدوج، والازدهار المشترك الموضحة في الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين، والتي تهدف إلى تعزيز قاعدتها المحلية لتصبح قوة عظمى.

ماريا أديل كاراي
ماريا أديل كاراي

ماريا أديل كاراي هي أستاذة مساعدة في الدراسات الصينية العالمية بجامعة نيويورك في شنجهاي. يستكشف بحثها تاريخ القانون الدولي في شرق آسيا، ويبحث في كيفية قيام صعود الصين كقوة عالمية بتشكيل المعايير وإعادة تحديد التوزيع الدولي للقوة.

حصلت على زمالة ماري كوري لمدة ثلاث سنوات في جامعة KU Leuven. وكانت أيضًا زميلة في الأكاديمية الإيطالية بجامعة كولومبيا ، وبرينستون-هارفارد الصين والبرنامج العالمي ، وبرنامج ماكس ويبر التابع لمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا ، وكلية الحقوق بجامعة نيويورك.

هل تستمر سيطرة “شي”؟

تقول الباحثة الخبيرة في السياسات الصينية ألكساندرا كوبات إن المجهول الكبير حول المؤتمر العشرين القادم للحزب هو ما إذا كان “الرئيس شي” سيستمر في منصبه كسكرتير عام أم أن القوة العظمى التي يبدو أنه يمارسها على الحزب ستؤمن له لقب “رئيس الحزب” أو “زعيم الشعب” كما هو مقترح.

وتنسب إلى بعض التقارير، أن موقف “شي” سيحدد بقدرته على إجراء تغييرات في الموظفين من شأنها تثبيت مؤيديه في أماكن حرجة عبر بيروقراطيات الدولة الحزبية. سيؤدي ذلك إلى زيادة تعزيز قدرة سيطرة “شي” وتحديد قدرته على توجيه سياسة الصين المستقبلية في العديد من المجالات، التي تتطلب اهتمامًا عاجلًا بدءًا من التحديات المحلية مثل النظام المالي غير المستقر والنمو الاقتصادي بعد الوباء، إلى التحديات الدولية التي تتراوح بين الانفصال عن الأنظمة المالية والتجارية العالمية للرد على الاهتمام الدولي المتزايد حول تايوان، أو الحرب في أوكرانيا.

ألكساندرا كوبات
ألكساندرا كوبات

ألكساندرا تدرس في معهد لاو الصين وإدارة التنمية الدولية حول السياسة الاقتصادية والتنمية للصين المعاصرة ودور الصين المتغير في الحوكمة العالمية. حصلت على درجة الدكتوراه من معهد Lau China ، King’s College London حيث نظر مشروعها البحثي في تكييف بيروقراطية التدريب الداخلية للحزب الشيوعي الصيني، ونظام مدرسة الحزب.

 

اقرأ أيضًا: كيف تحوّل الحرب في أوكرانيا موسكو إلى “خادمة” لبكين؟

كيف استفاد شي من قمة سمرقند؟

يقول الباحث المتخصص في السياسة الخارجية الصينية بارتوش كوالسكي إن قمة منظمة شنجهاي للتعاون، التي عقدت في مدينة سمرقند بأوزبكستان خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت بمثابة انتصار للصين ودعامة دعائية لـ”شي جين بينج” قبل المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني. وهو يرى أن الصين تستغل تضاؤل مجال نفوذ روسيا الحالي من خلال زيادة تواجدها تدريجيًا في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي.

ومع ذلك، فإن الصين تحافظ بطريقة ما على أسلوبها الدقيق مع روسيا. إذ لا يريد “شي” سقوط بوتين، وإن كان تفاقم الوضع الدولي المشحون بالفعل تجاه “بوتين” لا يخدم مصالح الصين.

بارتوش كوالسكي
بارتوش كوالسكي

بارتوش كوالسكي أستاذ مساعد في قسم الدراسات الآسيوية بجامعة لودز، بولندا، وباحث في مركز الشؤون الآسيوية التابع لها. يركز بحثه على السياسة الخارجية للصين، بما في ذلك العلاقات بين الصين وأوروبا الوسطى والشرقية.

منظمة شنجهاي.. أداة للمساومة

يقول تيمور داداباييف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تسوكوبا إن تاريخ منظمة شنجهاي للتعاون يثبت أنها نوع وظيفي لمنظمة ركزت في البداية على الإرهاب والحدود وتعزيز الثقة بين الأعضاء. وإنه عندما تحقق النجاح في هذه المجالات، كانت هناك دعوات لتنتشر في مجالات أخرى، مثل الاقتصاد. وقد ذهبت هذه القمة في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى أبعد من ذلك من خلال تنويع أعضائها والقضايا التي ترغب في تغطيتها.

ويوضح “تيمور” أن معظم دول آسيا الوسطى، بما في ذلك أوزبكستان، ترى أن منظمة شنجهاي للتعاون تمتلك إمكانات اقتصادية غير مستغلة، ولا يجب أن تكون مصممة فقط للتعامل مع القضايا الأمنية. وبهذا المعنى، اقترح رئيس منظمة شنجهاي للتعاون ورئيس أوزبكستان، شوكت ميرزيوييف، نزع الطابع الأمني ​​عن أجندة المنظمة والتركيز على قضايا التعاون الاقتصادي العملي والتواصل.

هنا، يضيف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تسوكوبا إن نجاح هذا التحول في دور منظمة شنجهاي، سيؤدي إلى تغيير هويتها من كونها منظمة أمنية إقليمية إلى نوع عام من المنظمات الإقليمية ذات الأهداف المتعددة.

بالإضافة إلى ذلك، واستنادًا إلى جداول الأعمال المتنوعة للدول الأعضاء، يمكن أيضًا اعتبار منظمة شنجهاي للتعاون أداةً للمساومة الجماعية لدول آسيا الوسطى الأصغر.

ومع ذلك، فإن الأوضاع متعددة الأطراف دائمًا ما تشكل تحديًا معينًا، حيث يمكن لدول آسيا الوسطى والدول الأعضاء الأخرى في منظمة شنجهاي للتعاون، تنسيق مواقفهم بشكل جماعي تجاه روسيا والصين. وبهذا المعنى، يميل “تيمور” إلى رؤية منظمة شنجهاي للتعاون كأداة للمساومة متعددة الأطراف للدول الأصغر، ما يعزز مواقفها التفاوضية ضد نظيراتها الأكبر حجمًا. وهذا بالطبع يمس الصين ويؤثر عليها.

تيمور داداباييف
تيمور داداباييف

أستاذ العلاقات الدولية ومدير البرنامج الخاص للدراسات اليابانية والأوروبية الآسيوية في كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية والإنسانية ، جامعة تسوكوبا ، اليابان.