على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسئولون روس آخرون، يهددون باستخدام الأسلحة النووية في الحرب ضد أوكرانيا. يلوحون باستخدام مخزونهم في أي من المواقع المُسماة”Object S”، والمنتشرة في جميع أنحاء البلاد. وهي عشرات من مرافق التخزين المركزية للأسلحة النووية. وتحتوي على آلاف الرؤوس الحربية النووية والقنابل الهيدروجينية، مع مجموعة متنوعة من المواد المتفجرة.
وبينما تدير المديرية الرئيسية الثانية عشرة لوزارة الدفاع الروسية، الاستعدادات المحتملة لهجوم نووي قد يأمر به قيصر موسكو في أية لحظة. يجول محرر أتلانتيك/ The Atlantic إريك شلوسر، ليرسم سيناريوهات محتملة لاستخدام بوتين أسلحة نووية تكتيكية، قد تكون قصيرة المدى والضرر.
وفقًا لبافيل بودفيج، مدير مشروع القوات النووية الروسية، وزميل أبحاث سابق في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا. فإن الصواريخ الباليستية طويلة المدى المنتشرة على الأرض وعلى الغواصات هي الأسلحة النووية الوحيدة المتاحة لروسيا للاستخدام الفوري.
يقول: إذا قرر بوتين مهاجمة أوكرانيا بأسلحة نووية “تكتيكية” قصيرة المدى، فسيتعين إزالتها من موقع Object S – مثل بيلجورود 22، على بعد 25 ميلاً فقط من الحدود الأوكرانية، ونقلها إلى قواعد عسكرية. سوف يستغرق الأمر ساعات حتى تصبح الأسلحة جاهزة للقتال، وتزاوج الرؤوس الحربية مع صواريخ كروز أو الصواريخ الباليستية، حتى يتم تحميل القنابل الهيدروجينية على الطائرات.
اقرأ أيضا: كارثة بوتين الأوكرانية.. فشل استراتيجي وتكتيكات خاطئة ومذبحة تلوح
يتساءل شلوسر: من المرجح أن تراقب الولايات المتحدة حركة هذه الأسلحة في الوقت الفعلي. عن طريق المراقبة عبر الأقمار الصناعية، والكاميرات المخبأة بجانب الطريق، والوكلاء المحليين. وسيثير ذلك سؤالاً ذا أهمية وجودية: ماذا يجب أن تفعل الولايات المتحدة؟
ألعاب الحرب
خلال صيف عام 2016، نظم أعضاء فريق الأمن القومي، التابع للرئيس الأمريكي في ذلك الحين باراك أوباما -سرًا- لعبة حرب. غزت فيها روسيا دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي في منطقة البلطيق، ثم استخدمت سلاحًا نوويًا تكتيكيًا منخفض القوة ضد قوات الناتو لإنهاء الصراع بشروط مواتية. و كما وصف فريد كابلان في كتابه “القنبلة/ The Bomb”، توصلت مجموعتان من مسئولي أوباما إلى استنتاجات متباينة على نطاق واسع حول ما يجب على الولايات المتحدة فعله.
قررت لجنة الرؤساء التابعة لمجلس الأمن القومي -بما في ذلك ضباط الحكومة وأعضاء هيئة الأركان المشتركة- أن الولايات المتحدة ليس لديها خيار سوى الانتقام بأسلحة نووية. وجادلت اللجنة في أن أي نوع آخر من الردود “سيُظهر نقصًا في العزيمة، ويضر بمصداقية الولايات المتحدة، ويضعف حلف الناتو”.
ومع ذلك، كان اختيار هدف نووي مناسب أمرًا صعبًا، فضرب القوة الروسية من شأنه أن يقتل المدنيين الأبرياء في دولة الناتو. وقد يؤدي ضرب أهداف داخل روسيا إلى تصعيد الصراع إلى حرب نووية شاملة.
في النهاية، أوصت اللجنة بشن هجوم نووي على بيلاروسيا. وهي “دولة لم تلعب أي دور على الإطلاق في غزو حليف الناتو، ولكن لسوء حظها كونها حليفة لروسيا”.
لعب نواب كبار الموظفين في مجلس الأمن القومي نفس اللعبة وتوصلوا إلى رد مختلف. جادل كولين كال -الذي كان في ذلك الوقت مستشارًا لنائب الرئيس جو بايدن “كان نائبا لأوباما”- بأن الانتقام بسلاح نووي سيكون خطأً فادحًا، واعتقد أنه سيكون أكثر فاعلية الرد بهجوم تقليدي، وتحويل الرأي العام العالمي ضد روسيا لانتهاكها المحرمات النووية.
وافق الآخرون، واقترح أفريل هينز -نائب مستشار الأمن القومي- صنع قمصان عليها شعار يجب على “النواب” أن يديروا العالم.
هينز هو الآن مدير الاستخبارات الوطنية للرئيس بايدن، وكاهل هو وكيل وزارة الدفاع للسياسة.
الغموض المتعمد
في عام 2019، أجرت وكالة الحد من التهديدات الدفاعية (DTRA) -وكالة البنتاجون الوحيدة المكلفة حصريًا بمكافحة وردع أسلحة الدمار الشامل- مناورات حربية مكثفة، حول كيفية رد الولايات المتحدة إذا غزت روسيا أوكرانيا. ثم استخدمت سلاحًا نوويًا.
يقول شلوسر: أحد المشاركين قال لي “لم تكن هناك نتائج سعيدة”. وأضاف: عندما يتعلق الأمر بالحرب النووية، فإن الرسالة الأساسية لفيلم “ألعاب الحرب” 1983 لا تزال سارية “الخطوة الوحيدة الرابحة هي عدم اللعب”.
خلال حديثه، أوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن أن أي استخدام للأسلحة النووية في أوكرانيا سيكون “غير مقبول تمامًا وسينطوي على عواقب وخيمة”. لكن، إدارته ظلت غامضة علنًا بشأن ماهية تلك العواقب.
يرى شلوسر أن هذا الغموض “هو السياسة الصحيحة. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك أيضًا نقاش مفتوح ونقاش خارج الإدارة حول ما هو على المحك حقًا”. لذلك، تحدث خلال الشهر الماضي، مع العديد من خبراء الأمن القومي والمسئولين الحكوميين السابقين حول احتمالية استخدام روسيا للأسلحة النووية ضد أوكرانيا، والأهداف المحتملة، والاستجابة الأمريكية المناسبة.
يقول: على الرغم من اختلافهم حول بعض القضايا، إلا أنني سمعت نفس النقطة مرارًا وتكرارًا: “خطر الحرب النووية أكبر اليوم من أي وقت آخر منذ أزمة الصواريخ الكوبية”. والقرارات التي يجب اتخاذها بعد الضربة النووية الروسية على أوكرانيا غير مسبوقة.
وتابع: في عام 1945، عندما دمرت الولايات المتحدة مدينتين يابانيتين بالقنابل الذرية. كانت القوة النووية الوحيدة في العالم. الآن، تمتلك تسع دول أسلحة نووية، وقد تحصل دول أخرى عليها قريبًا.
اقرأ أيضا: “ألعاب الحرب”.. الصراع على تايوان يرجح النووي
سلم التصعيد
يُعدد شلوسر بعض السيناريوهات لكيفية استخدام روسيا لسلاح نووي قريبًا.
يرى أن “انفجار فوق البحر الأسود” لن يتسبب في وقوع إصابات، ولكنه يُظهر تصميمًا على تجاوز العتبة النووية، والإشارة إلى أن الأسوأ قد يأتي. أو ربما “ضربة لقطع الرأس” ضد القيادة الأوكرانية. في محاولة لقتل الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ومستشاريه في مخابئهم تحت الأرض.
هناك سيناريوهات مثل “هجوم نووي على هدف عسكري أوكراني”، والذي قد يكون قاعدة جوية أو مستودع إمداد، لا يقصد به إيذاء المدنيين. في مقابل “تدمير مدينة أوكرانية”، مما يتسبب في وقوع إصابات جماعية في صفوف المدنيين، وخلق الرعب للتعجيل باستسلام سريع. وهي نفس الأهداف التي حفزت الهجمات النووية على هيروشيما وناجازاكي.
يؤكد شلوسر: إن أي رد من إدارة بايدن لن يعتمد فقط على كيفية استخدام روسيا لسلاح نووي ضد أوكرانيا. ولكن الأهم من ذلك، كيف يمكن أن يتأثر سلوك روسيا المستقبلي بالرد الأمريكي. هل ستشجع بوتين على التراجع – أم على المضاعفة؟
ركزت مناقشات الحرب الباردة حول الاستراتيجية النووية على طرق توقع وإدارة تصعيد الصراع. خلال أوائل الستينيات، توصل هيرمان كان، الاستراتيجي البارز في مؤسسة راند ومعهد هدسون، إلى استعارة مرئية للمشكلة: “سلم التصعيد”. وهو مفهوم مركزي في التفكير في كيفية خوض حرب نووية.
كانت نسخة السلم التي استخدمها كان تحتوي على 44 درجة. في الجزء السفلي كان هناك غياب للأعمال العدائية، في الأعلى كان الإبادة النووية. قد يختار الرئيس التصعيد من الخطوة رقم 26، “هجوم مظاهرة على منطقة داخلية”، إلى الخطوة رقم 39، “حرب بطيئة الحركة المضادة”.
قد يختلف الهدف من كل خطوة جديدة إلى الأعلى. مجرد إرسال رسالة، أو الإكراه أو السيطرة أو تدمير الخصم.
دوامة التصعيد
خلال الحرب الباردة، وضعت الولايات المتحدة الآلاف من الأسلحة النووية التكتيكية منخفضة القوة في دول الناتو. وخططت لاستخدامها في ساحة المعركة في حالة الغزو السوفيتي. في سبتمبر/ أيلول 1991، أمر الرئيس جورج بوش الأب -من جانب واحد- بإزالة جميع الأسلحة التكتيكية الأرضية الأمريكية من الخدمة وتدميرها. أرسل أمر بوش رسالة مفادها أن الحرب الباردة قد انتهت، وأن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر الأسلحة التكتيكية مفيدة في ساحة المعركة.
تتضمن “دوامة التصعيد”، وهي تصور أكثر حداثة وأكثر تعقيدًا من السلم، تم تطويره من قبل كريستوفر ياو، الذي شغل منصب كبير العلماء في قيادة الضربة العالمية للقوات الجوية الأمريكية من عام 2010 إلى عام 2015. أنه بالإضافة إلى الجوانب الرأسية لسلم التصعيد، تتضمن الدوامة الحركة الأفقية بين مختلف مجالات الحرب الحديثة. الفضاء، السيبرانية، التقليدية، والنووية. لتبدو دوامة التصعيد وكأنها إعصار.
يدعم سام نون عضو الكونجرس استراتيجية إدارة بايدن “الغموض المتعمد” حول كيفية ردها على استخدام روسيا لسلاح نووي. لكنه يأمل في أن يتم إجراء بعض أشكال دبلوماسية القنوات الخلفية سرًا، مع قيام شخصية محترمة على نطاق واسع. مثل مدير وكالة المخابرات المركزية السابق روبرت جيتس، بإخبار الروس -بصراحة- عن مدى قسوة انتقام الولايات المتحدة إذا تجاوزوا العتبة النووية.
يصف نون لكاتب أتلانتيك انتهاكات روسيا للمعايير القديمة بأنها “حماقة بوتين النووية”. ويؤكد أن ثلاثة أشياء أساسية ضرورية لتجنب وقوع كارثة نووية: القادة العقلاء، والمعلومات الدقيقة، وعدم وجود أخطاء فادحة. يقول: “أصبح الثلاثة جميعهم الآن في درجة ما من الشك”.
إذا استخدمت روسيا سلاحًا نوويًا في أوكرانيا، يعتقد نان أن الرد النووي الأمريكي يجب أن يكون الملاذ الأخير. إنه يفضل نوعًا من التصعيد الأفقي بدلاً من ذلك، ويفعل كل ما في وسعه لتجنب حدوث تبادل نووي بين روسيا والولايات المتحدة.
اقرأ أيضا: كيف يمكن لأوكرانيا الانتصار في الحرب؟
استبعاد الرد النووي
يلفت شولسر إلى أن أي من خبراء الأمن القومي الذين قابلهم لم يعتقد أن على الولايات المتحدة استخدام سلاح نووي ردا على هجوم نووي روسي على أوكرانيا.
يقول: تعتقد روز جوتيمولر، التي شغلت منصب كبير المفاوضين الأمريكيين في معاهدة ستارت الجديدة للحد من الأسلحة مع روسيا. ثم نائبة الأمين العام لحلف الناتو، أن أي هجوم نووي على أوكرانيا من شأنه أن يلهم إدانة عالمية، خاصة من دول في إفريقيا وأمريكا الجنوبية التي تعتبر مناطق خالية من الأسلحة النووية.
وتعتقد جوتيمولر أن الصين -على الرغم من دعمها الضمني لغزو أوكرانيا- ستعارض بشدة استخدام بوتين لسلاح نووي. وستدعم عقوبات ضد روسيا في مجلس الأمن. مبررة ذلك بأن الصين لطالما دعمت الضمانات النووية السلبية ووعدت في عام 2016 بـ “عدم استخدام الأسلحة النووية، أو التهديد باستخدامها، ضد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية. أو في المناطق الخالية من الأسلحة النووية، دون قيد أو شرط”.
ترى جوتمولر أن إدارة بايدن -إذا اكتشفت إزالة أسلحة تكتيكية من مواقع التخزين الروسية- يجب أن ترسل تحذيرًا صارمًا إلى موسكو عبر القنوات الخلفية. ثم الإعلان عن حركة تلك الأسلحة، باستخدام نفس التكتيك المتمثل في مشاركة المعلومات الاستخباراتية علانية.
“على مر السنين، تعرفت على العديد من كبار القادة الذين يشرفون على الترسانة النووية الروسية وطوروا احترامًا كبيرًا لمهنيتهم”. تقول جوتمولر إنهم قد يقاومون أمرًا باستخدام أسلحة نووية ضد أوكرانيا. و”إذا التزموا بهذا الأمر، فإن خيارها المفضل سيكون رد دبلوماسي قوي على الضربة النووية. وليس ردًا عسكريًا نوويًا أو عسكريًا تقليديًا، مصحوبًا بشكل ما من أشكال الحرب الهجينة”.
وأضافت: يمكن للولايات المتحدة أن تشن هجومًا إلكترونيًا معيقًا على أنظمة القيادة والسيطرة الروسية المرتبطة بالهجوم النووي. وتترك الباب مفتوحًا أمام احتمال شن هجمات عسكرية لاحقة.